الميدان الأكبر لبث شبهات الموجة التشكيكية ، ولاستقبالها والتأثر بها هو شبكات التواصل الاجتماعي –حتى هذه اللحظة- وهذا يعطي الموجة بعدا توسعيا كبيرا غير خاضع للموانع الجمعية المفترضة…
أحمد بن يوسف السيد
أولا: هذه الموجة في غالبها هدمية لا بنائية، فوضوية لا منهجية؛ تثير الإشكالات، وتبرز الاعتراضات، ثم لا تقدم رؤية أو فكرة بديلة متماسكة، ويظهر هذا في صور واقعية متعددة:
منها: أن المتابع للطرح الإلحادي يجد في كثير منه البعد عن تقرير الفكرة الإلحادية الأساسية، وهي نفي وجود الخالق، وإنما تجد أكثر اهتمامهم بنقد الدين –وخاصة الإسلام-، مع وجود الثغرات الكبرى في صميم الفكرة الإلحادية ذاتها، ولكنهم يُعرضون عنها، ولا ينشغلون بالإجابة عن الأسئلة الحقيقية التي تواجه اعتقادهم، وإنما ترتفع أصواتهم استهزاء بحديث بول البعير، وخبر سنِّ عائشة عند الزواج، وإذا ارتقوا قليلا تحدثوا عن القصاص والعقوبات في الإسلام، وهذا يبرز سمة الفوضى والهدم، في مقابل الانتظام والبناء.
وتبرز في ذهني الآن صورة ريتشارد دوكينز –كبير الملحدين- وهو يسأل (مهدي حسن) في لقاء عرض على قناة الجزيرة، إن كان يؤمن بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد صعد إلى السماء بفرس له أجنحة؟ و أثارت طريقة عرضه التهكمية للسؤال إعجاب جمهوره فصفقوا له، بينما هو نفسه حين سُئل في برنامج آخر عن شيء متعلق بأصل فكرته الإلحادية.. وهو أصل نشأة الحياة كان رده مخيبا لأمل الملحد ومظهرا ضعفه، فقد ذكر أنه ربما في وقت ما، وفي مكان ما في الكون، تطورت حضارة بالطريقة الداروينية على الأرجح، وصممت شكلا من أشكال الحياة، وربما بذوره في كوننا.
وهكذا ترى أن القضايا الكبرى عند أصحاب الفكر الإلحادي مشوشة، غير قائمة على بنيان، وبدل أن يقيموا الدلائل على صحة فكرتهم، صاروا يتوجهون إلى الأديان بالطعن والهدم.
ومن الصور أيضا للطرح الهدمي غير الممنهج: مشاريع بعض الدعاة المتهافتة التي قد يستفيد البعض منها إيمانيا ومعرفيا.. في حين أنها لا تقدم رؤية بنائية متماسكة، ولا يمكن لمتابعها الخروج منها بموقف واضح تجاه عدد من القضايا الشرعية المهمة، بل كثيرا ما يكتسب هؤلاء جرأة على الثوابت والمسلمات دون مفاتيح منهجية ودون اعتبارات فقه الخلاف وآدابه.
ثانيا: هذه الموجة محملة بالأسئلة المفتوحة دون حدود؛ ولا يوجد سؤال يمكن أن يستبعد منها، سواء ما كان منها متعلقا بالله سبحانه أو بأفعاله أو بالتشريعات الإسلامية، أو بالأنبياء، أو بالقضايا الفلسفية في أزلية الكون أو حدوثه ونحو ذلك.. وهذا يستدعي استعدادا نفسيا ومعرفيا من المتخصصين للتعامل مع هذه الأسئلة.
ثالثا: تحمل الموجة التشكيكية المعاصرة شعارات عامة ذات بريق وجاذبية، ولكنها غير محددة المعالم، وغير منسوجة نسجا منهجيا علميا يقي صاحبه من الفوضى أو التناقض.
رابعا: الميدان الأكبر لبث شبهات الموجة التشكيكية ، ولاستقبالها والتأثر بها هو شبكات التواصل الاجتماعي –حتى هذه اللحظة- وهذا يعطي الموجة بعدا توسعيا كبيرا غير خاضع للموانع الجمعية المفترضة.
وإلى المزيد من معالم الموجة التشكيكية المعاصرة وسماتها في المقال القادم بمشيئة الله تعالى..
_________________________________
المصدر: كتاب سابغات، أحمد بن يوسف السيد، مركز تكوين الطبعة الثالثة، 2017
[ica_orginalurl]