إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
لا بد للمرء في سبيل تحقيق أهدافه، والوصول إلى غايته من استخدام الوسيلة التي تعينه على ذلك، فإن الله -عز وجل- قد ربط الأسباب بالمسببات، وأمر بالأخذ بالوسائل المؤدية إلى الغايات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ (سورة المائدة آية: 35) والدعاة إلى الله أولى الناس بابتغاء الوسائل التي تقربهم إلى الله، وتصل بدعوتهم إلى الناس، تمشيًا مع سنن الله في الأرض.
ووسائل الدعوة هي: ما يتوصل به الداعية إلى تطبيق مناهج الدعوة من أمور معنوية أو مادية.
أنواع الوسائل الدعوية
1. الوسائل المعنوية: ونريد بها جميع ما يعين الداعية على دعوته من أمور قلبية، أو فكرية، كالصفات الحميدة، والتفكير والتخطيط وما إلى ذلك من أمور لا تُحس ولا تُلمس، وإنما تعرف بآثارها.
2. الوسائل المادية: وهي جميع ما يعين الداعية من أمور محسوسة أو ملموسة، وذلك كالقول، والحركة، والأدوات، والأعمال.
ويمكن تقسيم الوسائل المادية إلى ثلاثة أنواع:
أ. الفطرية: وهي الوسائل الموجودة في فطرة الإنسان وجبلته، كالقول والحركة.
ب. الفنية: وهي الوسائل التي يكتسبها الإنسان كسبا، ويتعلمها ويتفنن في إيجادها وتطويرها، كالكتابة، والإذاعة والتلفاز.
ج. التطبيقية: وهي ما يقابل الوسائل النظرية من: إعمار المساجد، وإنشاء المؤسسات الدعوية، وما إلى ذلك.
ضوابط مشروعية الوسائل الدعوية
1. النص على مشروعية الوسيلة في الكتاب أو السنة أو طلبها بوجه من أوجه الطلب: فإن أي وسيلة نص الشارع على مشروعيتها بأن أمر بها وباستخدامها على سبيل الوجوب أو الندب، أو صرح بإباحتها وجواز استخدامها، فهي وسيلة مشروعة بحسب نوع مشروعيتها من وجوب أو ندب أو إباحة، يلتزم الداعية باستخدامها، وقد وردت نصوص شرعية كثيرة منها: قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص: 1)، وقال: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: 15).
2. النص على تحريم الوسيلة في الكتاب أو السنة أو النهي عنها بوجه من أوجه النهي: فإن أي وسيلة نص الشارع على النهي عنها بوجه من أوجه النهي فهي وسيلة ممنوعة بحسب نوع النهي تحريما كان أو كراهية، وعلى الداعية أن يتجنبها، ويتنزه عن استخدامها، وقد وردت نصوص شرعية تنهى عن بعض الوسائل المعنوية أو المادية، من ذلك: ما ورد عن الكذب، والكبر، والحلف، وإخلاف الوعد، ورفع الصوت وما إلى ذلك، قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ (سورة القلم آية: 11) وقال: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ (سورة المنافقون آية: 1).
3. دخول الوسيلة في دائرة المباح: إن أي وسيلة دعوية لم ينص الشارع على مشروعيتها، ولم يأت بالنهي عنها، وإنما سكت عنها، فتدخل في دائرة الإباحة بناءً على أن الأصل في الأشياء الإباحة، فيسع الداعية استخدامها في دعوته، ذلك لأن النصوص الشرعية محدودة مهما كثرت، والوسائل متجددة متطورة مع تعاقب الأزمان، فلا يمكن أن تستوعب النصوصُ الحديث عنها، كما هو الشأن في وسيلة مكبر الصوت، والمذياع وغيره من المخترعات الحديثة.
فالأصل في هذا النوع من الوسائل الإباحة ما لم يعرض له عارض يخرجه عن ذلك الأصل.
4. خروج الوسيلة عن كونها شعارًا لكافر: فقد ثبت نهي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن التشبه بالكفار، وأمرهُ بمخالفتهم ولا سيما فيما كان شعارًا لهم يعرفون به، فقد جاء في الحديث الشريف: “من تشبه بقوم فهو منهم”، وجاء أيضًا: “ليس منا من تشبه بغيرنا”؛ فعلى الداعية أن يتجنب في دعوته أي وسيلة تُعد شعارًا للكفار، مهما كان نوعها، كما فعل -صلى الله عليه وسلم- لما عُرضت عليه مثل هذه الوسائل للدعوة إلى الصلاة، ففي الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: “كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يا بلال قم فناد بالصلاة”. ومن هنا: جعلنا من ضوابط مشروعية الوسيلة أن لا تكون شعارًا لكافر، ليشمل اللفظ حكم جواز استعمال الوسيلة التي كانت شعارًا لكافر، ثم خرجت عن هذا الوصف، لأنها لم تعد شعارًا لهم، كما وضح وبين هذا القول عدد من العلماء.
5. الترخيص في استعمال بعض الوسائل الممنوعة في بعض الأحوال: لما كان الدين الإسلامي دينًا عمليًّا يصلح للتطبيق في كل زمان ومكان، جاء فيه الترخيص باستعمال الممنوع منه دفعًا للحرج وتحقيقًا للضرورات والحاجات، وكان هذا الترخيص على نوعين أساسيين هما:
أ. الترخيص ببعض الوسائل الخاصة في بعض الأحوال تغليبًا لجانب درء المفاسد على تحقيق المصالح، أو موازنة بين المفاسد إذا اجتمعت، وتقديم أخف المفسدتين، كما جرى في الترخيص في الكذب في عدة مواطن.
ب. الترخيص بفعل المحظورات بسبب الضرورات أو الحاجات الملحة: وقد قعد العلماء في هذا قاعدتين:
1. الضرورات تبيح المحظورات.
2. الضرورات تُقدر بقدرها.
ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ (الأنعام: 119)، فيجوز للداعية في حالات الاضطرار وما شابهها أن يستخدم الوسيلة المحرمة بالقدر الذي تدفع فيه تلك الضرورة الملجئة، والحاجة الملحة.
الخصائص العامة للوسائل الدعوية
1. خصيصة الشرعية: ونعني بها انضباط جميع الوسائل الدعوية بحكم الشرع، فلا يجوز للداعية الخروج على أحكام الشرع في مناهجه وأساليبه ووسائله، لأن الدعوة في حقيقتها طريقةُ تطبيق الشريعة، ومنهجها الذي رسمه الله لها، فلا يصح الخروج عليه في أي جانب من جوانبه.
2. خصيصة التطور: الأصل في الوسائل والأساليب التطور والتجدد، تبعًا لتطور عادات الناس وأعرافهم، ولتقدم العلوم والفنون، فإن لكل عصر أساليبه ووسائله في جميع نواحي الحياة، وإن هذه الوسائل المعاصرة قد تشترك مع وسائل عصر سابق، وقد تختلف عنها، فالداعية الحكيم هو الذي يختار لكل عصر وسائله المناسبة له، والموجودة فيه.
3. خصيصة التكافؤ: ونريد بها التماثل والموازنة بين الوسيلة والغاية التي تستعمل من أجلها، فالوسيلة القاصرة عن الغاية والضعيفة لا يمكن أن توصل إلى الغاية في الوقت المناسب، ولا بالكيفية المطلوبة، فعلى الدعاة واجب كبير في هذا المجال، وهو سهل على من يسره الله عليه، إذا فهم هذه الخصيصة، ووضع لها خطتها، وتوكل على الله.
المراجع:
• المدخل إلى علم الدعوة لمحمد البيانوني.
• الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم للقرضاوي.
• منهج الدعوة إلى الله لأمين إصلاحي.
• كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم لابن تيمية.
المصدر: موقع الإسلام.
[ica_orginalurl]