العلاقة بين الإسلام والغرب وهل تسير نحو الحوار أم الصدام؟ هي إحدى القضايا الهامة المطروحة على الساحة الإسلامية منذ سنوات ولا تنفصل عن قضية الحوار بين الأديان.. سُئل فضيلة الشيخ محمد الغزالي حول رؤيته لهذه العلاقة بين الإسلام والغرب وموقف الإسلام و المسلمين من الحوار مع الآخر بشكل عام فقال:
إن الإسلام دين يقوم على (الجدال) مع الآخرين أو بتعبير العصر الحاضر (الحوار) مع الآخرين لأن الآية صريحة.. “… وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…” (النحل:125). وفي خط الدعوة يقول الحق تبارك وتعالى: “فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” (الشورى:15).
فنحن لا نشعر أننا نريد الانفراد بالعقيدة الدينية في العالم ولا التشريع الإسلامي في الدنيا وإنما الأمر كما قال تعالى: “… فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ…” (الكهف:29).
ولكن نحب أن يكون هناك جو ودي فيه تلاقٍ صريح نعرف في إطاره الآخرين وهم يعرفوننا؛ بمعنى أن يكون التعارف هو الأساس بين المسلمين والأطراف الأخرى.. فلا نخدع أحدا عما عندنا ولا يخدعنا أحد عما عنده.
ولاشك أن على المسلمين قبل ذلك أن يتعرفوا على العقائد المقطوع بها وعلى الأمور التي لا خلاف فيها بحيث يتم الاتفاق عليها منعا للخلافات غير المبررة فيما بين المسلمين؛ فعلى سبيل المثال لا يُقبل أن نعرِّف الآخر على الإسلام من خلال مذهب واحد فقط فهذا القول لا يتفق مع الحقيقة ولا يقبل في الدعوة إلى الإسلام، ومن غير المقبول أيضا عرض الفروع الفقهية؛ لأنها تختلف من مذهب إلى آخر ومن حق المسلم أن يختار أي رأي من آراء تلك المذاهب.
وعن وجود أرضيه مشتركة بين الأديان كالإيمان بالله واليوم الآخر، ولأي مدى يمكن أن تسمح تلك الأرضية بالتعاون بين أتباع الأديان السماوية…
أجاب فضيلة الشيخ: نحن نرى أن أهل الكتاب أقرب إلينا بداهة ممن ينكرون الألوهية ولذلك فانه يمكن في الإسلام أن تقوم الأسرة على رجل مسلم وامرأة يهودية أو مسيحية ولكن يمنع ديننا زواج المسلمة من كتابي؛ لأننا نحن المسلمين مؤمنون بكل الأنبياء وبالتالي فإن الزوج المسلم لا يمكن أن يجرح زوجته أو يحتقر ديانتها؛ لأن موسى وعيسى نبيان مقدسان عندنا، أما أهل الكتاب فلا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم رسول الله ومن ثم فان الكتابي غير المسلم قد يؤذي زوجته في دينها ولا تقوم زوجية بين زوج يحتقر ديانة زوجته.
وعموما نحن مكلفون بأن نتعاون على البر والتقوى حيث يقول تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ…” (المائدة:2).. هذه الآية تقصد التعاون مع غير المسلمين، كما أن الإنسان في نظر الإسلام لابد وأن ينظر إلى الآخرين على أنهم أخوة له في الإنسانية مصداقا لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات:13)، و الله تعالى يقول: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” (آل عمران:64) وتعني هذه الآية أننا على الدين الذي دُعيتم إليه وأنتم أحرارا أن تتبعوا أولا تتبعوا، ويتأكد ذلك أيضا في قوله تعالى: “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ. لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ” (الغاشية:21-22) ولا شك أن هناك مجالات عديدة للتعاون فيما بين أتباع الأديان السماوية لمواجهة القضايا الكبرى التي تهدد البشرية.
__________________________________________________
المصدر: بتصرف يسير من كتاب/ تجربة الشيخ محمد الغزالي في تجديد الفكر الإسلامي، د. محمد يونس
[opic_orginalurl]