إعداد فريق تحرير موقع "المهتدون الجدد"
يواجه العالم كله منذ عدة أشهر تلك الجائحة –جائحة كورونا– التي ألقت بظلالها الثقيلة على كل مناحي الحياة؛ فغيرت معالمها وأثرت في كل مظاهرها؛ حتى وصلت إلى المساجد فتوقفت صلاة الجماعة والجمع في كثير من البلدان الإسلامية.
وإزاء هذا الوضع كان لا بد من الوقوف عدة وقفات مهمة؛ لتوضيح أن توقف صلاة الجماعات في المساجد لا يعني سقوطها مطلقا؛ بل لتكن هذه فرصة لجعل البيوت قبلة، ولإقامة الجماعة بالزوجة والأولاد.
فصلاة الجماعة تقام باثنين فأكثر؛ حيث بقول ابن قدامة في كتابه (المغني): “وتنعقد الجماعة باثنين فصاعدًا، لا نعلم فيه خلافا، وقد روى أبو موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “الاثنان فما فوقهما جماعة” (رواه ابن ماجه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمالك بن الحويرث وصاحبه: “إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما، وليؤمكما أكبركما” (أخرجه السبعة).
فضل صلاة الجماعة
لصلاة الجماعة فضل كبير؛ فقد حثّ عليها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في عدّة أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: “صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجةً” وفي رواية أخرى: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجةً».
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال “لو يعلم النّاس ما في النّداء والصّفّ الأوّل، ثمّ لم يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التّهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصّبح لأتوهما ولو حبواً”.
وعن عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: “من صلّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل، ومن صلّى الصّبح في جماعة فكأنّما صلّى اللّيل كلّه”.
ولأهمية صلاة الجماعة وفضلها يقول الفقهاء: الصّلاة في الجماعة معنى الدّين، وشعار الإسلام، ولو تركها أهل مصر قوتلوا، وأهل حارة جبروا عليها وأكرهوا.
حكم صلاة الجماعة
للعلماء إزاء حكم صلاة الجماعة ثلاثة آراء، هي:
الرأي الأول:
قال أحمد بن حنبل: إنها فرْض عَيْنٍ على كل قادر عليها، وذهب إلى ذلك عطاء والأوزاعي وأبو ثور، ومن أهل الحديث ابن خزيمة، وابن حبان، كما ذهب إليه الظاهرية الذين يَأخذون بظاهر النصوص.
وهؤلاء استدلوا بما يلي:
1 ـ حديث مسلم والنسائي وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أَتَى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى، فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يَقودني إلي المسجد، فسأله أن يُرخِّص له لِيُصلِّيَ في بيته، فرَخَّص له، فلما ولَّى الرجل دعاه، فقال: “هل تَسمَع النداء بالصلاة”؟ قال: نعم. قال: “فأَجِبْ” . وجاء مثل هذا في رواية أحمد وابن حبان والطبراني، وفيها أن الأعمى هو عبد الله بن أم مكتوم.
ووجه الاستدلال في هذا الحديث أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يُرَخِّص في تركها للأعمى -وله عذره- فكيف بالصحيح الذي لا عذر له؟
2- حديث مسلم وغيره عن أبي الشعثاء المحاربي قال: كُنّا قعودًا في المسجد فأذَّن المؤذن فقام رجل من المسجد يَمشي، فأتْبَعه أبو هريرة بصَرَه حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عَصَى أبا القاسم.
ووجه الاستدلال أنَّ تارك الصلاة مع الجماعة عاصٍ، وهذا يدل على وجوب الجماعة.
3 ـ حديث مسلم وغيره عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لقد هَمَمْتُ أنْ آمُرَ فِتْيَتِى فيَجمعوا لي حُزَمًا من الحطب، ثم آتِي قومًا يُصلُّون في بيوتهم ليست بهم علة فأُحَرِّقها عليهم”. فقيل ليزيد بن الأصمِّ: الجمعةَ عَنَى أو غيرها؟ قال: صُمَّتْ أذناي إن لم أكُن سمعت أبا هريرة يَأثره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر جمعة ولا غيرها.
ووجه الاستدلال أنَّ هَمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريق بيوت المتخلِّفين عن الجماعة يدل على معصيتهم وهذا يدل على وجوبها.
الرأي الثاني:
قال مالك وأبو حنيفة وكثير من الشافعية: إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة، ومما استدلوا به ما يأتي:
1 ـ حديث “إذا صلَّيْتُما في رحالكما ثم أتَيْتُما مسجدَ جماعةٍ فصَلِّيا معهم، فإنها لكما نافلة” رواه الخمسة عن يزيد بن الأسود إلا ابن ماجه.
ووجه الاستدلال أنه حَكَم على صلاة جماعة بأنها نافلة، ويلزمه أن الصلاة الأولى وقعت صحيحة وأجْزأتْ عن الفريضة.
2 ـ حديث “والذي يَنتظِر الصلاة حتى يُصلِّيَها مع الإمام في جماعة أعْظمُ أجرًا من الذي يُصلِّيها ثم ينام” رواه البخاري ومسلم. ووجه الاستدلال أن التفضيل في الأجر يدل على أن الصلاة مع غير الإمام لها أجر، ويَقتضي أن تكون صحيحة، غير أن أجر الجماعة أعظم، ذلك أن أفعل التفضيل يقتضي المشاركة وزيادة، كما هو معروف.
كما كان لأصحاب هذا الرأي ردود على أدلة أصحاب الرأي الأول القائلين بفرضيتها.
الرأي الثالث:
قال الشافعي في أحد قوليه وجمهور المتقدمين من أصحابه وكثير من المالكية والحنفية: إن صلاة الجماعة فرض كفاية، يجب على أهل كل محلة أن يقيموها، وإذا أقامها بعضه سقط الطلب عن الباقين، وكانت في حقهم سنةـ وذلك لإظهار شعيرة الإسلام بإجابة المؤذن وإقامة الصلاة.
وسند هذا القول ما ورد من الأحاديث المؤكدة لفضلها والمحذِّرة من تركها، ويوضحه أو يبين حكمته ما قاله ابن مسعود كما رواه مسلم “ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يُصلِّي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم”، وفي رواية أبي داود “لكفرتم”، والمراد بسنة النبي دينه وطريقته لا السنة بمعنى المندوب، فإن ترك المندوب لا يؤدي إلى الكفر والضلال.
فضل الصلاة بالمسجد
والأصل أن الصلاة جماعة تؤدى في المسجد الذي يجتمع فيه المسلمون فتتحقق معالم المجتمع المسلم الذي يجتمع على طاعة الله تعالى ويتفرق عليها.
والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة؛ وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، فلم يخطُ خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه.. يقولون: اللهم ارحمه.. اللهم اغفر له.. اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه” (رواه الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما).
ونقل ابن حجر في (فتح الباري ، شرح صحيح البخاري) عن ابن دقيق العيد أن قوله “في بيته وفي سوقه مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى، والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا، لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا. قال : وبهذا يرتفع الإشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق”.
صلاة الجماعة لأهل الأعذار
من روائع التشريع الإسلامي أنه يميل إلى التيسير لا التشديد، وإلى التخفيف لا الإثقال؛ فهو يرفع الحرج ويدفع المشقة، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78). ومن معالم رفع الحرج أنه خفف على ذوي الأعذار؛ بل وجعل لهم أجرهم كاملا، ومن ذلك تخلف عن صلاة الجماعة بعذر، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “المعذور يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ” لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً” (الشرح الممتع: 4/323).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا”.
وبناء على ما سبق فإن ما يمر بنا الآن من وباء يحول دون الصلاة في المساجد، لا يعني سقوط الجماعة مطلقا؛ بل يعني سقوط الذهاب للمسجد فقط، مع حفظ الأجر من الله تعالى لمن كان حريصا على الذهاب إليها قبل العذر.
صور إقامة الجماعات في البيت
ولذلك يجب أن تقام الصلاة جماعة في البيت بمن وجد من أهل (ويستثنى من هذا صلاة الجمعة؛ حيث إن الراجح هو أداؤها في المساجد فقط تحقيقا للمقصود منها)؛ بحيث يقوم رب البيت بإمامة أهل بيته سواء الزوجة أو الزوجة والأولاد.
وفي هذا السياق يجدر بنا أن نوضح الصور التي يجب أن يُصف فيها المأمومون خلف أو مع الإمام حسب أجناسهم وأنواعهم على النحو التالي (كما هو مبين في الصورة):
1- أن يكون الأب مع الابن: وفي هذه الحالة يقف الابن (المأموم) على يمين الأب (الإمام).
2- أن يكون الأب مع ابنيه أو أبنائه الذكور: وفي هذه الحالة يصطف الأبناء خلف أبيهم.
3- أن يكون الزوج مع الزوجة: وهنا تقف الزوجة خلف زوجها.
4- أن يكون الزوج مع الزوجة والابن: وفي هذه الحالة يقف الابن على يمين والده، والزوجة خلفهما.
5- أن يكون الأب مع زوجته وابنيه أو أبنائه الذكور: وفي هذه الحالة يقف الأب وخلفه الأبناء الذكور وخلفهم الأم.
6- أن يكون الأب مع ابنيه أو أبنائه الذكور والأم مع بنت أو أكثر: وفي هذه الحالة يقف الأب وخلفه الأولاد الذكور وخلفهم الأم وابنتها أو بناتها.
[opic_orginalurl]