كنت أتمنى ألا أكتب هذه الكلمات أبداً وأن أغلق هذه الصفحة السوداء من حياتي ولكن الحقيقة لا زالت تراوغني.. أكتب هذه الكلمات لا لكي أثبت لكم أني بطل أو خلافه، فقط لا أريد لأحد أن يقع في مثل الأخطاء الساذجة التي وقعت بها فيصل إلى الإلحاد…
اسمي محمد بدأت الحكاية منذ الطفولة وليس منذ سنة أو اثنتين، أولاً أبي أستاذ بكلية علمية بإحدى الجامعات العربية العريقة، وكان له تأثير كبير في حياتي، أبي من الأشخاص الذين يؤمنون أن العلم غير الدين، فهو يؤمن أن الدين أمر روحي والعلم أمر مادي لا يجب أن نخلط أو نقارن بينهما، مع احترامي لرأي أبي ولكنه غير صحيح.
عندما كنت أسأل أبي وأنا في سن الخامسة: “من خلق هذا الكون؟” يقول لي: الله، ولكن من خلق الله؟! يقول لي: لا تسأل حرام عليك، كنت دائماً في نفسي أقول: وكيف لا يأمرنا الله أن نتفكر فيمن خلقه!
كنت طفلاً ولم أبال بالأمر كثيراً وكان هناك شيخ يتردد على المنزل لكي يعلمني بعضاً من الفقه والتفسير والقرآن، ولكن هنا جاءت المشكلة الكبرى، هذا الشيخ كان رجلاً متعصباً جداً للأسف علمني ديني بشكل خاطئ تماماً.. استطاع أن يوصل لي أني إذا لم أُصلِّ سوف يعذبني الله عذاباً شديداً كان يعتمد وهو يشرح لي على أسلوب الترهيب وليس الترغيب.
واصلت حياتي في مكان أرفض جميع ما أتعلمه فيه ولكني كنت صغيراً لا أعلم أين الحقيقة، ما كان إلا أن أصدق ولا أفكر كثيراً.. فمرت السنون وأنا هكذا أسمع من شيخي وأحفظ وأنا لا أفهم شيئاً، ومرت السنون إلى أن جئت في سن 18 كانت سنة الثانوية العامة، فقررت أنه بعد هذه السنة سوف أدرس الفيزياء وأعلم حقاً ما إذا كان العلم ضد الدين أو لا، لأني كنت رأيت صفحة “العلم يكذّب الدين” وقرأت بها بعض المنشورات.
انتهت الثانوية العامة والتحقت بكلية الهندسة وأصبح الأمر سهلاً لأن هذه الكلية من أعلى الكليات في دولتي وهي تختص بهذا النوع من الدراسات ولكني لم أنتظر، ذهبت إلى سنتر في بمدينة قريبة لكي أتعلم علوم الكون وكان أول كتاب وقع بيدي هو كتاب “التصميم العظيم” لستيفن هوكينج قرأته وتوقفت عند بعض الأشياء الغريبة التي كانت صادمة بالنسبة لي ولكني وقتها كنت أشك أن هنالك إله أو رسول فجئت بكتاب “وهم الإله” لريتشارد دوكنز ودخلت على صفحات الملحدين لكي أعرف وجهة نظرهم، أيضاً كانت صدمة كبرى عندما شعرت أن ما تعلمته طوال عمري كان خطأ!
تفرغت لمهاجمة الإسلام!
ومن هنا بدأت أبتعد عن الله والصلاة وبدأت أتفرغ لمهاجمة الإسلام على بعض المواقع الإلكترونية باستخدام اسم غير حقيقي لي، حقيقة الأمر أني كنت أنقل هذه الأمور عن الإسلام دون أن أفكر بها أو أبحث عنها أو أسأل حتى رجل دين، أصبحت هكذا لمدة سنة ونصف تقريباً أعيش حياةً لا معنى لها سوى أني أسب وأهاجم ما تعلمته طوال عمري في الدين ولكن جاءت اللحظة الفارقة..
كنت أقرأ كتاب التصميم الكبير لستيفن هوكينغ مرة أخرى والغريب أن سبب إلحادي هو نفسه سبب اقتناعي بأن هناك إله.
وإليكم مثالاً مما في كتاب ستيفن، كان السبب الأول لإلحادي هي جملة في الكتاب يقول فيها ستيفن (إن الكون يستطيع أن يوجد نفسه من العدم بفعل قانون الجاذبية فذلك الكون نتيجة حتمية لقوانين الطبيعة)، في بداية الأمر صدقت هذا الكلام ولكن عندما قرأته بعد سنة ونصف وجدت أن الأمر مختلف تماماً، أنا لست جاهلاً كي آخذ كلام ستيفن دون تفكير.
ستيفن يقول إن الكون نتيجة حتمية لقوانين الطبيعة وهو قانون الجاذبية لنيوتن، ولكن قبل نشأة الكون كان هناك ما يمثل قانون الجاذبية من المادة والطاقة، فلو لم يكن هناك أي ما يمثل القانون أو الحدث الذي يتمثل به القانون ما كان سيكون هناك قانون أصلاً، الفيزياء هو علم دراسة الطبيعة وطالما وجد قانون فيزيائي وجدت المادة والطاقة، وقتها كدت أن أشعر بالجنون ولكن لم أبالِ بالأمر إلى أن قرأت كتاب وهم الإله ثانيةً، ووجدته يتحدث عن التطور ولكنه بعيد كل البعد عن أصل الحياة وكان هنا السؤال الثاني من أين جاء أصل الحياة؟ لا إجابة عند ريتشارد أو ستيفن..
ومن هنا جاءت فكرة الربوبية ولكني لم أمكث طويلاً؛ فالقوة الخارقة التي خلقت هذا الكون الفسيح يجب أن تكون عادلة وترسل إلى مخلوقاتها رسلاً يرشدونهم إلى الهدى والحق، ومن هنا بدأ بحثي في الأديان عن طريق المواقع والكتب ودرست بعض الأمور في المقارنة بين الإسلام والمسيحية إلى أن وصلت إلى نقطة الصفر وهي الإسلام.
ولكن هناك بعض الأسئلة التي بداخلي التي أريد معرفة إجابتها قبل أن أشهد أن لا إله إلا الله وهي حد الردة والأخطاء التي كنت أزعم أنها في القرآن…..إلخ.
ولكن وجدت إجابة لهذه الأسئلة كلها مع الدكتور (……) و بعض الشيوخ المعتدلين في المسجد القريب من بيتي، وهنا قررت أن أعود إلى رشدي وحياتي، وكما أن الفيزياء كانت سبباً في تحولي نحو الإلحاد.. كانت أيضا سبباً في عودتي للإسلام.
كنت أعجب ممن ترك الإلحاد وعاد إلى الإسلام ولكن الحقيقة هي أنهم كانوا على حق، فالملحدون ما هم إلا بشر يريدون أن يقنعوا غيرهم بفكرة هم أنفسهم يهربون من الاقتناع بها ويريدون أن يقنعوا أنفسهم بأن يقنعوا غيرهم من البشر الساذجين.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
إخوتي وأخواتي أرجو ألا يقع أحدكم في هذه الأخطاء لأن الحقيقة واضحة كالشمس لمن يبحث ويريد أن يعرفها، تحياتي لكم جميعا.
___________________________________________
المصدر: بتصرف كبير عن كتاب/ العائدون إلى الفطرة، مركز دلائل، الطبعة الأولى، 2016
[ica_orginalurl]