في السطور القادمة سوف نعيش مع آية من آيات القرآن الكريم أنبأنا الله عز وجل فيها أن الماء إذا نزل على الأرض الهامدة الخاشعة اهتزت وربت لنرى أن ترتيب الكلمتين معجز، وإذا عُكس وضع الكلمتين اختل المعنى العملي تماما للآية.
القرآن الكريم.. المعجزة الخاتمة الذي لا تنقضي عجائبه.. يتحدى العلماء في عصر التجريب والتدقيق العلمي، فيأتينا كل يوم بالجديد.
قال تعالى: “وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ” (الحج:5)، وقال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (فصلت:39).
قال المفسرون في معاني الكلمات:
هامدة: ميتة قاحلة.
خاشعة: يابسة جدبة.
ربت: ازدادت وانتفخت.
هذه الآيات الكريمات قمة العظمة الإلهية، والإعجاز في كتاب الله، وحتى نفهم الأساس العلمي لكلمتي اهتزت وربت ونتعرف على الإعجاز النباتي في الآيات، سنعطي صورة للأرض قبل نزول الماء عليها وهي هامدة وخاشعة، وصورة الأرض بعد نزول المطر عليها مباشرة، وصورة للأرض بعد نزول المطر عليها بمدة طويلة.
أولا: صورة الأرض قبل نزول المطر عليها مباشرة:
في هذه الصورة ترى أن:
حبيبات التربة وجزيئاتها تأخذ أقل حيز لها، والأرض قاحلة ويابسة وجدبة، وهنا تكون الأرض هامدة خاشعة كما صورها القرآن الكريم في أبلغ صورة حيث قال تعالى: ” وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً” وقال سبحانه: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً” وفيها نرى أن:
جميع الكائنات الحية الدقيقة (بكتيريا- فطريات- أكتينوميسيتات- وغيرها) في حالة سكون تام، وانعدام حركة، مع شغلها أقل حيز في حياتها، ومعظمها في حالة تجرثم، أو تكوّن حوافظ جرثومية تعمل كالدرع الواقي للكائن الحي من الظروف الخارجية القاسية وأهمها غياب الماء.
البويضات الخاصة ببعض الكائنات الأولية الأخرى في حالة كمون وسكون تام مع وجود أغلفة حامية لها من الظروف الخارجية القاسية.
البصلات والبصيلات، والبذور والحبوب في أقل صورة من النشاط الحيوي لها حفاظا على حياتها وبقاء لأجيالها القادمة.
الجذور النباتية والمجموعة الخضرية الخاصة بالنباتات في حالة هدوء عجيب، وقد أغلقت منافذها وتكونت عليها مواد شمعية وحراشيف شديدة التحمل للجفاف.
ثانيا: حالة الأرض بعد نزول المطر عليها بمدة قصيرة:
وقت أن ينزل المطر على الأرض تحدث العمليات الفيزيائية والكيميائية الحيوية التالية:
- ينزل المطر على الأرض فتتغير طاقة الوضع وطاقة الحركة لكل من المطر والأرض، فتهتز الأرض وتتحرك لانتقال الطاقة إليها من الماء. ويزداد تأين مكونات التربة غير العضوية في وجود الماء ويزداد حجمها. وتتشرب المكونات العضوية غير القابلة للتأين، وتنتفخ وتتباعد أجزائها عن بعضها البعض، ويزداد حجمها نتيجة لعمليات التشرب.
النتيجة النهائية للعمليات السابقة هو اهتزاز التربة وتحركها مع غياب التشقق عنها.
- في نفس الوقت تحدث العمليات الحيوية التالية: تخرج الكائنات الحية الدقيقة من سكونها وتهتز وتتحرك، وتنشط البصلات والبصيلات والريزومات والكورمات وتهتز وتتحرك.. تفقس البيضات والبويضات، وتنشط الديدان والحشرات، والجذور والسيقان ويزداد معدل امتصاص التربة وتهتز جزيئاتها وتتحرك.
المحصلة النهائية للعمليات السابقة هي أن الأرض تهتز وتتحرك.
ثالثا: صورة الأرض بعد نزول المطر عليها بمدة طويلة:
بعد نزول المطر على الأرض بمدة طويلة، تتوالى العمليات الفيزيائية والكيميائية والحيوية وتصبح صورة الأرض كما يلي:
تبدأ الكائنات الحية الدقيقة في النمو والتكاثر فتزداد في الحجم والوزن، ويزداد المحتوى العضوي للتربة. وتبدأ الديدان والحشران في النمو والتكاثر كذلك وتحدث أنفاقا في الأرض فتتنفس التربة، وتبدأ البصلات والبصيلات والكورمات والجذور في النمو مع زيادة الحجم والوزن، وتنشط الجذور ويتدرن بعضها ويخزن فيه الغذاء المدر الناتج عن عملية البناء الضوئي، والتغذية.
المحصلة النهائية للعملية السابقة هي زيادة الحجم والوزن.
رابعا: الصور السابقة مجمعة:
- الأرض هامدة قاحلة ميتة بسبب غياب الماء وسكون الكائنات الحية بها.
- ينزل الماء على الأرض فتهتز ويزداد تأينها وتشربها، وتخرج الكائنات الحية من سكونها ومكامنها، فتهتز الأرض وتتحرك.
- بعد مدة يزداد النشاط الحيوي والنمو وتموج الأرض بالحياة وتحيا وتربو.
وقد أوجز الله العليم الخبير كل هذه العمليات في كلمتي: “اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ“
فهل كان أحد في الجزيرة العربية وقت نزول القرآن عالما بعلم البيئة الزراعية وعلم التربة والكيمياء والأحياء، وباقي فروع العلم المتصلة بالعمليات السابقة حتى يصف العمليات السابقة في كلمتي اهتزت وربت؟
ولولا الاهتزاز والربو ما حيَت الأرض ولا أنبت الزرع ولا خرج الحب. فهل بعد ذلك إعجاز؟
وماذا يحدث لو قالت الآية: “ربت واهتزت”، هنا تصبح الآية معاكسة للعلم الحديث والعلم التجريبي لأن الأرض تهتز أولا، ثم تنمو كائناتها الحية فتربو وتزداد في الحجم. ومن هنا كانت العظمة في ترتيب الكلمتين القرآنيتين.
إن هذه الآية من الآيات القرآنية الكافيات التي تصلح منهج حياة علمية، ودليل على أن القرآن ليس من عند البشر بل هو من عند رب البشر خالق الأرض وقوانينها والبشر وعقولها، فهل من مدَّكر؟
_________________________________________
المصدر: كتاب آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، دار المعرفة، بيروت، ط1،2008، عن كتاب آيات معجزات من القرآن وعالم النبات للدكتور نظمي خليل أبو العطا.
[ica_orginalurl]