إعداد فريق التحرير
الحياء خصلة من خصال الإيمان، وخلق من أخلاق الإسلام، من اتصف به حسُن إسلامه، وعلت أخلاقه، وهجر المعصية خجلاً من ربه، وأقبل على طاعته بوازع الحب والتعظيم، إنها خصلة تبعدك عن فضائح السيئات وقبيح المنكرات، إنها من شعب الإيمان، أنها تكسوك وقاراً واحتراماً، خصلة هي دليل على كرم السجية وطيب النفس، بل هي صفة من صفات الأنبياء والصالحين والصالحات، إنها صفة جميلة في الرجال، وفي النساء أجمل، كسبها يجعل القبيح جميلاً، وفقدها يجعل الجميل قبيحاً.
وهو رأس الأخلاق، ودليل على بقية الأخلاق، مَن تحلى به استطاع أن يتحلى بباقي الأخلاق الفاضلة ويتخلى عن كل خلق قبيح، ومَن حرم الحياء عجز عن التحلي ببقية الأخلاق الفاضلة وانغمس في كل خلق مذموم.
فالحياء خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة.. وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في الحديث: (إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء) (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني).
ونظرًا لما للحياء من مزايا وفضائل؛ فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان، ففي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). وفي الحديث أيضًا: (الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) (صحيح الجامع). والسر في كون الحياء من الإيمان: أن كلاًّ منهما داعٍ إلى الخير مقرب منه، صارف عن الشر مبعدٌ عنه.
أنواع الحياء
قسمه بعض العلماء إلى أنواع، ومنها.. الحياء من الله، ومن الملائكة، ومن الناس، ومن النفس.
أولاً: الحياء من الله
حين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية.. قال الله عز وجل: “أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى” (العلق:14). وقال: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” (ق:16). إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اطلاعه على أحوال عباده، وأنه رقيب عليهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (استحيوا من الله حق الحياء). فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: (ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء) (صحيح الترمذي)..
ولله در القائل: وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يـراني
ثانيًا: الحياء من الملائكة
قال بعض الصحابة: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم. وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَاماً كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ” (الانفطار:10- 12). قال ابن القيم رحمه الله: أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟!، وكان أحدهم إذا خلا يقول: أهلاً بملائكة ربي.. لا أعدمكم اليوم خيرًا، خذوا على بركة الله.. ثم يذكر الله.
ثالثًا: الحياء من الناس
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس. وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه. وقد نصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: (ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت) (حسنه الألباني).
رابعًا: الاستحياء من النفس
من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره، فحق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدًا من نفسه كأنه يراه، ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة. فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره. قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.
إن الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهِّد الثناء، وموفِّر العقل، ومعظم القدر.
يقول الشاعر: إني لأستر ما ذو العقــل ساتــــره *** من حاجةٍ وأُميتُ السر كتمانًا
وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها *** جعلتها للتي أخفيتُ عنــــوانًا
إني كأنــــي أرى مَن لا حيــــاء له *** ولا أمانة وسط القـــوم عريانًا
الفرق بين الحياء و الخجل
قد يخلط كثيرون بين مفهوم الحياء والخجل ويظنّون أن الخجل مطابق لمفهوم الحياء، والسؤال هنا ما الفرق بين الحياء والخجل؟
في الأغلب يكون الخجل سببه نقصاً في شخصية الإنسان، إذ يشعر بأنّه أضعف من الآخرين ويكون غير قادر على مواجهتهم والتعبير عن رأيه بكل جرأة، حتى وإن كان على حق وصواب، وقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات في الشخصية، ويكون عادة ضعيفا اجتماعياً غير قادر على التعايش مع كل فئات وأصناف البشر، ويحاول الشخص الخجول تفادي الناس ويفضّل الصمت وإذا تحدّث معه أحدهم يتلعثم وتحمرّ وجنتاه ويتسبّب ذلك بإشعاره بالضيق والكبت وبهذا يفشل في الوصول إلى هدفه وطموحاته.
أما الحياء فهو شعور نابع من الإحساس برفعة وقوّة وعظمة النفس، وهذا يختلف تماماً عن الخجل فكلّما رأيت نفسي رفيعة وعاليةَ استحييت أن أدنو بنفسي من الخطايا والآثام؛ فالشخص المتصف بالحياء لا يقدر أن يزني أو يكذب حتى لو كان لا أحد يراه، فهو بذلك يستحي من الله الذي يعلم ما في السر والعلن، ولكن الخجول إذا أتيحت له الفرصة أن يفعل ذلك دون أن يراه أحد فعل دون مخافة من الله الذي يراه، فبالحياء تطمئن النفس وترتقي للأعلى والأفضل.
ما لا يمنعه الحياء…
خلق الحياء في المسلم غير مانع له أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منـكر.
*فقد شفع مرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد حبيب رسول الله وابن حبيبه فلم يمنع الحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لأسامة في غضب: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فلانة لقطعت يدها).
*ولم يمنع هذا الخلق الرفيع أم سليم الأنصارية أن تقول يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فيقول لها رسول الله -ولم يمنعه الحياء- (نعم إذا رأت الماء).
* خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة فعرض لغلاء المهور فقالت له امرأة أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر ألم يقل الله “… وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” (النساء:20) فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق النساء، ولم يمنع الحياء عمر أن يقول معتذرا: كل الناس أفقه منك يا عمر.
فاللهم ارزقنا حياءً منك ومن ملائكتك ومن أنفسنا ومن سائر خلقك يقينا الزلل والوقوع في المعاصي ويعصمنا من فتن النفس والهوى.
_______________________________________________
المراجع:
شبكة الألوكة الشرعية
http://www.alukah.net/sharia/0/79828/
شبكة موضوع
موقع طريق الإسلام
صيد الفوائد
https://saaid.net/rasael/201.htm
[opic_orginalurl]