جورج حوراني-هلسنكي
في واحدة من أكثر مجتمعات العالم إلحادا تسير خديجة وهو الاسم التي اختارته تياسيسكو لنفسها بعد اعتناقها الإسلام حديثاً عكس التيار
السائد في فنلندا، لتبدأ رحلة تغيير جذري في حياتها من حيث أسلوب العيش واللباس.
وخديجة واحدة من بين الآلاف من السكان الفنلنديين الأصليين الذين أشهروا إسلامهم، وتقول إن لديها “حماسة” لتأدية الصلاة وقراءة معاني القرآن الكريم باللغة الفنلندية.
أما بشأن الحجاب الذي ترتديه فتقول “في البداية لم يكن وضع الحجاب بالأمر السهل ولكن تخطيت كل الحواجز لأنني أجد في الإسلام راحة وطمأنينة”.
وتتمتع خديجة المتزوجة من مصطفى فونشا -وهو إمام مسجد مدينة لاهتي في جنوب البلاد- بشخصية منفتحة وتشارك أسبوعياً في صفوف التعليم الديني واللغة العربية. وتضيف “يساعدني زوجي كثيرا في التعمق في الأمور الدينية. لقد احتفلنا بعيد الأضحى هذا العام في الدار البيضاء وهناك أعلنت إسلامي في المسجد وسط ترحيب أهل مصطفى وأقاربه”.
وتفيد الإحصاءات الرسمية في فنلندا بأن مجموع الفنلنديين الذين اعتنقوا الإسلام يتخطى ٣٠٠٠ مسلم ومسلمة جدد من السكان الأصليين في فنلندا التي لا يتجاوز عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة.
أما أعداد الجاليات المسلمة فتبلغ 70 ألفا يتوزعون على مجموعات عرقية عدة من بينها الجالية الصومالية (أكبر الجاليات المسلمة)، تليها العربية والكردية والتركية والألبانية والكوسوفية والبوسنية، وينتمي معظمهم إلى أهل السنة.
رحلة الهداية
وعن رحلتها إلى اعتناق الإسلام، تقول بيا يردي رئيسة “جمعية النساء الفنلنديات المسلمات” ونائبة رئيس المجلس الإسلامي الفنلندي: إن رحلة تعرُّفها على الإسلام كانت في منتصف الثمانينيات.
وتوضح “عندما تزوجت برجل مغربي مسلم في ذلك الوقت جعلني أبدي اهتماما بالغاً بالدين الإسلامي، فمنذ طفولتي كان لدي اهتمام ديني وفي ذلك الوقت لم يكن متاحا لي قراءة كتب عن الإسلام لكنك قد تجد ترجمة للقرآن الكريم في المكتبة العامة”.
أما نقطة التحول الأهم في رحلة بيا يردي -التي تتمتع بشهرة عالية في أنحاء البلاد- فكانت عندما زارت للمرة الأولى المغرب للقاء عائلة زوجها حيث “وجدتُ حفاوة واحتضانا من عائلة زوجي، كما تسنى لي الحصول على أول الكتب عن الإسلام باللغة الإنجليزية”. وتذكر جيداً أن بين الأشياء التي انبهرت بها هو الذبح الحلال.
وبعد عودتها إلى هلسنكي بفترة وجيزة اعتنقت بيا الإسلام لتكون من بين قلة من الفنلنديات المسلمات الجدد في ذاك الوقت، وتؤكد “دخلت المجال السياسي ليكون للمسلمين صوت مسموع في فنلندا، ولا أزال أقرأ القرآن الكريم المترجم، ولغتي العربية ليست جيدة ولكنني أقوم بمجهود لأتعلمها”.
ومن واقع معايشته القريبة يقول رئيس المجلس الإسلامي في فنلندا وإمام مسجد هلسنكي محمد أنس حجّار “هنا في أوروبا نحتاج إلى تعريف بحقيقة الإسلام بشكل أفضل وخلق مساحة حوار بهدف الخروج بتوصيات حول كيفية مساهمة المسلمين في المجتمع الفنلندي على الأصعدة كافة وفي هذا الإطار جاء تنظيم المعرض الإسلامي الثالث هذا العام”.
وأشار حجار إلى وجود قضايا تصطدم بالقوانين المحلية المتبعة مثل المقابر الخاصة بالمسلمين واللباس الإسلامي وختان الذكور. وحذر من خطورة إلغاء حصص التعليم الديني في المدارس التي قال إنها مسألة مطروحة حاليا في النقاش السياسي.
تحديات
أما توماس مارتيكينين المحاضر في مادة الأديان المقارنة بجامعة إيبو أكاديمي فيرى أن البطالة تشكل التحدي الرئيسي الذي يواجهه المهاجرون المسلمون لأسباب عديدة من بينها صعوبة ولوج سوق العمل نتيجة وجود إما عائق اللغة وإما عدم التخصص، وفي بعض الأحيان التمييز العنصري.
ويوضح أن لدى المجتمع الفنلندي “في كثير من الأحيان مقاربة مترددة حيال المجموعات الإثنية المسلمة عندما يتعلق الأمر بفرص العمل المتاحة”، مشيرا إلى أن من بين التحديات الأخرى التي طفت إلى السطح “بروز معارضة لفظية للإسلام يمكنك وصفها بالإسلاموفوبيا”.
ويستشهد في ذلك بوجود “أصوات سياسية معارضة للإسلام في البرلمان الفنلندي توجه انتقادات حادة لبعض الممارسات الدينية للمسلمين ولكن الأهم من هذا أن يستطيع هؤلاء السياسيون وهم قلة إيجاد دعم جماهيري لأطروحاتهم”.
ووفق مارتيكينين فإن السكان المسلمين هم في متوسط العمر ديمغرافيا بحيث يتوقع أن تزداد أعداد الجيل الثاني من بينهم بسرعة خلال السنوات الخمس القادمة، هذا فضلاً عن المسلمين الجدد من السكان الأصليين والأقلية المسلمة من التتر الذين استوطنوا هذا البلد منذ أكثر من مائة عام.
——————-
المصدر: الجزيرة.نت.
[ica_orginalurl]