إذا كان الله محبة و جمالاً و خيراً فكيف يخلق الكراهية و القبح و الشر ؟
إعداد/ فريق التحرير
يصنف البعض الكثير من الشبهات والاستفسارات الدينية واضعا إياها تحت مظلة الإلحاد.. غافلا عن كون الإلحاد كمفهوم عام ينقسم ويتفرع لعدة أقسام.. من بينها مفهوم اللادينية أو الربوبية.. والتي تُعتبر اتجاها فكريا يرفض مرجعية الدين في حياة الإنسان ويؤمن بحق الإنسان في رسم حاضره ومستقبله واختيار مصيره بنفسه دون وصاية دين أو التزام بشريعة دينية، وترى أن النص الديني هو مجرد نص بشري محض لا ينطوي على قداسة خاصة ولا يعبر عن الحقيقة المطلقة
فهم فرقة يؤمنون بوجود خالق ولا يؤمنون بأي ديانة.. و يعتقدون أن الله خلق الكون وجعل له نظاما لكنه لا يتدخل به، وسبب هذا الاعتقاد كما يدعون أنهم لا يرون تدخل الخالق في الكوارث الطبيعية وأنه لا يوجد دليل على تدخله.
لا يسألون الله في شدة ولا في رخاء لئلا دليل بزعمهم على أن الله يستجيب الدعاء، ويعتقدون بأن الله خلقهم وخلق لهم نظامهم وهي الطبيعة وتركهم لكي يتمتعون بحياتهم.
وعليه فإن كل ملحد هو لاديني.. ولكن ليس كل لاديني ملحد تماما خالصا في إلحاده.
ولمن يعتنقون الفكر اللاديني مجموعة شبهات خاصة سنحاول جمعها وترتيبها ونشر الأجوبة المتعلقة بها في سلسلة مقالات خاصة…
من الأفكار اللادينية.. لماذا خلق الله الشر
الشبهة الثانية:
لماذا سمح الله بوجود الشر في العالم؟، وما الحكمة من سماح الإله بحدوث الكوارث الطبيعية والحروب والفتن؟
قال الدكتور/ مصطفى محمود مجيباً
قال صاحبي ساخراً: (كيف تزعمون أن إلهكم كامل و رحمن و رحيم و كريم ورؤوف و هو قد خلق كل هذه الشرور في العالم.. المرض و الشيخوخة و الموت و الزلازل و البراكين و الميكروبات و السموم و الحر و الزمهرير و آلام السرطان التي لا تعفي الطفل الوليد و لا الشيخ الطاعن؟).
إذا كان الله محبة و جمالاً و خيراً فكيف يخلق الكراهية و القبح و الشر. و المشكلة التي أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة و قد انقسمت حولها مدارس الفكر و اختلفت حولها الآراء.
و نحن نقول أن الله كله رحمة و كله خير و أنه لم يأمر بالشر و لكنه سمح به لحكمة.
“إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ” (الأعراف:28،29)
الله لا يأمر إلا بالعدل و المحبة و الإحسان و العفو و الخير و هو لا يرضى إلا بالطيب.
فلماذا ترك الظالم يظلم و القاتل يقتل و السارق يسرق؟
لأن الله أرادنا أحرارا.. و الحرية اقتضت الخطأ و لا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة و الخطأ و الصواب و الاختيار الحر بين المعصية و الطاعة. و كان في قدرة الله أن يجعلنا جميعًا أخياراً و ذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهراً، و كان ذلك يقتضي أن يسلبنا حرية الاختيار. و في دستور الله و سنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة..
و لهذا تركنا نخطئ و نتألم و نتعلم و هذه هي الحكمة في سماحه بالشر.
و مع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة و أن الشر هو الاستثناء..
فالصحة هي القاعدة و المرض استثناء و نحن نقضي معظم سنوات عمرنا في صحة و لا يزورنا المرض إلا أياماً قليلة.. و بالمثل الزلازل هي في مجملها بضع دقائق في عمر الكرة الأرضية الذي يُحصَى بملايين السنين و كذلك البراكين و كذلك الحروب هي تشنجات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة.
ثم أننا نرى لكل شيء وجه خير فالمرض يخلف وقاية، و الألم يربي الصلابة و الجلد و التحمل، و الزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية و تحمي القشرة الأرضية من الانفجار و تُعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة و ثقَّالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، و البراكين تنفِث المعادن و الثروات الخبيثة الباطنة و تكسو الأرض بتربة بركانية خصبة..
و الحروب تدمج الأمم و تلقح بينها و تجمعها في كتل و أحلاف ثم في عصبة أمم ثم في مجلس أمن هو بمثابة محكمة عالمية للتشاكي و التصالح.. و أعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب.. البنسلين.. الذرة.. الصواريخ.. الطائرات النفاثة.. كلها خرجت من آتون الحروب و من سم الثعبان يخرج الترياق. و من الميكروب نصنع اللقاح.
و لولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في مناصبنا، و الشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربْتَ منه خُيلَ إليك أنه عيب و نقص في الصورة.. و لكن إذا ابتعدت و نظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري و لا غنى عنه و أنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
و هل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض؟!
إن الصحة تظل تاجاً على رؤوسنا لا نراه و لا نعرفه إلا حينما نمرض. و بالمثل ما كان ممكناً أن نعرف الجمال لولا القبح و لا الوضع الطبيعي لولا الشاذ.
و لهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي : إن نقص الكون هو عين كماله مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته و لو أنه استقام لما رمى.
وظيفة أخرى للمشقات و الآلام.. أنها هي التي تفرز الناس و تكشف معادنهم .
لولا المشقـة سـاد النـاس كُلَهُـمُ … الجُــودُ يُفـقِــر و الإقــدامُ قَتـّـــالُ
إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا و الابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله.
ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية القصة و لكن بدايتها. و لا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد و لا أن نرفض كتاباً لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا.
الحكم هنا ناقص .. و لا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف..
ثم ما هو البديل الذي يتصوره السائل الذي يسخر منا ؟!
هل يريد أن يعيش حياة بلا موت بلا مرض بلا شيخوخة بلا نقص بلا عجز بلا قيود بلا أحزان بلا آلام .
هل يطلب كمالاً مطلقا ؟!.. و لكن الكمال المطلق لله.
و الكامل واحد لا يتعدد .. و لماذا يتعدد.. و ماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره؟!
معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا أن يكون هو الله ذاته و هو التطاول بعينه.
و دعونا نسخر منه بدورنا.. هو و أمثاله ممن لا يعجبهم شيء. هؤلاء الذين يريدونها جنة ..ماذا فعلوا ليستحقونها جنة ؟
و ماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون؟.
إن جدتي أكثر ذكاء من الأستاذ الدكتور المتخرج من فرنسا حينما تقول في بساطة : خير من الله شر من نفوسنا
إنها كلمات قليلة و لكنها تلخيص أمين للمشكلة كلها..
فالله أرسل الرياح و أجرى النهر و لكن رُبّان السفينة الجشع ملأ سفينته بالناس و البضائع بأكثر مما تحتمل؛ فغرقت.. فمضى يسب الله و القدر!!
الله أرسل الرياح رخاءً و أجرى النهر خيراً..
و لكن جشع النفوس و طمعها هو الذي قلب هذا الخير شراً…
____________________________________________
المراجع:
شبكة الدفاع عن السنة
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=137546
شبكة الألوكة الثقافية
http://majles.alukah.net/t76281/
كتاب/ حوار مع صديقي الملحد، لماذا خلق الله الشر، د. مصطفى محمود
[ica_orginalurl]