ثبت علميا بقياسات عديدة أن أدنى الأرض أو أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا هو غور البحر الميت، ويقع البحر الميت في أكثر أجزاء الغور انخفاضا، حيث يصل مستوى منسوب سطحه إلي حوالي أربعمائة متر تحت مستوي سطح البحر، ويصل منسوب قاعه في أعمق أجزائه إلي قرابة الثمانمائة متر تحت مستوي سطح البحر، وهو بحيرة داخلية بمعني أن قاعها يعتبر في الحقيقة جزءا من اليابسة.
وغور البحر الميت هو جزء من خسف أرضي عظيم يمتد من منطقة البحيرات في شرقي إفريقيا إلي بحيرة طبريا، فالحدود الجنوبية لتركيا.. مرورا بالبحر الأحمر وخليج العقبة ويرتبط بالخسف العميق في قاع كل من المحيط الهندي، وبحر العرب وخليج عدن.
ويعتبر منسوب سطح الأرض فيها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا حيث يصل منسوب سطح الماء في البحر الميت إلى 402 مترا تحت المستوي المتوسط لمنسوب المياه في البحرين المجاورين: الأحمر والأبيض المتوسط، وهو أخفض منسوب أرضي علي سطح اليابسة.
أدنى الأرض على الإطلاق!
وخلاصة القول إن منطقة أغوار وادي عربة ـ البحر الميت ـ الأردن تحوي أخفض أجزاء اليابسة علي الإطلاق، والمنطقة كانت محتلة من قبل الروم البيزنطيين في عصر البعثة النبوية الخاتمة.
وكانت هذه الإمبراطورية الرومانية يقابلها ويحدها من الشرق الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وكان الصراع بين هاتين الإمبراطوريتين الكبيرتين في هذا الزمن علي أشده، ولابد أن كثيرا من معاركهما الحاسمة قد وقعت في أرض الأغوار، وهي أخفض أجزاء اليابسة علي الإطلاق.
ووصف القرآن الكريم لأرض تلك المعركة الفاصلة التي تغلب فيها الفرس علي الروم ـ في أول الأمر بأدنى الأرض ـ وصف معجز للغاية لأن أحدا من الناس لم يكن يدرك تلك الحقيقة في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده، وورودها بهذا الوضوح في مطلع سورة الروم يضيف بعدا آخر إلى الإعجاز التنبؤي في الآيات الأربع التي استهلت بها تلك السورة المباركة ألا وهو الإعجاز العلمي فبالإضافة إلي ما جاء بتلك الآيات من إعجاز تنبؤي شمل الأخبار بالغيب، وحدد لوقوعه بضع سنين.
فوقع كما وصفته وكما حددت له زمنه تلك الآيات فكانت من دلائل النبوة، فإن وصف أرض المعركة بالتعبير القرآني أدني الأرض يضيف إعجازا علميا جديدا، يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
من دلائل النبوة
وكما كانت هذه الآيات الكريمة من دلائل النبوة في زمن الوحي لإخبارها بالغيب فيتحقق فهي لا تزال من دلائل النبوة في زماننا بالتأكيد على أن المعركة الفاصلة قد تمت في أخفض أجزاء اليابسة علي الإطلاق، وهي أغوار البحر الميت وما حولها من أغوار ويأتي العلم التجريبي ليؤكد تلك الحقيقة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وعلي كُتاب التاريخ الذين تأرجحوا في وضع المعركة الفاصلة في هزيمة الروم علي أرض القسطنطينية أو علي الأرض بين مدينتي أذرعات وبصرى من أرض الشام أو علي أرض أنطاكية أو علي أرض دمشق أو أرض بيت المقدس أو أرض مصر (الإسكندرية) أن يعيدوا النظر في استنتاجاتهم؛ لأن القرآن الكريم يقرر أن هزيمة الروم علي أيدي الفرس كانت علي الأرض الواقعة بين شرقي الأردن وفلسطين وهي أغوار وادي عربة ـ البحر الميت ـ الأردن التي أثبت العلم أنها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا والتي ينطبق عليها الوصف القرآني بأدنى الأرض انطباقا تاما ودقيقا.
فسبحان الذي أنزل هذا التعبير المعجز ( أدنى الأرض ) ليحدد أرض المعركة ثم ليثبت العلم التجريبي بعد أكثر من اثني عشر قرنا أن الأغوار الفاصلة بين أرض فلسطين المباركة والأردن هي أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا ومن هنا كانت جديرة بالوصف القرآني وجديرة بأن تكون أرض المعركة التي هزم فيها الروم وذلك لقول الحق (عز من قائل) “الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ” (الروم:1-5).
_______________________________________
المصدر: موقع الدكتور زغلول النجار
[ica_orginalurl]