زعم اللادينيون أن الإسلام هو سبب التخلف، ولو أن المسلمين تخلَّوا عن الدين وأصبحوا مثل أوروبا في اللاّتدين، لنزلوا على القمر، وأرسلوا مراكبهم إلى الفضاء؛ لذا فإن المشكلة بحسب الفكر الإلحادي هي في اتباع الدين، أو ما يسمونه المقدَّس عند المسلمين…
(مقتطف من المقال)
إعداد/ فريق التحرير
شبهة قديمة جديدة.. تتكرر بخاصة من جيل الشباب الحائر المُلهم بتقدم الحضارة الغربية وتفوقها، في مقابل تراجع الحضارة العربية والإسلامية المعاصرة وتذيلها الركب.. وقبل أن نعرض إجابة د/ هيثم طلعت على تلك الشبهة وجب التنويه والتأكيد على نقطة هامة.. ألا وهي أن السعي في الأرض وامتلاك أدوات الرقي والقوة والتقدم عن طريق العلم والمعرفة منهج إسلامي أصيل لا يتعارض أبدا مع ضرورة الإيمان بالله تعالى ومعرفته سبحانه حق المعرفة.. فلا مكان لأمة ضعيفة مستلبة أضاعت دينها ودنياها في مصاف الأمم المتقدمة.. بل ستتحقق عدالة الله على الأرض بتفوق الأمم العاملة العالمة حتى ولو كانت على غير دين الله.. وهي نقطة مهمة وجب التنبيه عليها في المقدمة.. قبل أن يتوهم قارئ المقال خطئا أن الهدف منه هو أن الأمة الإسلامية تملك الفضل والمكانة بإسلامها أو إيمانها فقط، وهو ما سيتضح جليا في بقية الردود.
تقول الشبهة: هل تقدم غير المسلمين علميا وتقنيا وتأخرنا عنهم في هذا المجال يعني أنهم على حق ونحن على باطل؟
يقول د. هيثم طلعت: هذه الشبهة قديمة، وقد عالجها القرآن فقال: “وَإِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ كَفَروا لِلَّذينَ آمَنوا أَيُّ الفَريقَينِ خَيرٌ مَقامًا وَأَحسَنُ نَدِيًّا” (مريم:٧٣).
فمعيار الحق والباطل عندهم هو الوضع الاقتصادي والترف!
لقد غرس النبي– صلى الله عليه وسلم- في أصحابه التعالي فوق المدنيات الصغيرة مقارنة بجلال المعرفة الإلهية، ونبّه أصحابه إلى أن التنوير الحقيقي هو نور الوحي، وربّى أصحابه على أن تلك المجتمعات المتمدنة تحتاج إليكم أضعاف ما تحتاجون إليهم، فهم إنما يملكون الوسائل بينما أنتم تعرفون الغايات، وشتان بين منزلة الوسيلة ومنزلة الغاية.
من أجل ذلك لم ينبهر الصحابة بالحضارات التي كانت في زمانهم! فإجابة الأسئلة الوجودية الكبرى ترقى بمالكها وتسقط بمفتقدها.. وعند هذه النقطة لابد من إلماحةٍ هامة ذكرها إبراهيم السكران وهي أن: هذا الانتقاص والاستعلاء الشرعي على المنجزات الحضارية والفنية قبيل مبعثه – صلى الله عليه وسلم – ليس ذما لتلك المنجزات لذاتها، وإنما لأن أصحابها لم يتزكوا ويتنوروا بالوحي والعلوم الإلهية، فلم يصلوا إلى الرقي والسمو الحقيقي، وهو مرتبة العبودية، وإنما بقوا في حضيض المنافسة الدنيوية.. وهذا الموقف النبوي من أدق ما يبين أن الانتفاع بما لدى الغير لا يقتضي الانبهار بهم، وأن الذم لواقعهم لا يتعارض مع الاستفادة من الحكمة التي هي ضالة المؤمن.
وعند هذه النقطة وجب أن نتوقف وننتقل لرد الدكتور/ وليد شاويش على تلك الشبهة
يقول الدكتور: كثير من الشباب المسلم الذي يتساءل، لم تقدمت الكثير من الشعوب غير الإسلامية، وتأخرت شعوبنا العربية والإسلامية، ويؤكد الحاجة إلى طرح هذا السؤال ظهور فئة من حملة الفكر اللاديني تزعم بأن سبب تقدم الغرب هو نبذ الأديان جميعا، ويمكن أن يكون لهذا الفهم الخطأ ما يفسره في الغرب، وهو أن الغرب لم يعرف من الأديان إلا الكنيسة التي اتهمت العلماء بالهرطقة، وأحرقت الكثير منهم أحياء، وكانت تحرس التخلف، فتم إزاحة الكنيسة بقوة العلوم الطبيعية، وحصر الكنيسة في زاوية التدين الفردي، ولكن اللادينيين العرب -مع الأسف- سحبوا الفكر اللاديني على الإسلام، الذي يُــعَــدُّ الدين الوحيد في هذه الدنيا يجمع العلم والإيمان في صراط مستقيم، وتكتمل فيه الشخصية المؤمنة العالمة، ويتعانق فيه الإيمان مع الطبيعة.
أولا: مثال لا بد منه
لنفترض المثال الآتي لتوضيح الفكرة، أن رجلا مسلما وآخر هندوسيا مثلا يريدان أن يسافرا من نقطة أ إلى نقطة ب، فقام المسلم بجميع أذكار السفر ودعا دعاء السفر، وصلى ركعتين، ثم ركب الحافلة الذاهبة إلى نقطة ج!، زاعما أنه متوكل على الله تعالى، وأن الله تعالى على كل شيء قدير، بينما لم يقم الهندوسي بعمل أية أذكار من الأذكار الشرعية، وتمتم بشيء من الخرافة، فمن يصل إلى الهدف، المسلم العابد، أم الهندوسي الجاحد؟! بالطبع سيصل الهندوسي إلى الهدف، ولن يصل المسلم إلى غايته بالرغم من حسن نيته، وهنا يطرح المسلم السؤال: كيف يصل الهندوسي الجاحد إلى غايته بينما لا يصل المؤمن الذي يعبد الله تعالى؟
ثانيا: كيف يتعامل اللادينيون مع هذه المشكلة؟
هنا استغل اللادينيون القضية، فقالوا للمسلم أنت لم تَصِل، ذلك لأنك قمت بالأذكار الشرعية، وصليت ركعتي السفر، هذا هو السبب في تخلفك عن الهدف، أما لو أنك لم تقم بالأذكار ولم تصل الركعتين عندئذ يمكن أن تصل، وعليه فإن سبب ضياعك هو صلاة ركعتي السفر!!!
وتطبيقا على الواقع زعم اللادينيون أن الإسلام هو سبب التخلف، ولو أن المسلمين تخلَّوا عن الدين وأصبحوا مثل أوروبا في اللاّتدين، لنزلوا على القمر، وأرسلوا مراكبهم إلى الفضاء؛ لذا فإن المشكلة بحسب الفكر الإلحادي هي في اتباع الدين، أو ما يسمونه المقدَّس عند المسلمين.
ومن ثَـمّ -بناء على زعمهم الفاسد- يجب التجرد من الدين، وأطلقوا باستهتار واضح على الإسلام شعار الرجعية والتخلف.
ثالثا: كيف تتعامل العقيدة الإسلامية مع المشكلة؟
تخاطب العقيدة الإسلامية ذلك المسلم الذي ترك سبب الوصول إلى الغاية بأنه قد عصى الله تعالى ورسوله، وأنه قد جحد سنن الله تعالى الكونية في الطبيعة، وأن الله تعالى لم يخلق تلك الأسباب والقوانين عبثا، بل خلقها لحكمة، ولم يخلقها لتهمل وتترك بل للأخذ بها، وأن هذه الأسباب والقوانين الطبيعية هي جزء من الابتلاء بالإيمان، وتحمل مشاق التكليفات الشرعية، لذا أمر الشرع بالعمل والسعي في كسب الرزق، والبحث والتفتيش في هذا الكون عن قوانينه للإفادة منها، فقال تعالى: “قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ” (يونس:101)، ولكن الإسلام في الوقت نفسه حرَّر الإنسان من العبودية لتلك القوانين، وبين له أن هذه القوانين تعمل بأمر من الله تعالى، فَعَليه أن يتعامل مع القوانين بقدرها، ولا ينسى الذي يُســـيِّــــر الكون -سبحانه وتعالى، الذي يدبر أمر الكون لحظة بلحظة، وأنه سبحانه وتعالى خلقُه مستمر، وتدبيره أمرَ الخلق لا ينقطع.
رابعا: النموذج الصحيح لحل المشكلة:
1 -بناء على ما تقرره العقيدة الإسلامية، من الحكم بمعصية المسلم السابق الذكر، لأنه تجاوز الأوامر الشرعية بضرورة التعامل مع القوانين الطبيعية في الحدود المذكورة أعلاه، وتقرر أن المشكلة ليست في الأذكار وصلاة ركعتي السفر على زعم اللادينيين، بل المشكلة هي عدم التعامل الصحيح من السنن الإلهية في الطبيعة، وهي سنن لا تحابي أحدا فالكافر والمسلم فيها سواء، لذا وصل الهندوسي مع جحوده في المثال، ولم يصل المسلم مع أن عقيدته الإسلام، ولا يعني وصول الهندوسي أن عبادته للبقر حق، ولا وصول أوربا للتقدم التقني الباهر الذي وصلته إليه سببه هو نَـبْذ الدين، وشرب الخمر، وتعري المرأة، الذي يحاول أن يفرضه اللادينيون العرب على المرأة المسلمة والمجتمع المسلم، طريقا ومنهجا للتقدم العلمي بزعْمِهم الفاسد.
2-ويرى الإسلام أن الغرب تقدم في العلوم الطبيعية لأنه سلك المسلك الصحيح للتطور التقني، وتعامل مع القوانين الإلهية في الطبيعة بشكل صحيح كما تعامل ذلك الهندوسي الذي وصل إلى الهدف، وأن الغرب حارب التدين الفاسد الذي عبثت به أيدي المتلاعبين من رجال الدين، الذين اصطدموا مع الحقيقة العلمية الطبيعية وجها لوجه، فكانت سنة الله تعالى في خلقه أن تزاح هذه الكنيسة من طريق العلم الطبيعي، ليواصل العلم الطبيعي مسيرته، بعيدا عن الدِّين المحـرَّف وإن كان سماوي الأصل، فكان ما كان من التقدم الكبير الذي أحرزته أوربا في مجال العلوم الطبيعية.
ويؤكد الإسلام أن سِر نجاح الغرب هو العمل الجاد في المختبر والمصنع، والتفوق في الإدارة، وتقدير الكفاءات العلمية، ودعم البحث العلمي، وهذا أمر لم يَدْعُنا إليه اللادينيون العرب -مع الأسف، فلم ينقلوا إلينا المصنع ولا المختبر ولا الإدارة والتفوق فيها، ولا دعموا البحث العلمي، بل كان ديدنهم هو التشكيك في الإسلام، والطعن في القرآن والسنة والصحابة وتاريخ الأمة، وتغييب الأمة عن الوعي بالإسلام، ولم يكن لهم من دور في الحداثة والابتكار، ولم يتجاوزوا أن يكون وكلاء سيئين لتوزيع الفكر الفلسفي اللاديني، الذي أمر الإسلام بهجره والبعد عنه، وتركوا التطور في العلوم الطبيعية في أوروبا الذي يأمر الإسلام بالاستفادة منه، ففعلوا الممنوع وتركوا المشروع، وكان دورهم في عالمنا الإسلامي أشبه بدور الكنيسة في أوروبا، بينما يقوم الإسلام بدور العلم.
خامسا: آثار الفكر اللاديني في حراسة التخلف:
بالرغم من أن الإسلام يأمر المسلمين بالأخذ بأسباب التقدم الطبيعي والتقني، وهو أمر لا يختلف فيه البشر، فقوانين الفيزياء والكمياء واحدة، لا تختلف باختلاف الدين، إلا أن إصرار الفكر اللاديني على أن طريق التقدم هو التخلي عن الإسلام وشريعته، أو تفسير الإسلام تفسيرات جديدة تكون تابعة للفكر اللاديني في النهاية، وذلك بداعي الحداثة، أدى إلى تناقضات داخل الأمة، حيث ظهرت محاولات عديدة للرد على هذا التخلف اللاديني من أجل المحافظة على استقلال الأمة الثقافي، والمحافظة على هويتها الإسلامية، وأن هذه الأمة المختارة من الله تعالى لن تكون ذيلا لأمة نبذت الأديان كلها ومنها الإسلام، بل ومع الأسف ظهرت حالة من الصراع الدموي بين قوى التحلل من الدين في الفكر اللاديني وبين قوى الغلو في الإسلام، وكان التطرف اللاديني هو المحرِّض الأول على الغلو في الدين عند بعض المسلمين.
وكانت الأمة ضحية لطـرَفَـيّ التحلل والغلو معا، ومما زاد الطين بِـلَّـة والمريض عِلـَّـة، أن هذين الطرفين النقيضين، يخدم أحدهما الآخر، فكلما استشرى التحلل واللاّدِين حَرَّشا الغلو واستفزاه وأعْطَياه المشروعية، وكلما زاد الغلو اتخذه التحلل واللادين سبيلا لتشويه الإسلام، ليؤكد فساده الفكري بأن الحل في اللاَّدينية، بل وما زال الكثير من الأمة من يشتبه في أن بعض القوى اللادينية تؤسس وتساعد بعض حركات الغلو في الدين لاستدراج الشباب المسلم وغرس الغلو فيه، لسفك الدم المعصوم الذي حرمه الله تعالى، وكانت الأمة هي الضحية بين هؤلاء المتحلِّلين والمغالين، ومع ذلك فإن كليهما يَفْرِضان على الأمة: أن الطريق إلى السُّــنـَّـة إجباري، فسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي الكفيلة بتحقيق شخصية الأمة الفكرية الآمنة في الشريعة وفي العلوم الطبيعية معا.
سادسا: الإبداع في علوم الطبيعة كان من الشريعة:
لا ينكر أحد فضل المسلمين في إرساء قواعد المنهج التجريبي وهذا إن أنكرته أوروبا فهو جحود للشمس في رابعة النهار، ولكن التساؤل كيف بدأ المسلمون في المنهج التجريبي وأسسوا له، وأَوَدُّ أن يعلم المسلم أن الحضارة الإسلامية المادية انطلقت من الإسلام نفسه، وأضرب مثالا لذلك، وهو أن الحسن ابن الهيثم أسَّس منهجه التجريبي انطلاقا من السبر والتقسيم عند الأصوليين، وهو أن الأصوليين عندما يريدون أن يستخرجوا علة الحكم الشرعي، فإنهم يُسجِّلون الاحتمالات الممكن أن تكون علة للحكم وهذا هو معنى التقسيم، أما السبر فهو البدء باختبار هذه الاحتمالات واحدا واحدا، واستبعاد ما لا يصلح وإبقاء الاحتمال الذي هو فعلا علة للحكم، وهذا هو المنهج التجريبي نفسه في العصر الحديث وهو وضع الفرضيات، واختبار صحتها واستبعاد العوامل غير المؤثرة في النتيجة، وهذا الذي أخذته أوربا هو ما استنبطه الحسن ابن الهيثم من على أصول الفقه، وبنى عليه المنهج التجريبي عند المسلمين ثم تناولته أوروبا، بينما تخلف عنه المسلمون مع الأسف.
المصادر:
*موقع الدكتور/ وليد مصطفى الدويش
*موقع هداية الملحدين
[ica_orginalurl]