من الملاحظات المهمة التي يمكن تسجيلها حول ظاهرة الإلحاد الجديد، ولعلها تمثل الصفة المركزية المميزة لهذه الظاهرة، تلك اللغة شديدة العدائية للدين، ولمبدأ التدين، ولقضية الإيمان بالله، حتى تم توصيف الظاهرة الإلحادية الجديدة في بعض الدوائر الفكرية الغربية ب (ميليشيات الإلحاد) وذلك بسبب النمط العدائي الشديد الذي يتميز به هذا الخطاب الإلحادي.
عبد الله بن صالح العجيري
بطبيعة الحال ليست مثل هذه الممارسات العدوانية من قِبل الملاحدة الجدد محل قبول وموافقة عند جميع الملاحدة، إذ وجد من ينتقد هذه الممارسات، ويراها مفتقدة للموضوعية والمهنية، ومضرة بالخطاب الإلحادي ذاته.
فملاحظة النمط العدائي لهذا الخطاب الإلحادي أمر يلحظه حتى بعض الملاحدة، بل ويقدمون نقدا قاسيا له.
فمن الملاحدة الذين انتقدوا هذه الحالة المفرطة في العدوانية من الدين والمتدينين البروفيسور في مجال الاتصالات (ماثيو نسبت ويس) والذي يقول في مقالة له بعنوان (صورتين للإلحاد) : (لدى الملاحدة مشكلة كبيرة في صورتهم الذهنية مجتمعيا، ثمة سبب حين يسألني الناس عن معتقدي فأجيب مبتسما: (أنا ملحد.. لكن ملحد لطيف). بالتأكيد ظل الملاحدة لوقت طويل عرضة لصور نمطية غير عادلة في الإعلام والثقافة الشعبية. لكن لدينا متحدثون شديدو السوء نصبوا أنفسهم يضرون بصورتنا العامة. وهم عادة يتصفون بالغضب وانعدام الكاريزما مع عاطفة جياشة للسخرية من المتدينين. وكل ملحد يختلف مع خطاباتهم الساخرة فإنه يتم تصنيفه كمداهن.. هؤلاء الملاحدة الجدد هم الظُلمة بالجزء السفلي للإلحاد، في كتبهم، ومدوناتهم، وتصريحاتهم.. يبيعوننا أيدولوجيا إباحية، والتشدق غير الناضج والذي يغذي الجوانب السلبية فينا، ويعزز من الصورة النمطية الظالمة في أنفسنا حول الآخرين كالمتدينين مثلا).
ويقول (نعوم تشومسكي) أستاذ اللسانيات الشهير صراحة واصفا هيتشنز وهارس: (إنهم ببساطة متدينون متعصبون)!.
نقد الخطاب الإلحادي من الداخل!
وممن انتقد الملاحدة الجدد أيضا الفيزيائي الملحد (بيتر هيجز) الحائز على جائزة نوبل حيث قال واصفا دوكنز: (دوكنز بطريقة ما يكاد يكون متطرفا، ولكن من نوع مختلف). وعبر عن استيائه من موقف دوكنز من المتدينين، وصرح بأنه يوافق أولئك الذين يرون أن مقاربته للموضوع مخجلة.
وممن اشتهر بنقد هذه الحالة الإلحادية الوقحة (مايكل روس) الملحد الدارويني الشهير، صاحب الترجمة الشهيرة لتشارلز دارون، والذي كتب في رسالة ل (دانييل دينيت): (أعتقد أنك وريتشارد دوكنز كارثة حقيقية في الحرب ضد فكرة التصميم الذكي، إننا نخسر المعركة، ليس فقط بسبب أن اثنين من قضاة المحكمة العليا سيصوتون يقينا بإدخالها إلى الفصول الدراسية. الذي نحتاجه ليس إلحادا يمثل ردة فعل غير محسوبة وإنما قدر من الجدية في التعاطي مع مختلف الموضوعات. وليس عندكما الإرادة لدراسة النصرانية دراسة جادة والدخول في نقاش جاد مع تلك الأفكار. وبشكل واضح فإنه من السخف بل ليس من الأخلاق ادعاء أن النصرانية تمثل قوة للشر كما يدعي ريتشارد. وأكثر من هذا إننا في معركة، وفي المعارك نحتاج لحلفاء وليس إبادة كل أصحاب النوايا الطيبة).
ومما يؤكده مايكل روس أيضا عدم جدية الملاحدة الجدد في تفهم الموقف الديني، والتعرف على حججه، والدخول في دائرة جدل حقيقي معه، يقول في عبارة لاذعة واصفا سطحية كتاب (وهم الإله) وحركة الإلحاد الجديد: (بخلاف الملاحدة الجدد فإنني آخذ مسألة المعرفة بشكل جاد. لقد كتبت بأن كتاب (وهم الإله) جعلني أشعر بالخجل من كوني ملحدا).
فإذا كان هذا طبيعة الخطاب الإلحادي لبعض زملائهم الملاحدة ممن لا يشاركونهم عصبيتهم المفرطة تجاه الدين، وخطابهم العدائي، فكيف الظن بخطابهم للمتدينين؟!
وما من شك أن الممارسة الطاغية لكثير من الملاحدة اليوم، والصوت العالي إنما هو لذلك النفس العدائي المستفز من الخطابات الإلحادية والذي يمثل السمة المركزية في الخطاب الإلحادي الجديد.
باختصار.. الرسالة التي يريد الملاحدة الجدد تمريرها في المشهد هو (العلم الطبيعي مدهش، وهو جميل، أما الدين فهو ليس مدهشا ولا جميلا، بل هو معيق) كما يقول دوكنز، وبالتالي فمن الضروري التخلص منه.
_____________________________________________
المصدر: عبد الله بن صالح العجيري، ميليشيا الإلحاد، مركز تكوين للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى، 2014
[ica_orginalurl]