د. خالد حنفي*
مع اقتراب شهر رمضان المبارك واستعداد المسلمين في أوروبا والعالم لاستقباله واغتنامه في الطاعات والقُربات، يعيش مسلمو أوروبا تحدياً كبيرا في صيام أولادهم؛ لأنه اجتمع عليهم طول النهار، وشدة الحر، والامتحانات الدراسية، أو التدريبات الرياضية، وضعف الهمم لأداء العبادة والصبر عليها مقارنة بجيل الآباء الأُول، وكذا عدم وجود الحافز المجتمعي لصيام الأولاد كما هو الحال في المجتمعات ذات الأكثرية المسلمة.
فبينما يحتفي المجتمع بالطفل الصائم ويفتخر به في العالم الإسلامي، يواجه الصائم في مرحلة ما قبل الجامعة بأوروبا جملة من الأسئلة والتحديات حول صومه، ودعوةً لترك الصيام إشفاقاً عليه وتقديراً مبدئياً لتعارض الصيام مع الدراسة، وهذا الواقع يتطلب فِقهاً وحكمةً في التعاطي معه، وتفعيلاً لرُخص الصيام على نحو متوازن بحيث لا يفطر الأولاد ابتداءً، أو يُشعرهم الآباء بالتهاون في أمر فريضة الصيام، ولا يؤمرون بالصيام حتى وإن أضر قطعا بأبدانهم ودراستهم في بعض الصور والحالات لضعف بنيانها الجسدي، أو عدم إطاقتها للصيام بطبيعتها، أو فقدان التركيز مع الصيام.
وأود هنا التذكير بجملة من المعاني والأفكار التي أحسبها مهمة في التعامل مع صيام الأطفال في أوروبا على النحو التالي:
1- رعاية سن وصحة وظروف الأولاد الدراسية في مخاطبتهم بالصيام، ولا بد أن ندرك أن الأولاد قبل سن التكليف لا يُخاطَبون بالصيام إلا في إطار التدريب عليه، فيمكنهم الصيام أيام العطل، أو يصومون الجزء الثاني من اليوم ويفطرون مع العائلة. وأما بعد التكليف فلا بد من قدرة الطفل على الصيام ليُؤمر به فقد يبلغ سن التكليف وبنيانه الجسماني ضعيف، أو اجتمع له طول النهار وشدة الحر والامتحانات الدراسية أو التدريبات الرياضية، وأيقن أن الصوم سيضر به وبدراسته فله أن يفطر وعليه القضاء وعلى والديه متابعته في ذلك شتاء، وليس هذا حكما عاما لكل الناس، وإنما هو خاص بأصحاب الأعذار والظروف الخاصة من الطلبة والطالبات؛ لأن التكليف بالصيام مرهون بالاستطاعة.
ولا يجوز للوالدين إكراه الأبناء على الصيام؛ لأن أداء العبادة يجب أن يقع مع تمام الحرية والإرادة الذاتية من المكلف، والإكراه على الصيام تحديدا يأتي بعكس مقصوده وهو تحقيق التقوى وتنمية ملكة المراقبة لله عز وجل، فيصوم الطفل أمام والديه ويأكل بعيدا عن أعينهما.
كما لا يجوز لهما إكراه أولادهم على الفطر مع رغبتهم في العبادة ما داموا قادرين عليها.
ولا يقبل كذلك من أي طرف أو جهة سياسية أو غيرها المطالبة بإكراه الطلاب المسلمين على الفطر، لأنه حرية فردية يجب صيانتها وعدم العدوان عليها، وحتى لا يضر ذلك بقيم المواطنة والتعايش والخصوصيات الدينية للمسلمين في أوروبا.
2- تجنب الدخول في مقارنات أولادك في الصيام مع أولاد أقاربك في وطنك الأصلي، متجاهلا التحديات التي يفرضها الواقع الأوروبي على صيام أولادك هنا، والاحتفاء المجتمعي بصيام الصغار في موطنك الأول.
3- تزيين البيت بالزينة الرمضانية وإشراك الأولاد في إعداد تلك الزينة، وإشعارهم بفرحة رمضان وانتظار قدومه من عامٍ إلى عام، ولا بد من إدراك الأبوين لأهمية هذه الزينة والمشاهد الرمضانية الظاهرة في المجتمع الأوروبي؛ لأن المظاهر الخارجية والإعلامية التي تشعرهم برمضان وأجوائه الروحية غير موجودة في الواقع الأوروبي، والزينة الرمضانية تحقق هذا المعني إلى حد كبير.
4- تنظيم لقاء عائلي خفيف للأسرة بقصد تعليم الأولاد فضائل الصيام ومنزلته في الإسلام، مع دراسة آياته وأهم الأحاديث عنه.
5- تقديم الصيام لهم في ضوء فلسفته وحِكمه، وضرورة أن يتعلم الآباء والأمهات تلك الحِكم والمعاني، وأن يكون الجواب عن سؤالهم: لماذا نصوم؟ باللغة والأسلوب الذي يناسب أعمارهم. وقد كتبتُ في هذا المعنى سلسلة من المقالات المنشورة للجواب عن هذا السؤال: لماذا نصوم؟
6- تنظيم المسابقات الرمضانية المنزلية لحفز الأولاد على الصيام، وتلاوة القرآن، وصلاة التراويح، ورصد جوائز يومية خفيفة، وجائزة كبرى في نهاية رمضان.
7- عمل “صندوق الصدقة في رمضان”، وتدريب الأولاد على الجُود في رمضان كما كان نبينا صلى الله عليه يجود بالخير في شهر الخير.
8- مشاركة الأولاد في التواصل مع الجيران والتحاور معهم حول الصيام في رمضان؛ فهم أقدر على ذلك لغة وتلطفا وإشاعة للجمال والتعايش.
9- اغتنام شهر رمضان في غرس قيمة المراقبة لله عز وجل في نفوس أولادنا، وأن يعيشوا عمليا مع معنى: الله يراني.
10- دربوا أولادكم على ضبط سلوكهم وأخلاقهم في رمضان؛ فمن قوي على ضبط شهواته مع الأكل والشرب سيقدر على ضبطها بترك الكذب، وفواحش الأخلاق، وإدمان الهواتف ومواقع التواصل في رمضان وبعد رمضان.
11- علِّم أولادك قيمة ومعنى الدعاء في رمضان عند الإفطار، وأن تكون الاستعانة بالله -عز وجل- شعاراً له في حياته ليس فقط في رمضان؛ ليكسر بذلك حدة طغيان المادية على الروحانية في نفسه.
12- ليكن شهر رمضان فرصة لتجديد صلة العائلة بالقرآن صغاراً وكباراً، ضبطا للتلاوة دون تعقيد، واستذكارا لما أُنسوا، وتدبراً وعملاً دون إعنات أو إكثار.
——
* رئيس لجنة الفتوى بألمانيا.
[opic_orginalurl]