د. عبد الكريم بكار
“من يُرد الله به خيرا يفقهه في الدين”، ومعرفة العبد لما أنزله الله على رسوله من الأحكام بأدلتها وما يترتب عليها من ثوابها وعقوبتها تجعله
متعبدا لله على بصيرة ونافعا لعباد الله في عباداتهم ومعاملاتهم الدقيقة والجليلة، ولا شك أنّ هذا خير عظيم وفضل جسيم يرفعه الله به الدرجات ويجرى عليه ثواب عمله في الحياة وبعد الممات.
وبالتفقه في الدين يكون المرء وارثا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام في العلم الذي ييسر للمرء الطريق إلى الجنات والوصول إلى رب الأرض والسماوات.
وبالتفقه في الدين يكون المرء من العلماء أهل الخشية لله، والمحسنين إلى عباد الله.
وطالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها وتضعها له رضاء بما يطلب؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ” (رواه ابن ماجة).
والبصيرة تجمع العلم والحكمة، وهذه الخصلة لا تحتاج إلى مزيد من بسط فهي معلومة ظاهرة، ويكفي في هذا التنبيه إلى ترجمة البخاري -رحمه الله- في صحيحه حين قال: “باب العلم قبل القول والعمل”، مستدلا بقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (البخاري، كتاب العلم). قال رحمه الله: (فبدأ بالعلم قبل القول والعمل).
وفي هذا يقول الحسن البصري -رحمه الله– “العامل بغير علم كالسائر على غير هدى”. وفي مأثور الحكم: “من تمسك بغير أصل ذل، ومن سلك طريقا بغير دليل ضل”.
ويشمل العلم الفهم الدقيق لما جاء في الكتاب والسنة، وسير السلف الصالح، وفهوم أهل العلم والفقه علما وعملا.
مؤسسات للدعاة
إن الواجب على أهل الحق أن يقيموا مؤسسات تدريب تمكن المتدربين منهم من ثلاثة أهداف:
الهدف الأول: فقه الغايات:
يجب على من يريد القيام بالسباق بالحق إلى العقول أن يفقه الغايات التي يسابق بالحق من أجلها، حتى يسعى إلى تحقيقها وهو على علم بحقيقتها وبأولويات تلك الغايات، فإن فقه صاحب المبدأ لمبدئه شرط أساسي في وصوله إليه، وهذا ما أشار إليه قول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (سورة يوسف: 108).
وما أرسل الله تعالى رسوله إلى الناس إلا بهداه الذي أنزله إليه ليدعو الناس إلى دينه -وهكذا بقية الرسل عليهم الصلاة والسلام- وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفقه أصحابه هذا الدين ويثني على من فقهه الله فيه، ويدعو لهم بذلك: “اللهُمَّ فَقِّهُّه فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ” (رواه أحمد).
الهدف الثاني: فقه الوسائل:
ولا بد لمن يسابق بالحق إلى العقول، من فقه الوسائل التي يجب اتخاذها للسبق إلى العقول بتلك الغايات كل في موقعه، بحيث تكون فئات أهل الحق كلها ساعية في السباق إلى العقول بالحق في مجال عملها: المدرسون، والخطباء، والأدباء والكتاب والمفكرون، والقضاة، والأطباء والمهندسون والفلكيون، والإعلاميون، وعلماء الاجتماع وعلماء النفس، والاقتصاديون والتجار والعمال، والطيارون -مدنيين كانوا أو عسكريين- والرياضيون وغيرهم.
كل فئة من هذه الفئات تتدرَّب على ما ينقصها من الوسائل التي يجب اتخاذها للسبق بالحق إلى العقول، حتى يتمكنوا من إبلاغ الحق إلى عقول كل من لهم به علاقة، في أسرهم وجيرانهم وزملاء عملهم من المسلمين وغير المسلمين.
وبذلك تتسع دائرة السباق إلى العقول بالحق، فلا توجد فئة من المسلمين ولا فرد منهم إلا وهو ساع في إيصال الحق إلى عقول الناس في موقعه وفي حدود قدرته، وبالوسائل التي يجيدها.
الهدف الثالث: إقناع المتدرب بأداء واجبه في هذا السباق:
ويجب أن يبين للدعاة المتدربين أن الواجب عليهم أن يقوموا بالعمل الجاد في السباق بالحق إلى العقول، وأنهم مسئولون أمام الله عنه، لا يجوز له التقصير فيه لأمرين:
الأمر الأول: أنه واجب عليه يثاب على القيام به، ويعاقب على تركه إن لم يقم به غيره قياما كافيا.
الأمر الثاني: أن ذلك حق للناس الذين اتبعوا الباطل، بسبب سبق أهل الباطل به إلى عقولهم، فلا بد من إبلاغ هذا الحق إلى عقولهم، لإنقاذهم من الباطل الذي اتبعوه، أو لإقامة الحجة عليهم.
—–
المصدر: موقع “يا له من دين”.
[ica_orginalurl]