بشرف المسمّى تزداد التسميات وتتعدّد، كذا كانت عادة العرب عند كلّ شيءٍ له قيمةٌ ومكانةٌ في قلوبهم، فإذا كان للأسد عندهم أسماءٌ كثيرةٌ تربو على ثلاثمائة اسم، وقل مثل ذلك للسيف، فما بالك بعلمٍ يتعلّق بمعرفة الله سبحانه ورسولِه، وبكلّ ما هو مندرج تحت بند الغيب؟
فلا نستغرب إذن أن نجد لعلم المعتقد جملةً من الأسماء التي تناثرت بين صفحات التاريخ على مرّ العصور وكرِّ الدهور، فاستلهموها عند حديثهم، وعبّروا عنها في مدوّناتهم، وسمّوا بها كتبهم، ولا ضيرَ في ذلك مادام متعلّقها واحد، وحقيقتها واحدة، وموضوعها واحد:
العقيدة
من أسماء هذا العلم: علم العقيدة، وهو مأخوذ من قول العرب: عقدتُ الحبل بمعنى وثّقته وأحكمتُ رباطه، فكأن العلماء قد لحظوا معنى الإحكام الحاصل في عقد الحبل، كذا الإنسان يبني معتقده على اليقين، فمن هنا: سمّي هذا العلم بعلم العقيدة.
وقد صنّف كثيرٌ من العلماء مصنّفات عدّة، تم تسميتها بهذا الاسم، ومن ذلك:
– اعتقاد أهل السنة . لأبي بكر الإسماعيلي
– الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، للإمام البيهقي
– عقيدة السلف أصحاب الحديث، للصابوني
-العقيدة الحمويّة، والواسطيّة، والتدمريّة، لشيخ الإسلام ابن تيمية
السنّة
ثاني الأسماء المشتهرة لهذا العلم: السنّة، وهو أمرٌ قد يبدو مستغرباً للوهلة الأولى، خصوصاً أن السنّة إذا أطلقت في الأغلب فإنما تستدعي في الذهن أمرين اثنين: الأمور المستحبّة التي يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركُها، أو الهدي النبوي والطريقة النبويّة، كما جرت العادة الاصطلاحيّة عند علماء الفقه وعلماء الأصول.
ولعل الملحظ الذي جعل علماء المعتقد يُطلقون على أصول الدين اسم “السنّة”، تمييزاً لها عن مقولات أهل البدع والأهواء، فكان في هذا الإطلاق وقوفٌ أمام الطغيان الفلسفي الذي تولّى كِبْرَه أصحاب الفرق الضالّة والملل الباطلة، ممّن استلهموا ضلالاتهم من فلسفات اليونان والإغريق، واعتمدوا فيها على عقولهم بعيداً عن أنوار الوحي.
وإذا كانت السنّة بمعناها العام تُطلق على كل ما كان من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-، فلا شك أن المقاعد الأولى تكون للمعتقد، وإن أولى الأولويّات عند من يريد الحق: اتّباع طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه فيما يعتقدون.
ولعل في إدراك ذلك يكشف السرّ عن استخدام العلماء في القرن الثالث –باعتباره عصر ازدهار هذا الإطلاق- بكثرةٍ لهذا المصطلح، كنوعٍ من الممانعة لما راج وشاع من أقوال المعتزلة والصوفيّة، وغيرهما من أصحاب البدع الكلاميّة.
ومن أشهر مصنّفات العقيدة التي استعملت هذه التسمية:
– كتاب السنة، لعبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل
-كتاب السنة، لأبي أحمد الأصبهاني العسّال
– كتاب السنة، لابن أبي عاصم
– كتاب السنة، لأبي بكر المروَزي
أصول الدين
من تسميات هذا العلم: أصول الدين، والأصل كما هو معلوم: ما يقوم عليه غيرُه، فعلى أصل الجدار يقوم الجدار، وعلى أصل الشجرة تستقيم وتثبت الأغصان.
كذلك العقيدة: هي أصل الدين، وسائرُ أمور الدين ومسائلُه تُبنى عليها، وهي قطعيّات الدين التي تحكم قواعد الشرع، ولذلك تكون المرتكز الحقيقي الذي يحدّد مصير الإنسان ومستقبَله وسعادتَه في الداريْن.
ومن أشهر أسماء كتب العقيدة التي اتّخذت هذه التسمية:
– شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لأبي القاسم اللالكائي
– الفصول في أصول الدين، لأبي عثمان الصابوني
– كتاب الشرح والإبانة عن أصول السنة والديانة، لابن بطة
الفقه الأكبر
من تسميات علم المعتقد: الفقه الأكبر، تمييزاً لها عن “الفقه الأصغر”، والذي هو معرفة أحكام الشرع العمليّة، والباعث على هذه التسمية والله أعلم، أن الفقه في حقيقته يقوم على المعرفة، وأولى ما يجب على المرء معرفتُه وفهمُه وإدراكه: أصول الدين، ولذلك ينبغي على المكلّف أن يصحّح معتقده أولاً قبل كلّ شيء.
ومما وصلنا من أسماء المصنّفات التي اتّخذت هذه التسمية:
-كتاب الفقه الأكبر، للإمام أبي حنيفة
-كتاب الفقه الأكبر، للإمام الشافعي
الشريعة
من تسميات العقيدة: علم الشريعة، والشريعة بمعناها العام: كلّ ما سنّه الله تعالى لعباده من أحكام عقائدية أو عملية أو خلقية، ومن هنا: أطلق علماء السلف اسم الشريعة على العقائد باعتبار دخوله تحت المصطلح العام أولاً، وإظهاراً لأهميّته ومصدريّته ثانياً، وقد تمّت الإشارة إلى العلاقة بين الشريعة والعقيدة في قولِه تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} (الشورى: 13)، فالدين –الذي هو الأصول- واحد، وإن اختلفت الشرائع أو ما يُسمّى بالفروع: كما قال عزّ وجل: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} (المائدة: 48).
ومن أمثلة المصنّفات العقديّة التي استخدمت هذا المصطلح:
– كتاب الشريعة، للإمام محمد بن الحسين الآجُري.
-كتاب الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لابن بطة.
الإيمان
من الطبيعي أن يُسمّى العلم بهذا الاسم نظراً لقدسيّة هذا اللفظ، ولوروده في آي القرآن ونصوص السنّة، فهو مصطلح “سماوي” إن صحّ هذا التعبير، وليس القصد في هذه التسمية الاقتصار على قضايا الإيمان الرئيسيّة وما تفرّع منها، دون اعتبارٍ لما لم يدخل تحت قضايا الإيمان الستّة المعروفة؛ فإننا نجد الكثير من قضايا المعتقد وردت على ألسنة العلماء في كتبهم، والتي تسمّت بهذا الاسم، كمثل قضيّة الولاية أو الاعتقاد في الصحابة ونحو ذلك.
ومن الكتب في هذا الباب:
-كتاب الإيمان، للإمام أحمد بن حنبل
– كتاب الإيمان، لأبي بكر بن أبي شيبة
– كتاب الإيمان، لمحمد بن إسحاق بن منده
التوحيد
وهو من أشهر أسماء العقيدة خصوصاً في العصور المتأخّرة، والتوحيد: اعتقاد وحدانيّة الله تعالى في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه، ويذكر العلماء أن ذلك مِن باب تسمية الشيء بأشرف أجزائه؛ لأن توحيد الله – عز وجل – هو أشرف مباحِث عِلم العقيدة.
ومن أمثلة المصنّفات التي تذكر في هذا المقام التصنيف:
– كتاب التوحيد، لمحمد بن يحي بن منده
– كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب، لأبي بكر ابن خزيمة
– كتاب التوحيد، لمحمد بن إسحاق بن منده
فهذه التسميات وغيرُها –مما قد تُستحدث لاحقاً- لا نكير في استخدامها؛ لأن التسميات أمرٌ اجتهاديٌّ محض، ويبقى ذلك مقبولاً ما لم يتضمّن معنى فاسداً أو ينطوي على مخالفةٍ للشرع، وبالله التوفيق..
* بتصرف من موقع “إسلام ويب”.
[opic_orginalurl]