ما هي الأمور التي إذا فعلناها كنا قد أخذنا بالأسباب التي تجعل الدعاء مستجابا عند الله؟
(مقتطف من المقال)
إعداد/ فريق التحرير
في عالم الشبهات الإلحادية.. شبهات رئيسية وشبهات ثانوية.. أي شبهات تكثر وتردد بكثافة، وشبهات لا تجد لنفسها نفس المساحة من الرواج والشهرة.
ولعل شبهة وعد الله تعالى باستجابة الدعاء وعدم تحقق ذلك.. من أعظم الشبهات وأشهرها وأكثرها إيلاما للنفس؛ فصاحبها يشعر وكأن الله تخلى عنه بعد أن وعده بالمساعدة؛ فتركه في أحلك اللحظات التي ظن ألا منجي منها غير الله ولا ملجأ فيها إلا إليه.. وهنا تكون الصدمة التي تدفع بالبعض إلى إنكار ذلك الوعد الإلهي ثم إنكار وجود الإله ذاته!
فما حقيقة ذلك الوعد، وما شروط تحققه، وهل يمكن ألا يفي الله بوعده لخلقه؟ أم أن في الأمر أسرارا ولطائف علينا التعرف عليها وفهمها قبل إصدار الأحكام وتعميمها؟
مقال يحمل الكثير من الأجوبة…
الدعاء شأنه عند الله كبير، و أجره عظيم، ومعناه إظهار الافتقار لله تعالى، والتبرؤ من الحَوْل والقوة، كما أن فيه معنى الثناء على الله الغني القادر، بكل المحامد، ونسبة الجود والكرم المطلق إليه سبحانه، فإنه هو الرزاق الكريم، وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة أمر الله عز وجل لعباده بالدعاء، وعِظم شأنه وفضله، فهو من أعظم العبادات بل هو العبادة نفسها، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: “ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ” (غافر:60) (رواه الترمذي).
فلا شك إذا أن الدعاء من أعظم العبادات، كما أن المرء لا غنى له عن سؤاله لربه، لكن السؤال الذي يسأله كثير منا: لمَ ندعو ولا يستجاب لنا؟
الجواب:
هناك أسباب على المسلم أن يأخذ بها حتى يكون دعاؤه بإذن الله مستجاباً، ولكن قبل أن نذكر تلك الأسباب لنقف مع أحد العلماء الصالحين وقد سُئل ذات السؤال:
مر إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف بسوق البصرة فاجتمع عليه الناس، فقالوا له: يا أبا إسحاق: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، وادعيتم أنكم تحبون رسول الله وتركتم سنته، وقرأتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعمة الله ولم تؤدوا شكرها، وقلتم: إن الشيطان عدوكم ووافقتموه، وقلتم: إن النار حق ولم تهربوا منها، وقلتم: إن الجنة حق ولم تعملوا لها، وقلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له، وإذا انتبهتم من النوم اشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.
فما هي الأمور التي إذا فعلناها كنا قد أخذنا بالأسباب التي تجعل الدعاء مستجابا عند الله؟ هي عدة أمور، أهمها:
الأمر الأول: أن يترصد لدعائه الأوقات والمواسم المباركة:
- كيوم عرفة من السنة، روى مالك في موطئه عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (َفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ).. فالدعاء في يوم عرفة أقرب إلى الإجابة.
- رمضان من الأشهر، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ).
- يوم الجمعة من الأسبوع، روى مالك في موطئيه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: (فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئاً، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ، يُقَلِّلُهَا) والحديث رواه كذلك البخاري ومسلم وغيرهما.
واختلف أهل العلم في تحديد هذه الساعة، فقيل: من إقامة الصلاة إلى الانصراف منها، وقيل: من افتتاح الخطبة إلى الانتهاء من الصلاة، وقيل: من جلوس الخطيب إلى إقامة الصلاة، وقيل: من بعد العصر إلى غروب الشمس، وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحدا إلى غروب الشمس، وهذا القول والذي هو أنه بعد العصر رجحه كثير من أهل العلم.
- كذلك من أوقات إجابة الدعاء ثلث الليل الآخر، قال تعالى “وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (الذاريات:18)، روى أبو داود في سننه عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ).
- وكذلك من أوقات إجابة الدعاء، أن تدعو أثناء استيقاظك في الليل، روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ). و(مَنْ تَعَارَّ): أَيِ: انْتَبَهَ مِنَ النَّوْمِ، وَقِيلَ: تَقَلَّبَ فِي فِرَاشِهِ.
- كذلك من أوقات إجابة الدعاء: أدبار الصلوات المكتوبات، قال مجاهد: إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات روى الترمذي في سننه بسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ).
- كذلك من أوقات إجابة الدعاء: بين الآذان والإقامة، روى أبو داود في سننه بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ)، وعند السجود روى مسلم في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (َقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)، وروى مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ).
- كذلك من أوقات إجابة الدعاء: عند الآذان، روى الإمام أحمد في مسنده بسنده عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ)، روى الحاكم في مستدركه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَالَ: قَلَّ مَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، أَوْ عِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا)، وفي رواية: ((وتحت المطر)).
- كذلك من أوقات إجابة الدعاء: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، روى الحاكم في مستدركه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَالَ: قَلَّ مَا تُرَدَّانِ، الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، أَوْ عِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا)، وفي رواية: ((وتحت المطر)).
الأمر الثاني: مراعاة آداب الدعاء
1. أن يكون الداعي موحداً لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ممتلئاً قلبه بالتوحيد، فشرط إجابة الله للدعاء: استجابة العبد لربه بطاعته وترك معصيته، قال الله تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” (البقرة:186).
2. الإخلاص لله تعالى في الدعاء، قال الله تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ” (البينة:5)، والدعاء هو العبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص شرط لقبوله .
3. أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى، قال الله تعالى: “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (الأعراف:180).
4. الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله، روى الترمذي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ).
5.استقبال القبلة، ورفع اليدين.. روى أبو داود عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا).
6.اليقين بالله تعالى بالإجابة، وحضور القلب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) رواه الترمذي.
7.الإكثار من المسألة، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة، والإلحاح في الدعاء، وعدم استعجال الاستجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) رواه البخاري.
8. الجزم فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ) رواه البخاري ومسلم.
9. التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال الله تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (الأعراف:55)، وقال: “…إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” (الأنبياء:90)، وقال: “وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ” (الأعراف:205).
10. الدعاء ثلاثاً.
11.إطابة المأكل والملبس، روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ”، وَقَالَ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ”، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ).
12. إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال الله تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (الأعراف:55)، وأثنى الله تعالى على عبده زكريا عليه السلام بقوله: “إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا” (مريم:3).
إذاً تحدثنا عن مواطن وأوقات استجابة الدعاء وعن آداب الدعاء وما يستحب فيه.. لكن بالرغم من ذلك يظل التساؤل الأساسي قائما: ماذا لو قمت بكل ما سبق وتحريَّته وحرصت عليه ولم يُستجب دعائي؟!!!
بداية لابد من العلم أن من حقق شروط الإجابة، وانتفت عنه موانعها، فدعاؤه مستجاب بلا شك، وليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب بعينه وفي الحال، فإن صور الإجابة متنوعة، فإما أن يُعطى ما سأل، وإما أن يُصرف عنه من السوء مثله، وإما أن يدخر له في الآخرة، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ). رواه أحمد، وصححه الألباني.
قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة. اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح: كُلُّ دَاعٍ يُسْتَجَاب لَهُ، لَكِنْ تَتَنَوَّع الْإِجَابَة: فَتَارَة تَقَع بِعَيْنِ مَا دَعَا بِهِ، وَتَارَة بِعِوَضِهِ. اهـ.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: اعلم أن الله عز وجل لا يرد دعاء المؤمن، غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة، وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة، فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة، فإنه بالدعاء متعبد، وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مفوض. اهـ.
وخلاصة القول في هذا الأمر.. أنه لو تحرى المسلم أقوات قبول الدعاء.. والتزم آدابه.. فلن يردَّ الله دعاءه أبدا.. وسيكون أمره بين حالات ثلاث:
الأولى: أن يستجيب الله لصاحبه في الدُّنيا.
الثانية: أن الله يدفع بهذا الدُّعاء بلاءً قد كان يقع على هذا الداعي؛ فالدعاء صاعدٌ، والبلاء نازلٌ، فَيَتَعَالَجَانِ -أي يتصارعان-، فمن رحمة الله بعبده أن يَصْرَعَ الدُّعاءُ البلاءَ؛ فلا يقع على هذا العبد هذا البلاءُ بسبب دعائه.
الثالثة: أن الله يدَّخر لهذا العبد تلك الدَّعوة في الآخرة، ويعوِّضه عن ذلك خير عِوَضٍ، والله أعلم.
المصادر:
*موقع طريق الإسلام
https://bit.ly/2OvqLuV
*موقع الإسلام سؤال وجواب
https://bit.ly/2Yx6REq
*موقع إسلام ويب
*شبكة الألوكة الشرعية
[ica_orginalurl]