لا يعني وجود خلفية نفسية وراء تبني الإلحاد أنه ينبغي علاج الملاحدة علاجا طبيا. وربما كان الاستثناءان الوحيدان لعلاج أصحاب المفاهيم الدينية نفسانيا هما…
أ.د. عمرو شريف
عندما طرح فرويد نظرية “الإسقاط” لتفسير الإيمان بالله، فقد مهد لطرح “نظرية الإسقاط” لتفسير الإلحاد. ومن ثم لا مبرر لغضب الملاحدة عندما نتبنى القول بالأصول النفسية والعصبية للإلحاد، ففرويد هو أول من فعلها، لكن في الاتجاه المعاكس. كذلك يقدم فرويد من خلال عقدة أوديب، أرضية مثالية لرفض الإله كأحد مظاهر تحقيق الرغبات.
اهتم علماء النفس حديثا بالأسباب النفسية والشخصية والاجتماعية وراء تبني الإلحاد، وخرجت هذه الدراسات بقناعة علمية بأن هذه العوامل تقف في مقدمة أسباب هذه الظاهرة، ومن ثم فإن ما يطرحه الملاحدة كأسباب معرفية موضوعية (علمية ومنطقية) لإلحادهم ما هي (في معظم الأحيان) إلا قناع تختفي وراءه العوامل النفسية والشخصية والاجتماعية.
عواملٌ نفسية قد تقف وراء تبني الإلحاد
ومن أهم العوامل النفسية وراء تبني الإلحاد “منظور التقصير الأبوي” الذي يتبنى أن الإنسان يعتبر الإله النموذج المطلق للقوة والسلطة، كما يرى في أبيه التجسيد البشري لهذا النموذج. ومن ثم فمن يفقدون الآباء (وفاة-هجر للأسرة) وهؤلاء الذين لديهم آباء ضعفاء (جبناء) أو أساءوا معاملتهم (بدنيا – نفسيا – جنسيا) يعانون صعوبات في تبني الإيمان بالله.
طرح علماء النفس “نظرية الارتباط” التي تتبنى أن طبيعة الرابطة بين الطفل وأمه “الرمز الأمومي” تمثل النموذج الذي ستكون عليه العلاقة بين هذا الشخص في المستقبل وبين الآخرين، ويمتد هذا النموذج حتى يؤثر في العلاقة بالإله. وبديهي أن الكثير من الحالات الملحدة يجتمع فيها التقصير الأبوي مع اختلال رمز الأم.
يسبب الإجهاض لكثير من النساء على المستوى النفسي ما يعرف بصدمة ما بعد الإجهاض. ولا يقف تأثير هذه الصدمة عند المرأة بل قد يمتد إلى زوجها وأبنائها ووالديها، حتى يمكن القول إن الإجهاض قد يدمر العائلة نفسيا، وقد يمتد هذا التأثير ليدمر العلاقة بالإله.
إذا كان الطب النفسي –حتى الآن- لا يصنف الأفكار والسلوك الإلحادي كأحد أنواع اضطرابات الشخصية، فإن العديد من أطباء النفس يميلون لتصنيف التوجه الإلحادي الأصولي الشرس كأحد أنواع اضطرابات الشخصية، ويلحقونه بمجموعة من اضطرابات الشخصية تعرف ب “تغيرات دائمة في الشخصية، لا ترجع إلى أذى جسيم أو مرض بالمخ”. كذلك نظر بعض أطباء النفس إلى الإلحاد الشرس باعتباره متلازمة مرضية متكاملة الأركان.
لا يعني وجود خلفية نفسية وراء تبني الإلحاد أنه ينبغي علاج الملاحدة علاجا طبيا. وربما كان الاستثناءان الوحيدان لعلاج أصحاب المفاهيم الدينية نفسانيا هما: أن يتبنى الشخص مفاهيم مغرقة في الغرابة، كهؤلاء الذي يأخذون أهلوهم إلى أطباء النفس لأنهم يصرون على أنهم آلهة أو أنبياء. والاستثناء الثاني: أن تؤثر مفاهيم الشخص على حياته العملية والاجتماعية، كهؤلاء الذين ينعزلون عن الحياة؛ فهذه السلوكيات تدل على أنواع مختلفة من اضطرابات الشخصية التي تتطلب العلاج، وينبغي أن يتوافر في الشخصيتين شرط مهم؛ وهو رغبتهم في العلاج.
______________________________________
المصدر: كتاب الإلحاد مشكلة نفسية، د. عمرو شريف، ط2، 2016، ص: 435
[ica_orginalurl]