مركز التأصيل للدراسات والبحوث
المملكة المتحدة ومن قبلها الإمبراطورية البريطانية معقل من معاقل النصرانية في أوروبا سواء بكنيستها الكاثوليكية أو البروتستانتية والأرثوذوكسية, فهي إحدى حماة النصرانية,
فملكة بريطانيا بمنصبها الرسمي تلقب براعية الكنيسة, وتخرج منها مئات البعثات التبشيرية التي تحاول تنصير المسلمين في قارات العالم.
ولهذا فللإسلام في بريطانيا حكاية خاصة وتجربة فريدة، ربما تختلف كثيرا عن أوضاع وأحوال الأقليات المسلمة في جميع أنحاء العالم.
ويهتم الباحثون كثيرا -خاصة من غير المسلمين- بتطورات المجتمع البريطاني ومدى تقبله للإسلام وانخراط المسلمين فيه وتفاعلهم المجتمعي, وتصدر دوائر الرصد والمتابعة بيانات وتقارير لا شك أنها تقلق الساسة البريطانيين؛ حيث أكدت دراسة بريطانية حديثة (تقرير لموقع الجزيرة نت) ارتفاع عدد المسلمين في المملكة المتحدة خلال السنوات الست الماضية بنسبة 37%، ووصول عدد المساجد إلى نحو 1500 مسجد، كما أكد معهد غيتستون البريطاني أن اعتناق الإسلام في بريطانيا يجري على أساس متكرر مع تحول مئات البريطانيين إلى الإسلام كل شهر, وصحب ذلك تأكيد من السلطات الحكومية أن عددا متزايدا من السجناء في السجون البريطانية يعتنقون الإسلام، كما تشهد المدارس البريطانية ظاهرة انتشار الإسلام مع تحول أعداد متزايدة من الطلبة إليه.
ويأتي تزايد الاهتمام بالإسلام في صفوف البريطانيين والوافدين في الوقت نفسه الذي تراجعت فيه الكنائس المسيحية التقليدية مع الاتجاه العام، الذي تنحسر فيه اليهودية والمسيحية والقواعد الأخلاقية في المجتمع البريطاني، وهو ما يخلق فراغا روحيا يرشح الإسلام يكون المؤهل لملئه.
ومن الأمور اللافتة للانتباه الإقبال المتزايد من فئة النساء على الدخول في الإسلام، بعكس الصورة التي يتم بثها إلينا والتي ملأت أذهاننا حول قضايا حقوق المرأة في الإسلام، لتثبت فعليا أن النساء الغربيات يجدن في الإسلام حقوقا أعظم من التي ينلنها في المجتمعات الأوروبية, وهذا الأمر دفع قناة “بي بي سي” البريطانية لإعداد فيلم وثائقي عن مجموعة من السيدات البريطانيات اللاتي اعتنقن الإسلام، ليظهر فيه تغيرهن السلوكي الكبير بعد إسلامهن تحت عنوان “اجعلني مسلمة – Make me a muslim”, فبعد أن كن يقضين وقتهن في شرب الخمر وفي سبل اللهو والضياع الأخرى تغير نمط حياتهن بعد اعتناقهن الدين الإسلامي، وتخلين عن هذه العادات السيئة، والغريب أن النسبة الكبرى من النساء اللاتي اعتنقن الإسلام من السيدات في بريطانيا كن عارضات أزياء أو مغنيات قبل ذلك، فتركن تلك الحياة والحرية الزائفة واقبلن على الإسلام فوجدن فيه الحرية الحقيقية كما صرحن بذلك.
وتكمن فلسفة اختلاف التجربة الإسلامية في بريطانيا وريادتها في مشاركة المسلمين بفعالية وإيجابية في المجتمع البريطاني، فأصبحوا بذلك رقما يصعب على المجتمع عزلهم أو تجاهلهم.
فعلى سبيل المثال حصلت السيدة “نيكي هوبرد” وهي شرطية تحقيق مسلمة تعمل بشرطة العاصمة بمنطقة “وستمينستر” على جائزة تكريمية من ملكة بريطانيا بعد حصولها على رتبة الإمبراطورية البريطانية، نتيجة خدماتها المؤثرة وفعاليتها في حل العديد من المشكلات وقيامها بأنشطة تخدم العلاقات الاجتماعية، وتقضي على العنف الأُسري, فكانت جائزة مهمة لها وللمسلمين في بريطانيا.
وأثبتت دراسة قام بها مركز “ICM” للأبحاث على 4 آلاف شخص حول أكثر الفئات قياما بالأعمال الخيرية.. أن المسلمين هم أكرم من يقوم بالأعمال الخيرية في بريطانيا, فعلى مستوى الأفراد وصل متوسط التبرعات التي يقوم بها المسلم إلى 371 جنيها إسترلينيا للفرد، بينما وصل متوسط تبرعات اليهودي إلى 270 جنيه إسترليني للفرد، أما الملحدون فكان متوسط تبرعاتهم 116 جنيه إسترليني للفرد، والكاثوليك 178 جنيه إسترليني للفرد، والبروتستانت 202 جنيه إسترليني للفرد.
وعلى مستوى المؤسسات أظهرت الدراسة أن أول مركزين من نصيب المسلمين، وتحتلهما جمعيات “Muslim Aid” و”Islamic Relief” فتصدر المسلمون أيضا الترتيب الخيري مما يدل دلالة عميقة على تجاوبهم وتأثيرهم في المجتمع.
وفي ختام شهر رمضان نظَّمت الجمعيات والمراكز الإسلامية مهرجانًا استمر أربعة أيام حضره حوالي 4500 مشارك من المسلمين ومن غيرهم؛ لتصحيح المعلومات المغلوطة عن الإسلام ومناقشتها مناقشة مجتمعية قائمة على تبادل الأفكار من خلال الأسئلة والأجوبة، فكانت مناسبة ممتازة لعرض الإسلام في صورته الصحيحة لعدد كبير من غير المسلمين الذين سينقلون ما شاهدوه وعلموه إلى مجموعات أكبر منهم، وخاصة في العالم المنفتح نتيجة التطور التقني في مجال الاتصالات.
ولهذا وبحمد الله وبفضله سبحانه ثم بهذا الحضور الإيجابي للمسلمين ينتشر الإسلام في قطاعات كبيرة في المجتمع البريطاني, وحق لهم أن يحسبوا لهذا الانتشار حسابات كبيرة.
ــــــــ
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث.
[ica_orginalurl]