سعيد بن محمد آل ثابت
لقد كان من أبرز سمات المربي الرباني أن يكون خير من يرقى اسمه حقيقة لا حكماً في قلوب الناس، إذ هو يسير على خطا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله جل وعلا عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وإن من أسرار التأثير وحب الناس للمربي المؤثر تمكنه من الوصول لقلوبهم عبر أبواب كثيرة، منها:
1- حسن الخلق؛ قال صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا: يا رسول الله ما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون”. حديث صحيح، انظر صحيح الجامع رقم2201، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الرجل ليدرك بحسن خلقه، درجات قائم الليل صائم النهار” رواه الألباني في صحيح الجامع. وبذلك يظهر أن سمة حسن الخلق، ورقي التعامل هي من الدين بلا شك، وإنها مفتاح الداعية الأزكى لقلوب الخلق.
2- الرفق واللين؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه” رواه مسلم.
3- الحب؛ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا مُعَاذُ، إِنِّي أُحِبُّكَ، فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ “رواه أبو داود والنسائي. ولذا فإن المربي الذي يوصي ويعظ ويرشد ويوجه من قلب يمتلئ حباً صادقاً للمدعو لا شك أن ذلك مدعاة للقبول والاستجابة، والمشاهد لبعض حالات العصيان والتمرد عن بعض توجيهات وإرشادات المربين تُرجع بعض أسبابها إلى وجود فجوة عاطفية بين الملقي والمتلقي، وهذا ينافي منهج الرسالة المحمدية.
4- الهشاشة والبشاشة؛ (وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هاشاً باشاً لا تلقاه إلا مبتسماً). وهذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام على عظم مسؤوليته، وضخامة همه، وثقل حمل الرسالة على كاهله وجده مَن حوله هاشاً باشاً مبتسماً لا فاحشاً ولا متفحشاً.
5- التحفيز وأن يكون لماحاً؛ وهذه أداة إبداعية للمربي الناجح إذ تجده لماحا لمن معه، محفزاً لهم إن رأى ما يدعو للثناء، ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لِما رأيت من حرصك على الحديث: إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من نفسه). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج بن عبد القيس: “إن فيك خصلتين يحبهم الله ورسوله: الحلم والأناة”، ولا يخفى على المربي بعضاً من الضوابط في ذلك: كتعيين الفعل المثني عليه، وعدم المبالغة في الثناء والإطراء، والإتيان بالثناء في وقته ومكانه المناسبين.
6- الاهتمام بمن معه لا سيما في المشاعر والاهتمامات؛ في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر: يا جابر! أتزوجت؟ قال: نعم. قال: “بكراً أم ثيباً؟ قال: ثيباً، قال: هلا بكراً تداعبها وتداعبك؟ قال: إن لي أخوات وقد قتل أبي – يعني: في أحد – وترك عندي سبع أخوات فأردت امرأة تقوم على شؤونهن، فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم قال: يا جابر! أتبيعني جملك؟ قال: ما ترى يا رسول الله! فشراه بأوقية، فلما ذهب اشترط جابر حملانه إلى المدينة، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين -وفي لفظ: قال له صلى الله عليه وسلم: صلِّ ركعتين- فلما أتى قال لـبلال: انقده الثمن، فأعطاه الأوقية، فولى جابر فأخذ الثمن وترك الجمل، قال: يا جابر! تعال خذ الجمل والثمن، فساق الجمل والثمن. إنها التربية الحقة حين يهتم المربي بشؤون من معه الدينية والدنيوية، إذ لا نشاز في ذلك، وبئس ما نرى من جفاء بعض المربين في هذا الجزء، حيث لا يولون اهتمامات من معهم (الدنيوية) أي اهتمام كالزواج، والوظيفة، والدراسة، وغيرها.
7- الوقوف في الملمات والمصاعب؛ وهي التي لها أثرها وأجرها -بإذن الله-، وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: “من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”، وهذا سلمان الفارسي لما أراد أن يعتق نفسه ولما لم يجد ما يعينه في فكاك نفسه قام معه عليه الصلاة والسلام، وقال للصحابة: “أعينوا أخاكم”، وقد شارك الصحابة مع نبيهم في ذلك حتى كوتب أخوهم من سيده.
8- التهنئة والمسارعة في المبشرات المفرحات؛ ونعم المربي الذي يفوز دائماً بالمسابقة في إفراح، وتبشير من معه لاسيما مع اهتماماته الخاصة، إذ ذلك لا يُنسى مهما عبر الزمان، ونذكر في ذلك قصة توبة كعب بن مالك التي رواها بنفسه، وحين سمع بتوبته اتجه لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ونستمع له ليكمل لنا الشاهد المراد: (.. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه…)، وهنا ننظر ما هو الأثر الذي تركه طلحة -رضي الله عنه-، ثم نشاهد المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يبشر كعب، وقد فرح بذلك، بل لقد وجدوا الصحابة ذلك دوماً وعرفوه في مربيهم، فهو معهم في أفراحهم، وأتراحهم. وهذا ما يتطلب على المربي حين يُنجز ذلكم المتربي أحد المراحل التعليمية، أو يُوفق لحفظ القرآن، أو يُكفى من مصيبة، أن يكن المربي موجوداً تلك اللحظة الفارقة ليشارك، ويبارك.
9- الكلمة الطيبة؛ وقد كانت السمة الخالدة الذي يلقاها من لقي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيعيد الحياة لروحه من جديد، ولو في محنة أليمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “والكلمة الطيبة صدقة”، وها هو يمر بآل ياسر وهم يُعذبون من قبل قريش، ويقول: “صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة “. إن للكلمة الطيبة، والخاطرة العاطرة أثرها الجميل في القلب فإما تنفيس أو تثبيت أو إسعاد. إنها خير لا تأتي إلا بخير فحري بالمربي أن تمتلئ خزانته بذلك، فيكثر محبوه ويقل شانئوه.
10- التقدير والاحترام والاهتمام؛ ففي الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا حدث أحداً جعله تلقاء وجهه وأصغى إليه وأنه إذا أمسك بيد أحد لم يكن ليتركها حتى يكون الآخر هو الذي يترك يده، وأن الأمة كانت تأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتذهب به حيث شاءت، وأنه استجاب للحباب بن المنذر في رأيه في مكان التخييم ليلة بدر، واستجاب لنصيحة سلمان يوم الخندق، وأنه -صلى الله عليه وسلم- لطالما يذكر قيمة أصحابه، ويشكر أفعالهم، ويعرفهم قيمة دورهم، ويثمن سلوكياتهم النبيلة فيقول لعثمان لما جهز جيش العسرة: “لا يضره ما فعل بعد اليوم”، ويسمي خالداً: “سيف الله المسلول”، ويقول عن أبي بكر: “لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجحت كفة أبي بكر”، ويقول عن عمر: “لو أن نبياً بعدي لكنت أنت يا عمر”. إلى غير ذلك من دلائل تقديره لأصحابه وتعريفه لأهميتهم عنده وبين الناس.
11- الهدية؛ وكم للهدية من أثرها الباقي في النفس من حب ووداد، وحسن عشرة، قال -عليه الصلاة والسلام-: “تهادوا تحابوا”رواه البخاري في الأدب المفرد. وإن من حسن الهدية أن تؤتى في وقت ومكان مناسبين، وأن يُحملها المُهدي خاطرة لطالما يريد إيصالها للمهدى له، وبذلك يكن للهدية معنى، ويسري أثرها.
12- حفظ الأسماء؛ والنداء بأحب الأسماء؛ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا) أخرجه البخاري في صحيحه.
13- الإيجابية؛ وخلق روح التنافس والإقدام؛ إذ النفس البشرية اعتادت أن تلتئم على من تجد ذاتها عنده، وتأنس حين تراه، وتعشق ردة فعله في الأزمات، وهذه من أجل صفة القادة والعظماء، وقد روي في غزوة مؤتة حين عاد جيش المسلمين، وخرج له الصبية والنساء مرددين يا فرار، يا فرار، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عز وجل”. وروى الإمام أحمد في حديث ساقه عن عبد الله بن عمر قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله، فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة قتلنا، ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله فإن كانت لنا توبة، وإلا ذهبنا. فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج، فقال: “من القوم؟” قال: قلنا نحن فرارون. فقال: “لا بل أنتم الكرارون، أنا فئتكم، وأنا فئة المسلمين”.
14- فن الإنصات والاستماع؛ وهذا الفن هو فن القائد الناجح، والمربي البارع إذ به يفهم النفوس، ويُترجم الأفعال، ويعي المطلوب، ونذكر موقف عتبة حين أتى النبي -صلى الله عليه وسلم – ليُحاجه فتكلم عتبة حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع منه قال:” أفرغت يا أبا الوليد؟” قال: نعم. قال: “فاستمع مني” وأكمل النبي حديثه كما في الحديث المعروف، وهنا نجد أدب النبي الجم في استماعه، وندائه خصمه بأحب الأسماء.
15- المشاركة في المهمات؛ ومن أبرز خصال المربي أن يشارك أصحابه الأعمال، وتنفيذ المشروعات، والمهام الميدانية، وفي غزوة الخندق تمّ تقسيم المسؤولية بين الصحابة بحيث تولّى كل عشرةٍ منهم حفر أربعين ذراعاً، ثم بدأوا العمل بهمّة وعزيمة على الرغم من برودة الجوّ وقلة الطعام، وزاد من حماسهم مشاركة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحفر ونقل التراب. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقضون الأوقات بترديد الأشعار المختلفة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يشاركهم في ذلك، فكانوا يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدا *** على الجهاد ما بقينا أبداً
وهو يجيبهم بقوله:
اللهم إن العيش عيش الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان -صلى الله عليه وسلم- يردّد أبيات عبدالله بن أبي رواحة رضي الله عنه:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا
ومن هذا النموذج تبرز هذه الخصلة في روح المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والتي سارت بها الركبان في حديثهم عن تواضعه، ومشاركته أصحابه همومهم، وأعمالهم.
16- العفو والصفح؛ المربي القدوة يجد من معه سعة في صدره، وصدره بستانٌ ملؤه الحب، وحسن الظن، والعفو، إنهم لا يجدونه نداً لهم في خصوماتهم، ومشاكساتهم، وزلاتهم، إنهم يرون قول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]. متمثلاً في قدوتهم ومعلمهم، ويدل على ذلك من السنة قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله يأمركَ أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك”، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء. هذا هو العفو والصفح الجميل إذ يسلم صاحبه من السباب والشتم والنبز والمنة، وقد حظي بالحلم والعقل من كان هذا مذهبه.
17- الاعتذار لمن من له حق؛ وفي ذلك تظهر خصلة الشجاعة، والصدق فيما يدعو له المربي، وهو اعتذاره ورجوعه عن الخطأ إذا أخطأ. وإن النفس البشرية غير معصومة، وهي معرضة للزيغ والخطل الشيء الكثير، لذا من المستحيل أن يعيش المتربي مع مربيه دون أن يسيء المربي، أو يخطئ، أو يجور أحياناً، ولكن هذه الأخطاء تتقازم في عيني المتربي حينما تجد مربياً ربانياً، قليل الخطأ سريع الاعتذار صادق النصيحة، ونتذكر موقف النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر حين أخذ يُعدل الصفوف بقدح في يده فضرب بطن سواد بن غزية وقال: “استو يا سواد” فقال سواد: يا رسول الله، أوجعتني، فأقدني، فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم وقال: “استقد” فاعتنقه سواد، وقبّل بطنه، فقال: “ما حملك على هذا يا سواد؟” قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك، أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.
18- الاعتراف بحقوق وجميل الآخر؛ مهما صغر حقه تجاهك، وكبر حقك عليه. واتضح ذلك جلياً حين وجدوا الأنصار في نفوسهم شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته، فدعاهم وخطب فيهم، وكان مما ذكر خطبته: “…والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلا فآسيناك، وخائفاً فأمناك، ومخذولا فنصرناك” فقالوا: المنة لله ولرسوله..”.
19- المزاح اللطيف، والدعابة المرحة؛ والمزاح والدعابة (اللطيفة) من طبيعتها تحبها النفوس؛ لأنها تسعد الخواطر مهما تكدرت، ومن آثارها المحمودة أنها تهيء النفس لاستقبال أي شيء، وتجعل هناك دفقاً من المشاعر المطمئنة تجاه صاحبها لاسيما إذا خلت من التفحش، والمبالغة، والقدح في الذوات، وهذا من خُلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، فعن رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ: زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلا بَدَوِيًّا، وَكَانَ لا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ إِلا بِطُرْفَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ يُهْدِيهَا لَهُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ يَبِيعُ سِلْعَةً، وَلَمْ يَكُنْ أَتَاهُ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ وَرَاءِ كَتِفِهِ، فَالْتَفَتَ وَأَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ كَفَّيْهِ، وَقَالَ: “مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟”، قَالَ: إِذًا تَجِدُنِي كَاسِدًا، قَالَ: “وَلَكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَبِيحٌ”. فحري بالمربي أن يكن ذو نفس مرحة تمتلك روح الدعابة، وهو يتعبد الله بذاك إن أخلص النية.
20- الدعاء؛ وهو من أجل الأعمال، وأفضل الهبات، ولا يمنع أن يكون ذلك ظاهراً للمتربي، وإن أخفاه فلا شك أنه أرجى، وقد رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة، قال: فوضعت له وضوءً من الليل، فقالت ميمونة: يا رسول الله وضع لك هذا ابن عباس، فقال: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”.
وثمة سبيل للأولياء يعطيه الله من يشاء فيبسط لعبده القبول وينسأ له الأثر، وذلك أن يكون حبيباً عند الله فيُحبه الله فيحبه أهل السماء، فيحبه أهل الأرض. وإن ما سبق ذكره وسائل نبوية، وإرشادات محمدية لا غنى للداعية المربي عنها وعن غيرها الاطلاع عليها، ومن ثم ترجمتها واقعياً في الناس، وهي بمثابة الإشارات، وإلا ففي جُعب السنة النبوية ما هو أكثر من ذلك، ولكن حسب الفَطِن الحُر إشارةً تهديه الطريق. أسأل الله أن يوفقنا لكل خير، وأن يطرح لنا القبول في خلقه، ويجعلنا مباركين أينما كنا.
_________
* المصدر: الألوكة.
[ica_orginalurl]