من هم الإرهابيون الحقيقيون؟
أن يدافع أحد المسلمين عن الإسلام ويدفع عنه تهمة العنف والإرهاب فهذا أمر طبيعي، لكن أن يأتي ذلك من أحد أبناء الحضارة الغربية؛ فهذا يعد شهادة لها قيمة كبيرة؛ ذلك أن “الفضل ما شهدت به الأعداء” كما قالوا قديما..
في هذا المقال يقارن كاتبه (الأستاذ بجامعة ميتشيغان، ومدير مركز دراسات شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالجامعة) بين ضحايا ما أطلقوا عليه “العنف الإسلامي” وضحايا العنف من الديانات الأخرى ليصل إلى حقائق موثقة بالأرقام، وهي أن المسلمين ظلموا كثيرا حينما ألصق بهم تهمة الإرهاب..
فيا ترى من هم الإرهابيون الحقيقيون؟ هذا ما نعرفه معا من خلال هذا المقال.
الإرهاب والأديان الأخرى
الكاتب خوان كول*
على العكس مما يزعمه المتعصبون أمثال “بيل ماهر” (كوميدي ومعلق سياسي وكاتب ومنتج ومقدم برامج تلفزيونية أمريكي اعتاد مهاجمة الإسلام)، فإن المسلمين في الحقيقة ليسوا أكثر عنفًا من أتباع الديانات الأخرى. وذلك لأن معدلات القتل والجرائم في أغلب أقطار العالم الإسلامي تعتبر أقل بكثير إذا ما قورنت بالمعدلات نفسها في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا ما تحدثنا عن العنف السياسي، فسنجد أن أصحاب الإرث المسيحي قد أبادوا عشرات الملايين من البشر في القرن العشرين خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية فقط، هذا فضًلا عن الذين قضوا نحبهم خلال فترة القمع الاستعماري. ولم تحدث تلك المذبحة الجماعية لأن المسيحيين الأوروبيين أسوأ من باقي البشر أو مختلفون عنهم، بل لأنهم أول من اصطنع الحرب أي حولوها إلى صناعة وأول من تبنى منهج القومية.
أحيانًا يقال بأنهم لا يقومون بذلك بسبب الوازع الديني بل بوازع قومي. ولكن هل هذا معقول؟ يا لسذاجة القول! وذلك لأن الدين على ارتباط وثيق بالقومية؛ فالملكية البريطانية تقع على رأس الكنيسة الإنجليزية، وكما نعلم فإن هذا الأمر كان ينطوي على أهمية بالغة خلال النصف الأول من القرن العشرين على الأقل، علاوة على ذلك فإن الكنيسة السويدية ما هي إلا كنيسة قومية.
وماذا إذن عن إسبانيا؟ هل حقًّا لم تكن على صلة بالمذهب الكاثوليكي؟ ألم تلعب الكنيسة، وكذلك قناعات فرانسيسكو فرانكو تجاه الكنيسة، دورًا في الحرب الأهلية؟ فلماذا إذن نأمر الناس بالبر وننسى أنفسنا: فكثير من عنف المسلمين ينبع أساسًا من أنماط القومية الحديثة أيضًا.
ولا يبدو لي أن المسلمين قد قتلوا ما يربو على مليوني شخص أو نحو ذلك جراء العنف السياسي طيلة القرن العشرين، وذلك بشكل رئيسي خلال الحرب الإيرانية العراقية في الفترة ما بين 1980- 1988 بالإضافة إلى الحروب التي دارت رحاها قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، والتي يتحمل الأوربيون فيها أيضًا جزءا من اللوم؛ وذلك لأن حركة “تركيا الفتاة” (أو ما يعرف باتحاد الأتراك الشباب ذي التوجه العلماني القومي) قد ارتكبت أيضًا إبادة جماعية ضد الأرمن خلال الغزو الروسي لشرق الأناضول.
وعند مقارنة هذا الرقم بالرقم الكائن بالأرشيف المسيحي الأوروبي الذي يبلغ حوالي… حسنًا، دعنا نقول مائة مليون قتيل (16 مليون منهم قُتل في الحرب العالمية الأولى، و60 مليون قُتل في الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن بعض تلك الأرقام كانت تعزى إلى البوذيين في آسيا، بالإضافة إلى ملايين أخرى لقوا حتفهم في الحروب الاستعمارية).
ضحايا بلجيكا
ماذا عن بلجيكا؟ نعم، أقصد بلجيكا، المشهورة ببيرة الفراولة وقلعة غرافنستين المنيفة. لقد غزت بلجيكا الكونغو، وقتلت ما يقدر بحوالي نصف سكان الكونغو في هذا الوقت، ويبلغ العدد حوالي ثمانية ملايين قتيل، على أقل تقدير.
ثم ماذا عن الفترة ما بين 1916- 1930 في عهد روسيا القيصرية ثم حقبة الاتحاد السوفيتي والذي واجه خلالها ثورة سكان وسط آسيا في محاولة للتخلص من الحكم المسيحي (ثم الماركسي) الأوروبي؟ لقد قتلت القوات الروسية ما يقرب من مليون ونصف من البشر. فإن صبيين ممن ترعرعوا أو وُلدوا بأحد تلك الأراضي التي حكمتها روسيا، (قيرغيزستان)، قد قتلا وحدهما أربعة أشخاص كما جرحا آخرين بجروح بالغة.
حقيقةً، هذا أمر مروع، ولكن ليس ثمَّ من لديه أدنى خلفية، سواء في روسيا أو أوروبا أو أمريكا الشمالية، عن أن أهل آسيا الوسطى قُتلوا بالجملة وبأعداد كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى بل وقبلها وبعدها، بل وقد نُهبت معظم ثرواتهم.
وعندما غزت روسيا وحكمت بلاد القوقاز ووسط آسيا بوحشية، كانت روسيا إمبراطورية مسيحية شرقية أرثوذكسية (ويبدو أنها تمضي قدمًا لمعاودة الظهور بوصفها إمبراطورية مسيحية).
ثم ماذا بعد ذلك؟ قضى حوالي نصف مليون إلى مليون جزائري نحبهم خلال حرب استقلال الجزائر عن فرنسا في الفترة ما بين 1954- 1962، في حين كان التعداد السكاني للجزائر في هذا الوقت 11 مليون نسمة فقط!
يمكنني أن أسرد الكثير والكثير من هذه الأحداث المروعة، وذلك لأنك عندما تحاول تقفي آثار الاستعمار الأوروبي في إفريقيا وآسيا، ستتعثر قدماك في الجثث، لأنها بالفعل كثيرة جدًا.
وعندما نفكر مليًا في هذه الأحداث السابقة، نرى أن الإحصاء القائل بأن 100 مليون شخص قد قتلوا على يد الإرث المسيحي الأوروبي خلال القرن العشرين، قد يكون بالفعل أقل من العدد الحقيقي.
الإرهاب الديني
وأما عن الإرهاب الديني، فتلك ظاهرة عالمية هي الأخرى. وباعتراف الجميع فإن بعض الجماعات تنشر الإرهاب -باعتباره تكتيكًا- في بعض الأوقات أكثر من أوقات أخرى. فالصهاينة كانوا إرهابيين نشطين في الأربعينيات في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، وذلك طبقًا لوجهة النظر البريطانية. أما في الفترة ما بين 1965 و1980 وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي عصبة الدفاع عن اليهود ضمن أكثر الجماعات الإرهابية نشاطًا بالولايات المتحدة. ففي مرحلة ما خطط أعضاء هذه العصبة لاغتيال النائب بمجلس النواب الأمريكي، دارل عيسى، ممثل ولاية كاليفورنيا بسبب أصوله اللبنانية.
ولكن في الوقت الراهن توسعت نفوذ هؤلاء اليهود القوميين، ومن ثم تضاءلت حدة الإرهاب لديهم. ولكن ليس ثمَّ ما يمنعهم من العودة إلي ممارسته إن قل نفوذهم.
وفي واقع الأمر، فإن أحد الحجج التي يتذرع بها الساسة الإسرائيليون للسماح للإسرائيليين الذين يغتصبون أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية بالاحتفاظ بهذه الأراضي التي اغتصبوها أن هؤلاء المستوطنين سيمارسون عنفًا أكبر إذا ما تم إجلاؤهم من تلك الأراضي وأُعيدت للفلسطينيين. وهذا يعني أن المستوطنين لا يُرهبون الفلسطينيين فقط، بل إنهم يمثلون إرهابًا واضحًا لإسرائيل (وهذا في الحقيقة ما أماط عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين اللثام).
حتى في الآونة الأخيرة.. فإنه من الصعوبة بمكان أن نرى فرقاً يذكر بين (تامرلان تسارنايف) الذي نفذ تفجيرات بوسطن، و(باروخ غولدشتاين) الذي قاد مذبحة الحرم الإبراهيمي.
وليس تفجير (ضريح أجمير) منا ببعيد، وهو ذلك الذي وقع في الهند ونفذه بدم بارد (بهافيش باتيل) وعصابة من القوميين الهندوس. والأدهى والأمر أنهم قد أبدوا امتعاضهم عندما لم تنفجر قنبلة ثانية كانوا قد زرعوها، ومن ثم لم يتمكنوا من التسبب في قدر أكبر من الخراب كما خططوا له.
ويعد ضريح أجمير مزارًا صوفيًا عالميًا تقصده الهندوس أيضًا، وهؤلاء المتعصبون أرادوا القضاء على تلك الحالة من المشاركة المنفتحة للمساحات الروحية بهذا المكان، لأنهم يكرهون المسلمين.
جرائم البوذيين
ولكن ماذا عن البوذيين؟ لقد ارتكبوا أيضًا الكثير من الأعمال الإرهابية بل واقترفوا مختلف صنوف العنف. وكثير من أتباع طائفة (زِن) البوذية باليابان أيدوا الخيار العسكري في النصف الأول من القرن العشرين، وهو الأمر الذي اعتذر عنه قادتهم لاحقًا. ولدينا أيضًا حملة اغتيالات (إينو شيرو) التي وقعت باليابان خلال الثلاثينيات. وفي الوقت الراهن، فإن الرهبان البوذيين يحرضون المسلحين في بورما/ ميانمار على القيام بحملة تطهير عرقي ضد الروهينغيا.
والآن جاء دور المسيحية، فلقد تسبب جيش الرب للمقاومة (أو ما يعرف بحركة الرب للمقاومة) بأوغندا في تشريد مليوني شخص بسبب الحرب التي أذكوا لهيبها. وعلى الرغم من أنها طائفة إفريقية، لكنها في الأصل مسيحية وظهرت كنتاج للحملات التبشيرية (والصحيح أنها حملات تنصيرية وليست تبشرية كما يقولون) المسيحية الغربية في قارة إفريقيا.
وعلى الرغم من وجود عدد هائل من المسلمين الأوروبيين، فإن حجم الأعمال الإرهابية التي ارتكبت في الفترة ما بين 2007- 2009 بتلك القارة على يد أشخاص من تلك الجالية يقل عن نسبة الواحد بالمائة.
فإن الإرهاب تكتيك المتطرفين داخل كل ديانة، وأيضًا داخل الديانات العلمانية كالماركسية والقومية. فليس هناك ديانة، بما في ذلك الإسلام، تدعو إلى العنف العشوائي ضد الأبرياء.
إنه لنوع غريب من العمى أن ننظر إلى المسيحيين أصحاب الإرث الأوروبي على أنهم أناس لطفاء، بينما نرى المسلمين على أنهم أناس قد تأصل العنف في فطرتهم، ونغض الطرف عن أعداد القتلى الهائلة بالقرن العشرين كما ذكرنا سلفًا. فالجنس البشري هو الجنس البشري في أي مكان، وهو صغير العمر، وشديد الترابط بما لا يسمح باختلاف كبير بين مجموعة وأخرى. والناس تلجأ إلى العنف بسبب الطموح أو الظلم، وكلما قويت شوكتهم صار العنف الذي يرتكبونه أكبر وأكبر.
أما عن الجانب المضيء فإنه يكمن في أن عدد الحروب يقل بمرور الوقت، والحرب العالمية الثانية، صاحبة أكبر عدد قتلى في التاريخ، وضعت أوزارها ولم تتكرر.
——–
المصدر: نشر المقال عام 2013 على الموقع الشخصي للكاتب:
http://www.juancole.com/2013/04/terrorism-other-religions.html
أعد ترجمة المقال فريق التحرير بلجنة الدعوة الإلكترونية.
* خوان كول هو أستاذ كرسي ريتشارد ميتشل الجامعي للتاريخ بجامعة ميتشيغان، ومدير مركز دراسات شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالجامعة.
[ica_orginalurl]