كانت كلمة الله التي سادت وتجلت في يوم عاشوراء رغم غياب كل أسباب النجاة المادية.. وحضور كل أسباب النجاة القلبية.. من ثقة ويقين وإيمان وتوكل كامل على الله تعالى وحسن ظن به وإخلاص كامل له…
(مقتطف من المقال)
نهال محمود مهدي*
يوم عاشوراء.. يومٌ خاص ومميز.. يومٌ يحمل بين طياته ذكرى تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.. وتحملنا معها لزمان سحيق.. حيث ساد جبروت فرعون مصر.. وبلغ طغيانه المدى.. وانطلق في الملاحقة الأخيرة لنبي الله موسى عليه السلام محاولا وأد تلك الدعوة الربانية المباركة…
في ذلك اليوم العظيم.. خرجت جحافل الطغيان تلاحق نبي الله موسى عليه السلام ومن آمن معه.. واجتاح الخوف قلوب المؤمنين الجدد وهم يحاولون الهرب فلا يجدون ملاذا آمنا يأويهم.. فالعدو خلفهم والبحر أمامهم.. ولا تبدوا في الأفق أي أسباب منطقية مقنعة للنجاة.
تُرى ما الذي دار في خلد موسى عليه السلام وقومه؟.. ما الذي توقعوه؟.. هل هي النهاية؟.. وأي نهاية هي إذا؟
نهاية ظلم الفرعون وجبروته.. نهاية وأد الأطفال واستحياء النساء.. أم نهاية دين جديد يحمل بين طياته كل معاني الرحمة والإنسانية المفقودة آنذاك.
لا شك أن نبي الله كان يعلم أن رب معجزاته قادر على نصرته.. لا شك أن قلبه كان موقنا ومطمئنا للنصر والغلبة.. وأن لسانه انطلق بالدعاء والرجاء لله.
لحظات سجلتها الذاكرة القرآنية بشيء من التفصيل في قوله تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ. فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ. فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ. إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ” (الشعراء: 52-68).
لحظات حاسمة كاشفة عن ناموس الله الكوني الأعظم.. هلاك الظالمين مهما طال بغيهم.. ونصرة أهل الحق الذين بذلوا كل ما يملكون في سبيل نصرة دينهم ومواجهة طغيان الجبابرة، واستعانوا على ذلك بما أتيح لهم من أسباب ممكنة.. إنها كلمة الله العليا.
كلمة الله التي سادت وتجلت في يوم عاشوراء رغم غياب كل أسباب النجاة المادية.. وحضور كل أسباب النجاة القلبية.. من ثقة ويقين وإيمان وتوكل كامل على الله تعالى وحسن ظن به وإخلاص كامل له.
كلمة الله الكائنة بين الكاف والنون.. فقد أمر الله البحر بتغيير خواصه وتحويل طبعه ومساره.. فانفلق البحر وبدت اليابسة من بين فرقين.. كان كل منهما ثابتا على سيولته كالجبل العظيم!.
قصة عاشوراء.. قصة كل مُبتلى!
يقول القرطبي في تفسيره: (فلما عظم البلاء على بني إسرائيل، ورأوا من الجيوش ما لا طاقة لهم بها، أمر الله تعالى موسى أن يضرب البحر بعصاه، وذلك أنه عز وجل أراد أن تكون الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل يفعله، وإلا فضرب العصا ليس بفارق للبحر، ولا معين على ذلك بذاته إلا بما اقترن به من قدرة الله تعالى واختراعه. فصار لموسى وأصحابه طريقا في البحر يبسا، فلما خرج أصحاب موسى وتكامل آخر أصحاب فرعون على ما تقدم في انصب عليهم وغرق فرعون.)
إنها قصة كاشفة لكل من كان له قلب.. قصة صالحة لأن تروى أبد الدهر.. وأن يتعظ بها كل مبتلى.. وكل صاحب هم.. وكل من ضاق صدره.. واشتد كربه.
للمؤمن دوما يوم نجاة.. إنه يوم التوكل الكامل والإخلاص المطلق لرب العباد.. والتسليم التام في إرادة الله النافذة.
*محررة الموقع
[ica_orginalurl]