لا تحزني.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ” (البلد:4)…
(مقتطف من المقال)
إعداد/ فريق التحرير
يحتفل العالم هذه الأيام باليوم العالمي للمرأة.. فتُسلَّط الأضواء على نساء كثيرات حول العالم، وعلى إنجازاتهن ومناقبهن، وتتسابق الجمعيات النسوية والمؤسسات المجتمعية المحلية والدولية في توزيع التكريمات وتقديم الهدايا والدروع، بل وفي التعريف بقصص ملهمة لنساء تعرضن لأزمات خاصة أو محن وكوارث إنسانية واستطعن التغلب عليها…
لكن في مقابل كل تلك النماذج تقبع خلف الأبواب المغلقة الملايين من النساء المعنَّفات، والمُعيلات، والمضطهدات..
تجلس أمام الشاشات المئات والمئات من النساء المهدورة حقوقهن؛ فيتابعن الاحتفاء بقلوب يملؤها الحزن والألم والشعور بالتهميش والدونية والتقزم.. غافلات عن أنهن حظين بتكريم أعلى وأرقى وأسمى من كل التكريمات الدنيوية البشرية المادية!
إنه تكريم سماوي رباني.. كره لكل منهن الألم والجزع والحزن، ونهى عنه في محكم آياته.. في قرآن يُتلى حتى يوم الدين..
وإليك أختي المسلمة.. كلمات نيرة تدفعين بها الهموم.. انتقيتها لك من مشكاة النبوة لننير لك الطريق.. وتكشف عنك بإذن الله الأحزان…
أولاً: لا تحزني.. وكوني ابنة يومك
اجعلي شعارك في الحياة:
ما مضى فات والمؤمل غيبُ *** ولك الساعة التي أنت فيها
وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
إنسي الماضي مهما كان أمره، انسيه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد على يومك، ويزيدك هموماً على همومك. تصوري دائمك أنك وسط بين زمنين:
الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنك.. ذهنك فقط! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم.. لأنه انتهى وانقضى.. وتولى ومضى!
والثاني: مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل.. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدرك كنهه أحد.. “قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ” (النمل:65)، “وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ” (لقمان:34).
إذاً فالماضي عدم.. والمستقبل غيب!
فلا تحطمي فؤادك بأحزان ولّت.. ولا تتشاءمي بأفكار ما أحلت! وعيشي حياتك لحظة.. لحظة.. وساعة ساعة.. ويوماً بيوم!
تجاهلي الماضي.. وارمِ ما وقع فيه في سراب النسيان.. وامسحي من صفات ذكرياتك الهموم والأحزان.. ثم تجاهلي ما يخبئه الغد.. وتفائلي فيه بالأفراح.. ولا تعبري جسراً حتى تقفي عليه.
تأملي كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال” (رواه البخاري ومسلم).
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها.. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.
أختي المسلمة.. يومك يومك تسعدي.. أشغلي فيه نفسك بالأعمال النافعة.. واجتهدي في لحظاته بالصلاح والإصلاح.. استثمري فيه لحظاتك في الصلاة.. في ذكر الله.. في قراءة القرآن.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير.. في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. “يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً” (آل عمران:30).
ثانياً: تعبدي لله بالرضى
لا تحزني.. اجعلي شعارك عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها.. اهتفي بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقك البلية.. مزية.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة!
تأملي في أدب البلاء في هذه الآية: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (البقرة:155-157).
استرجعي عند الجوع والفقر.. وعند الحاجة والفاقة.. وعند المرض والمصيبة.. وأبشري بالرحمة من الله وحده!
ثالثاً: افقهي سر البلاء
لا تحزني.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ” (البلد:4).
طبعت على كدر وأنت تريدها *** خالية من الأنكاد والأكدار
هكذا الحياة خلقت مجالاً للبلاء.. “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً” (الملك:2).. “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ” (محمد:31).. إذن فسر البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر.. والصابر فيثاب!
لا تحزني.. واستشعري في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله!.. تثبتي وتأملي وتمالكي وهدئي الأعصاب.. وكأن منادياً يقول لك في خفاء هامساً ومذكراً: أنت الآن في إمتحان جديد.. فاحذري الفشل.
تأملي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) رواه البخاري، ثم قوله: (من يرد الله به خيراً يصب منه) رواه البخاري.
فطالب العلم.. والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما.. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه!
فكما أن العلم شرف.. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر به ذنباً.. ويفرج به كرباً.. ويمحي به عيباً.. ويحدث بعده أمراً لم يكن في الحسبان.
“لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً” (الطلاق:1)، وفي الحديث: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط) رواه البخاري.
رابعاً: لا تقلقي
المريض سيشفى.. والغائب سيعود.. والمحزون سيفرح.. والكرب سيرفع.. والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً” (الشرح:6،5).
لا تحزني.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية.. ليطمئن قلبك.. وينشرح صدرك.. وقال : (لن يغلب عُسر يُسرين).. العسِير يعقبة اليُسر.. كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى *** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
خامساً: اجعلي همك في الله
أُخية.. إذا اشتدت عليك هموم الأرض.. فاجعلي همك في السماء.. ففي الحديث: (من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك) [صحيح الجامع: 6189].
لا تحزني.. فرزقك مقسوم.. وقدرك محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال.. “وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” (الحديد:20).
إذا آوى إليك الهم.. فأوي به إلى الله.. والهجي بذكره: (الله الله ربي لا أشرك به أحداً)، (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، (رب إني مغلوب فانتصر)، فكلها أورد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب.
اطلبي السكينة في كثرة الإستغفار.. استغفري بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة.. “إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة:222).
اطلبي الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي الأمين، وتلاوة القرآن، “أَلاً بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد:28).. “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” (الإسراء:82)..
لا تحزني.. وافزعي إلى الله بالدعاء.. لا تعجزي ففي الحديث (أعجز الناس من عجز عن الدعاء) تضرعي إلى الله في ظلم الليالي.. وأدبار الصلوات.. اختلي بنفسك في قعر بيتك شاكيةً إليه.. باكيةً لديه.. سائلةً فَرَجُه ونَصره وفتحه.. وألحِّي عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء.. “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” (البقرة:186).
لا تحزني ولا تيأسي.. “إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (يوسف:87).
ستنجلي الظلمة.. وتولِّ الغمة.. وتعود البسمة.. فافرشي لها فراش الصبر.. وهاتفيها بالدعاء والذكر.. وظني بالله خيراً.. يكن عند حسن ظنك..
لمطالعة العديد من الموضوعات المتعلقة بتكريم الإسلام للمرأة يمكن زيارة الروابط التالية:
المرأة في ميزان الإسلام.. هل كالرجل؟
على مر العصور الإسلامية.. ثقافة المرأة المسلمة حاضرة!
المرأة في تاريخ الفقه الإسلامي.. مفتيةٌ وقاضيةٌ أيضا!!!
المرأة العربية.. مقاتلةٌ في الصفوف الأولى!!!
________________________________________
المراجع:
** صيد الفوائد
** شبكة العين الإخبارية
** موقع دنيا الوطن
** شبكة عدن الإخبارية
[ica_orginalurl]