تسنيم الريدي
طالب متميز بين صفوف المدرجات، يجري هنا وهناك، ما بين اللقاءات الدعوية والمعارض المقامة في ساحات الكليات، والقوافل الدعوية العامة أو الخاصة ببعض المناسبات الاجتماعية أو الإسلامية، وبين المسيرات الطلابية المتعلقة بالشئون السياسية في العالم العربي، وبين تصفية المشاكل بين هؤلاء الطلاب وبين الجهات الرسمية في الجامعة وغيرها من الأدوار والانشغالات التي يقوم بها الشاب المهتم بالعمل الدعوي في الجامعات
بين هذا كله كانت لنا وقفة بين هؤلاء الطلاب الدعاة، حيث برز الكثيرون منهم في صفوف الدعاة المتميزين لكنهم تركوا نقطة سوداء بسبب فشلهم الدراسي، فصار من بين هؤلاء الدعاة الراسب سنة دراسية كاملة أو أكثر، أو الراسب في بعض المواد، والأفضل منهم حالاً ناجح (بالرفع)…فوضعنا تساؤلاً هل تكون ممارسة الدعوة هي سبب الفشل الدراسي لمثل هؤلاء ؟؟
ضياع فقه الأولويات
يبدأ خباب -23 سنة- الحديث قائلا: “أعتقد أن سبب الإخفاق الدراسي لهؤلاء الطلاب يعود إلى عدم ترتيب أولوياتهم باعتبارهم طلاباً، فهو يعتبر نفسه داعية في وسط به سلبيات وهو الجامعة ومهمته الأولى هي الدعوة متناسياً دوره كطالب، وأرى أهمية وضع حد لهذه الظاهرة لأنها أصبحت واقع العديد من أبناء الحركات الإسلامية في الجامعات، بل وصفة شبه متلازمة في الوسط الطلابي الدعوي، كما إنني أرفض الرضوخ لمصطلح ” فشل الداعية الدراسي” وإنما اعتبرها ظاهرة عدم التفوق أو عدم بروز الشباب الداعية في صفوف الأوائل، وهنا فأرى أن هؤلاء الطلاب عليهم أن يهتموا بدراستهم أولاً قبل أن يكونوا دعاة مهمومين بأمر الإسلام، وذلك لأن هؤلاء الطلاب لا يدركون أن عدم تفوقهم بحد ذاته قد يؤثر سلباً على مسيرة الدعوة، لأن التفوق يساعد الدعاة على الانخراط مع الطلاب الآخرين بشكل أسهل ويجب أن يكون الأساس في الدعوة القدوة الحسنة لهؤلاء الطلاب وهي التفوق”.
ويضيف أسامة الطالب بكلية الهندسة قائلاً: “بفضل الله انضم لصفوف الدعاة بكليتي رغم أننا بأصعب قسم بها وهو قسم الاتصالات، وأحصل كل عام على تقدير متميز وذلك لأنني أنظم وقتي جيداً، فعندما أكون في محاضراتي لا أفكر سوى في دراستي، وعندما أنتهي من المحاضرات أخرج لأصدقائي وأعرف منهم ما يحتاجونه مني للدعوة، وعندما أعود للبيت تكون أول أولوياتي هي المذاكرة، وبالترتيب يكون هناك فائض من الوقت لإنهاء باقي متطلبات الدعوة، وبالتالي لا أجد أي عناء في الجمع بين الواجبين.
وأعتقد أن التفوق يأتي من إيمان الطالب بأهمية تخصصه ليفيد به الإسلام، والتخصص لا يفيد وحده بل يجب التفوق فيه وإثبات أن الملتزم له مكانه العلمي في المجتمع، فالإسلام لكي يعود لعصور الازدهار يحتاج لهذا المهندس المتميز وهذا الطبيب البارع وهذه المدرسة المتألقة وغير ذلك، فالفاشلون في تخصصاتهم للأسف يشوهون صورة الإسلام الجميلة وهذا ما يجب أن يكرهه الداعية.
الدعوة بريئة من الفشل
بغضب شديد تقول فاطمة -طالبة-: “الدعوة لم ولن تكون طريق الطالب للفشل، بل هي السبب الرئيسي للنجاح والتفوق، ويجب أن نعترف أن فشل هذا الداعية ليس بسبب الدعوة إنما بسبب هذا الداعية أي أسباب ترجع إليه لذاته، فقد يكون مهملاً أو غيره لكن الدعوة بريئة من فشله”.
ومن الجامعة الإسلامية في فلسطين يوضح أبو أنس قائلا: “في كليتنا أوائل الخمس دفعات معظمهم من طلاب الكتلة الإسلامية، لأننا نؤمن كثيراً بضرورة التفوق في كافة المجالات، لكن هذا ليس سائداً بين صفوف الملتزمين كلهم، فهناك بعضهم في الجامعة لدينا يقود حالياً حملة جديدة بعنوان ” أترك دراستك بالطب وتفرغ لمعهد الدعوة” وهذا للأسف يعطي صورة سيئة عن هؤلاء”.
أما محمود 21 عاماً الطالب في كلية التجارة فيقول: “في الحقيقة لقد صدمت كثيراً عندما رسبت في السنة الثانية من الكلية، وأعتقد أني أنا السبب في ذلك لأني تحملت فوق طاقتي من العمل الدعوي دون أن أوضح للمسئولين أن هذا ليس بمقدوري، حيث قاموا بتوظيفي للعمل الدعوي في إحدى الكليات المجاورة بجانب دعوتي في كليتي، فلم يكن لدي وقت للدراسة، ولم يأتي ببالي يوم أن أرسب، لكني الآن لا أتحمل أعباء دعوية إلا التي أستطيعها بجانب الدراسة ونجحت في باقي السنوات بفضل الله”.
فشل الإنسان.. هو فشل الدعوة
توجهنا لبعض طلاب الجامعات غير العاملين في مجال الدعوة لرصد آرائهم لهذه الظاهرة فيبدأ أسامة – الطالب بكلية الهندسة- حديثه قائلاً :” أؤمن أن مثل هؤلاء الطلبة هم فاشلون في حياتهم كلها وليس في دراستهم فقط، بل أظنهم فاشلين أيضاً فيما يقومون به ويعتقدون أنها دعوة، فهو فاقد لثقة أبويه بسبب هذا الفشل الدراسي، بل إن بعضهم لا يخبر والديه عن حقيقة رسوبه أحياناً ليفاجأ الأب أن ابنه تأخر في التخرج بعد أن كان يصرف عليه ويتعب لأجله، وهو لا يعبأ بذلك، ولا يحزن بسبب إخفاقه الدراسي، بل إن البعض يقوم بعمل الكثير من المشاكل ويكون سبباً في تعطيل بعض المحاضرات لأنه لا يوازن الأمور بشكل صحيح، بل لا يفهم أن الدعوة لا تأمره بأن يعطل دراسة زملاءه تحت أي مسمى، وأعتقد أن مثل هؤلاء يهربون من حقيقة فشلهم الدراسي ليرموا باللوم على أعباء الدعوة أنها السبب في الرسوب، بل يحاول الدخول في طريق الدعوة ليثبت فيها ذاته بعد أن فشل في إثباتها عبر التفوق الدراسي، وللأسف هذه الظاهرة أرست قاعدة لدى البعض أن الداعية يجب أن يكون فاشلاً في حياته العملية.
أما جودي فلها رأي آخر حيث تقول: ” قد يتساءل البعض لماذا نختص الدعاة بالذات بطلب التفوق رغم أنهم طلبة ككل الطلبة، بينهم المتفوقين وبينهم غير المتفوقين، لكني أرى إننا نرمي باللوم على الدعاة لأنهم يتحملون مسئولية كبيرة للتغير والإصلاح من أحوال من حوله، لذلك وجب عليه التميز في كل شيء بما فيها الدراسة. كما أن هناك فئة من الطلبة الملتزمين خاصة المتشددين منهم ينغلقون على أنفسهم وتكون الدعوة بينهم وبين بعض فقط، وقد تجدهم جميعاً فاشلين دراسياً، وهذا من أكبر الأخطاء لأن الناس تنفر منهم”.
أما إيمان فتعلق بحزن قائلة: ” في الحقيقة أتخوف كثيراً عندما أجد أخوتي وأصدقائهم بين الذي عاد سنة كاملة وبين الذي رسب في مادة أو أكثر أو الذي كان أفضلهم حالاً ونجح بالرفع، فأقرر أحياناً أن أتفرغ لدراستي عندما التحق بالجامعة، وأعاود الدعوة بعد الانتهاء من الدراسة، مع إنني أعلم أن هذا أيضاً ليس صحيحاً، لأني يجب ألا أتخلى عن دعوتي “.
أين المسئولون عن متابعة العمل الدعوي؟
واعتقاداً من البعض أن المسئولين قد يتحملون جزءاً من هذه الظاهرة اتجهنا بالحديث إلى (ي.ح) 26 عاماً – الحاصلة على ماجستير الفقه المقارن وإحدى مسئولات الكتلة الإسلامية الخاصة بالطالبات – بالجامعة الإسلامية في فلسطين والتي أنكرت ذلك موضحة: ” نحن نعمل ما بوسعنا لكي تكون الطالبة في الكتلة من أبرز المتفوقين لكي تكون لها مكانة بين الطالبات خلال ممارسة الدعوة، لكن أعتقد أن المشكلة تعود أحياناً للشباب والفتيات أنفسهم حيث يجب عليهم أن يقتنعوا جيداً أن التفوق في الدراسة، بل وحجز مقاعدهم بين صفوف الأوائل اعلم هو في حد ذاته دعوة إلى الله، لأن الداعية المتفوق هو الذي يستمع إليه الشباب ويلتفتون حوله ويثقون بآرائه ويقتنعون بها لأنه لمس الجوانب الحيوية لديهم وهي التفوق العلمي بجانب التميز الديني والدعوي.
فمن الرائع أن يحمل شباب الأمة هم الدعوة خاصة بين صفوف طلاب الجامعات، لكن مشكلة الطلاب للتوفيق بين دراستهم ودعوتهم من المشاكل المنتشرة في كل البلاد، حيث يفكر الشاب أو الفتاة كيف أوفق بين دراستي ودعوتي في آن واحد، وقد يجد البعض بأن الدراسة والمحاضرات تأخذ وقته كله، فلا يجد وقتاً للدعوة، فيعتقد خاطئاً أنه بين أمرين لا ثالث لمهما الأول هو إهمال الدعوة والآخر إهمال الدراسة.
وهنا فعلى الطالب الذي يجد صعوبة في التوفيق بين دراسته ودعوته أن يبذل كل ما بوسعه وأن يترك الأمر على الله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: “ولكن سدِّدوا وقارِبوا”، فعندما يراه الله جل وعلا أنه قد قدم كل ما يستطيع في سبيل التوفيق بين الأمرين فسيرى نتاجاً طيباً لدراسته بالنجاح والتألق، ونتاجاً طيباً لدعوته بالتأثير فيمن حوله بطرق شتى وذلك بعقد النية على إحراز النجاح في الدراسة والدعوة إليه سبحانه وتعالى، وتنظيم الوقت واستثماره للانتهاء من أمور الدراسة في أسرع وقت ممكن وبإتقان شديد وترك مساحة من الوقت للعمل والدعوة، مع ترتيب الأولويات بينهما”.
الدعوة بريئة من الفشل
ويضيف ( و.أ) 24 عاماً أحد قيادي العمل الطلابي بجامعة القاهرة قائلا: “ظاهرة الإخفاق الدراسي لدى بعض الطلاب قد كثرت في العصر الحديث، وخاصة في الأجيال الحديثة أما قبل ذلك فكنا نجد أن الأول على دفعته هو الأخ الداعية وهو رئيس الاتحاد وهو نفس الأخ الذى يبر والديه ويصل رحمه أما الآن فتجد الوضع متغير تماماً، وتكمن أسباب المشكلة في:
1- تغير عقول الطلبة إلى قناعات خاطئة ومنها استحالة الجمع بين التفوق والأمور أو الأنشطة الدعوية، وأن حضور المحاضرات من الأمور المعطلة في الأداء الدعوى لدرجة أن الأمر يصل أحيانا إلى ندر متداولة بين الطلبة فأحدهم يسأل آخر على نتيجته ويقول له نجحت ولا أخ؟ وآخر يفتخر بنجاحه قائلاً الحمد لله رسبت في مادة واحدة فقط.
2- غياب الدور الرقابي للأسرة معتمدين على حسن الصحبة الطيبة وذلك محتاج إلى توضيح فليس معنى أن الصحبة الخاصة بالأبناء صالحة فنهمل متابعة الأبناء والوقف على أحوالهم، فيفاجأ الآباء في آخر العام بالفشل الدراسي لأبنائهم، فيرجعون السبب إلى الصحبة والدعوة اللذين أشغلوهم عن دراسته.
3- نقص التوجيه الملقى على عاتق الدعاة الأكبر سناً والمسئولين، فلا يتم التعامل بحزم مع هذا الأمر.
وعن رؤيته لحل هذه المشكلة يضيف قائلاً: “تجدر الإشارة إلى أن الخروج من هذا الأمر لا بد التعامل معه على أكثر من محور؛ أولها تغير القناعات لدى هؤلاء الطلبة وتوعيتهم أنهم بذلك يهدمون أكثر مما يبنون؛ فسلوك فرد في ألف فرد خير من كلام ألف فرد في فرد، وأن الإسلام علمنا أن نكون من صناع هذه الحياة، وثانياً على جانب الأسرة فلا بد من بذل دور التوعية والمراقبة، وتوعية بأهمية التفوق ومراقبة لصعود منحنى لاستيعاب الدراسي.
أما الدعاة الأكبر والمسئولون عن العمل الطلابي فدورهم أكثر تأثيراً وذلك من خلال سرد النماذج العملية من الدعاة الأكبر سناً الذين تميزوا على الجانبين الدعوى والدراسي، وأيضا عمل لقاءات مع هؤلاء الدعاة لسرد تجربتهم في كيفية تنظيم أوقاتهم والجمع بين الأمرين دون الإضرار بجانب على حساب الآخر.
غياب فقه الألويات والموازنات
ويضيف الدكتور مسعود صبري -الباحث الشرعي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- قائلا: “الدعوة الصحيحة هي ترغيب الناس فيما أمر الله تعالى به أن يفعل، وترهيبهم لترك ما نهى عنه، والأخذ بأيديهم وإرشادهم لحسن العلاقة بينهم وبين ربهم، والسعي لتطبيق الإسلام شاملا في حياتهم وذلك في كافة جوانب الحياة.
وقد يهمل بعض الشباب دراستهم في سبيل الانشغال بأمور الدعوة وهذا يعد من المفاهيم الخاطئة عند الكثيرون ممن يعملون في حقل الدعوة، وهو سبب لغياب فقه الأولويات والمآلات و الموازنات، فالطالب في الكلية هو طالب في المقام الأول ثم تجيء الدعوة في مرتبة ثانية، وليس مرتبة أولى، فالدعوة فرض على الكفاية وقد تكون مندوبة، أما التحصيل والاجتهاد في الدراسة فهو من فروض الأعيان، بل هو في حد ذاته دعوة، وبعض الطلاب يظن أن هذا من التفاني في الدعوة، وأن الدراسة من أمور الدنيا التي يجب ألا تقدم على أمور الأخرة، وهي الدعوة، وهذا فهم سقيم يؤخر ولا يقدم، ويعيق ولا يصلح.
فمن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الطالب الداعية هو التفوق الدراسي حتى يكون قدوة لغيره، أما إن انشغل ببعض الأعمال وتحجج بأنها تأخذ كل وقته، فقد قطع أول حبل بينه وبين من يدعوهم إلى الله تعالى، فيسقطون في نظر الطلاب والأساتذة والإداريين، وهم في ذلك على حق، بل أرى أنهم قد ضلوا السبيل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فالعلم من أعلى الطاعات عند الله تعالى.
ولا شك أن الفشل الدراسي من أخطر المعوقات التي تمنع من ممارسة الدعوة إلى الله وانتشارها في صفوف الطلاب، بل الفشل دائما يمنع صاحبه أن يكون مثلا أعلى أو مقدما على غيره في أي شيء، وفطرة الإنسان تميل إلى من ينجح ويتفوق ويبدع، أما الفاشلون فلابد أن يكونوا في الصفوف المتأخرة.
مقومات الداعية المتألق
وعن مقومات الداعية الناجح يضيف قائلا: “يجب أن يكون حسن الصلة بالله تعالى، معلوما عند ملائكة الله بطاعة السر، والعبادة في الخلوة، وتقوى الله، ومن مقوماته أيضا: حسن صلته بزملائه وأساتذته، وأن يكون خلوقا مع كل الناس، هذا بالإضافة إلى التفوق الدراسي، مع بشاشة في الوجه، وخدمة لإخوانه، والحرص عليهم، والقرب منهم، وغيرها مما يجعله قدوة صالحة.
وليس حقيقيا أن الدراسة تعوق الدعوة؛ فالتنظيم وإدراك الطالب الداعية ماله وما عليه، والموازنة بين الأمور، والحزم في التعامل مع نفسه، وعدم جعل “الدعوة” شماعة للتخلف عن الحضور والتفوق الدراسي، فيجعل للمحاضرات أوقاتها، وللدعوة وقتها، كما أنه يمكن أن يجعل بعض الوقت البيني للدعوة، أو ببعض الوسائل التي لا تستهلك وقتا على حساب المحاضرات.
كما أنه ليس هناك تعارض مع التخطيط والتنظيم الجيدين، وإعطاء كل من الدراسة والدعوة حقها، فالتعارض موهوم، لكن ممكن أن يقدم الطالب أحيانا المحاضرات كأن يكون لها أهمية، أو أحيانا يقدم الدعوة إن كان يمكن استدراك المحاضرة، أو يمكن أن تنظم الأمور بين الطلاب الداعين حسب أولوية كل شخص، فيقدم الأهم على المهم، والأعمال الدعوية ليست فردية حتى يكون هناك تعارض.
وأخيراً فعلى كبار الدعاة أن يوجهوا الشباب لترتيب الأولويات، بحيث تبقى وظيفة الطالب الأولى في الجامعة أنه طالب جاء للدراسة؛ لأن لهذا تأثيرا على مستواه في العمل حين يخالط طبقات المجتمع، فليست الدعوة في الجامعة مقصودة لذاتها، فتوجيه الدعاة الكبار الطلاب الذين يعملون بالدعوة إلى فقه الأولويات هام جدا، حتى يكون هناك ضبط لحماسة الشباب التي ربما يخسرون معها كثيرا، والتي ربما تصل فيما بعد لحد خسران الدعوة نفسها؛ لأن أحدا لم يرشدهم للطريق الصحيح، أو انشغل بالعمل الدعوي من حيث الكم وليس الكيف.
الداعية قدوة
ويتفق معه الدكتور رمضان بديني الباحث التربوي قائلا: “الدعوة تعني تبليغ دين الله للناس وتحبيبهم فيه عن طريق الإقناع الذي يبدأ بالحب النابع من قلب المدعو، ولا يتحقق هذا الحب والاقتناع إلا إذا كان الداعية قدوة ونموذجا طيبا للمدعو في كل مناحي الحياة، وأولها التخصص المهني ومدى إتقانه وإعطائه حقه من الوسائل المعينة على إنجاحه. فالطالب الداعية يجب أن يكون متفوقا في دراسته حتى تنفتح له قلوب وعقول من يدعوهم.
وللأسف كانت هناك نظرة سيئة وخاطئة منتشرة بين بعض الطلاب الدعاة، وهي التقرب لله بالرسوب! وكانت هذه النظرة نابعة من أن الطالب إذا اجتهد في دراسته وتفوق فإن ذلك يعني أنه كان مقصرا في دعوته، وكان أجدر به أن يعطي وقت المذاكرة للدعوة!! وهذه النظرة السلبية ناتجة عن سوء فهم وإدراك لحقيقة الدعوة المبنية على الأسوة والقدوة الحسنة، وهذا الإدراك الخاطئ مبني على تصور آخر سلبي لحقيقة الدين الذي يسعى الداعية لتبليغه؛ فالدين في نظره هو القيام بالعبادات والفرائض فقط، وهذه النظرة تتعارض تعارضا صريحا مع قول الله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
فكل ما نقوم به من أعمال في هذه الحياة يجب أن يكون لله رب العالمين وما دام لله رب العالمين فهو داخل في إطار الدين الذي يجب أن ندعو الناس إليه. ومعنى ذلك أن التفوق الدراسي يكون عبادة لله تعالى إذا أخلص الطالب النية فيه، وأيضا يكون دعوة عملية لله تعالى، تفوق آلاف الخطب والمواعظ؛ فالطالب الداعية المتفوق نموذج عملي يجمع القلوب والعقول حوله.
التنفير من التدين
ومن أسباب إهمال بعض الطلاب دراستهم للأسف أن هناك بعض العاملين في الدعوة الجماعية المنظمة لا يولون التفوق اهتماما ويكون كل همهم هو تحقيق الوسائل والجداول الدعوية التي تريدها الجماعة.
ويضيف د. رمضان: نظرة الطلاب المدعوين للدعاة الفاشلين تكون نظرة سلبية ومنفرة من التدين والالتزام فالطالب الحريص على تفوقه وأولياء الأمور الحريصون على تفوق أبنائهم إذا رأوا في الالتزام سببا للتأخر الدراسي فإنهم يبتعدون ويفرون منه، وبهذا يكون الداعية سببا في تنفير الناس بدلا من تجميعهم…وبذلك يكون الفشل الدراسي سببا في تأخر الدعوة وفي انتكاس العمل الإسلامي.
ويجب على الطالب الداعية الناجح أن تكون لديه قناعة وثيقة في أنه يمكن أن يكون طالبا متفوقا في الوقت الذي يكون فيه داعية ناجحا؛ فالأمر سهل ويسير وممكن على من أخذ بالأسباب. فعليه أن يدرك أنه ليس هناك كبير فرق بين الدعوة والدراسة؛ فكلتاهما مكملة للأخرى؛ فهما متلازمتان وليستا ضرتين تحاول كل منهما إزاحة الأخرى؛ فكما أسلفنا فالتفوق في الدارسة هو أبلغ أساليب الدعوة.
كما يجب على الطالب الداعية الناجح أن يعرف كيف يستفيد من الأوقات البينية؛ فلا يوجد وقت لديه مهدور؛ فأثناء طريقه للصلاة يصطحب من يتوسم فيه الخير لدعوته، وأثناء طريقه لمعهده العلمي يحرص على دعوة من بجواره، وهكذا تكون حياته كلها دعوة لله تعالى.
ويقع على عاتق الدعاة المسئولين دور كبير في توعية الشباب هذا الأمر؛ فعليهم تضمين مناهجهم التربوية مشروعا مستقلا حول التفوق الدراسي، يركز على أهمية التفوق في طلب العلم باعتبار أمرا ربانيا، ودوره في إنجاح الدعوة ومقومات الطالب الداعية المتفوق… كذلك عليهم دور في متابعة الطلاب في اهتمامهم بدروسهم ومذاكرتهم بما لا يقل عن متابعتهم لهم في تحقيق الوسائل الدعوية المطلوبة… كذلك على المسئولين عن الطلاب الدعاة أن يراعوا متطلبات مرحلة الدراسة فيما يطلبون منهم من أنشطة دعوية –خاصة الأنشطة الإدارية والحركية-؛ بحيث تكون مناسبة لأوقات الطلاب.
سبل التوفيق بين الواجبين
وعن سبل إدارة الحياة والوقت بين الدراسة والعمل الدعوي توجهنا بهذه التساؤلات والمناقشات للدكتور محمد المحمدي -أستاذ علم الإدارة- بجامعة القاهرة، وأحد منسقي العمل الدعوي الطلابي والذي وضح قائلاً: “الدعوة لا تحرض على الفشل العلمي بل تشجع على الحرص على التفوق، فلا تجد طالب علم يطغى على وقت الدعوة فيصبح الطالب وقتها مجرد آلة تسجيل للدراسة، ولا يفيد المجتمع أو ينفعه بما يملك، بل يجب أن يسير هذا وذاك بالتوازي، وللأسف هنا نجد الكثيرين ممن يريدون أن ينجزوا كل شيء في الوقت نفسه، فيصبحون مشتتين بل كل شيء دون ترتيب الوقت والأولويات فنجدهم فشوا أما في الدراسة أما في الدعوة أو في الاثنين معاً!
فهنا على الطالب في بداية صبيحة كل يوم أن يقوم بتسجيل المهام التي يود إنجازها في هذا اليوم، ثم يقوم بترتيبها حسب الأوليات والوقت المتاح أو الذي له وقت محدد للتنفيذ كالمحاضرات أو اللقاءات الدعوية وغيرها، وهنا قد يجد الطالب نفسه محصوراً في الوقت بين واجبي الدراسة والدعوة إلا الله، وبالتالي هنا لا مفر من تقديم كل حسب قدراته للتوفيق بينهما وهذا ليس مستحيلاً خاصة مع ترك بعض العادات السيئة من كثرة النوم، أو قضاء وقت السمر واللهو من الأصدقاء، أو كثرة الثرثرة على الهاتف وقضاء الوقت على الإنترنت وأمام التلفاز حتى لو كان مباحاً، لكنه بذلك يستطيع الجميع بين الواجبين خاصة عندما يدرك أن المقصر في الدراسة سينظر إليه الطلاب نظرة دونية واستهزاء بسبب هذا التعثر الدراسي.
كما على الطالب أن يقدر أولوياته بشكل جيد، فمثلاً خلال فترة الامتحانات عليه أن يقلل من نشاطاته الدعوية وأن يعطي وقتاً أكبر للدراسة والمذاكرة، وقبل ذلك عليه أن يواظب على المحاضرات والتي يستطيع الطالب أن يحدد المهم منها بناء على نوعية الكلية التي يلتحق بها هل هي نظرية أم عملية، كذلك هل المحاضرة نسخة طبق الأصل مما هو موجود بالكتاب أم أن المحاضرة تفيد وتضيف على ما هو موجود بالكتب وتحظى بالتفاعلية، كذلك قد يأتي موعد إحدى المحاضرات والتي تتعارض مع أحد النشاطات الدعوية المهمة، لكن من الممكن حضورها مع مجموعة أخرى في وقت آخر، وغير ذلك من السبل التي قد يرتب بها الطالب أموره.
كما يجب على الطلاب مذاكرة موادهم الدراسية أولاً بأول، فنجد البعض لا يفتح الكتب إلا قبيل الامتحانات بأيام معدودة، فيصبح كالوعاء الذي يحاول حشوة بأكبر قدر ممكن من المعلومات، فيكون “على كف عفريت” إما أن ينجح أو لا، وإذا نجح يكون على الحافة، وبالتالي فالمذاكرة اليومية لما شرح في المحاضرات حتى ولو بشكل سريع يعين الطالب في الأيام الأخيرة قبل الامتحانات.
——-
المصدر: موقع المسلم (بتاريخ 19/7/1429 هـ).
[ica_orginalurl]