إبتسام فوزي
يسعى المسلمون في ألمانيا لإحياء أجواء رمضان التي اعتادوا عليها في أوطانهم من خلال مشروبات خاصة أو أغان قديمة. وفي بعض الزيجات المختلطة يقرر شريك الحياة غير المسلم الصوم احتراما للطرف الآخر.
تقتصر المظاهر المتواضعة لشهر رمضان في الدول الغربية على أماكن تجمعات أو متاجر الجاليات العربية أو المسلمة بشكل عام. وفي ألمانيا التي يشكل الأتراك غالبية المهاجرين، تظهر الأجواء الرمضانية بشكل واضح في المتاجر التركية والعربية التي تجلب أنواع الحلوى والمشروبات الرمضانية من الوطن الأم. إلا أن مظاهر الحياة بشكل عام في تلك المدن لا يطرأ عليها أي تغير ملحوظ في رمضان.
وعلى العكس من بعض الدول العربية فمواعيد وساعات العمل في المؤسسات المختلفة لا تتغير خلال أيام رمضان، الأمر الذي يشكل تحديا للموظفين المسلمين يضاف لتحدي طول عدد ساعات الصوم هذا العام. وينطبق ذلك على الطلبة الذين صادفت آخر أيام امتحانات بعضهم هذا العام بداية شهر الصيام.
في الوقت نفسه تحاول العديد من الجهات وفي مقدمتها الروابط الإسلامية والمساجد الاستفادة من شهر رمضان في التقريب بين الألمان والمسلمين الذين يعيشون في ألمانيا والذين يقدر عددهم بحوالي 4 ملايين شخص، ويتم ذلك عادة من خلال تنظيم موائد إفطار رمضانية مشتركة تجمع المسلمين وغير المسلمين.
يحرص الكثير من المسلمين الذين يعيشون في الخارج على قضاء شهر رمضان وأيام العيد مع عائلاتهم في الوطن الأم تماما كما يحدث مع الكثير من الأسر الغربية التي يحرص أبناؤها على العودة للوطن خلال احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة.
الصيام تضامنا مع شريك الحياة
ويوفر الإنترنت والأقمار الصناعية فرصة جيدة لـ “محاكاة” أجواء رمضان في الوطن الأم لمن تمنعهم الظروف من قضاء هذا الشهر في الوطن الأم، كما تفعل طالبة الدكتوراه المصرية سالي التي تقول: “أفتقد كثيرا فانوس رمضان ومدفع الإفطار وقرآن المغرب الذي كبرت معه، لكنني محظوظة لأني وجدت كل هذا على اليوتيوب مما يعطيني بعض الشعور بالطقوس الرمضانية”.
بدأت الأسكتلندية ناعومي كونراد شهر رمضان هذا العام بصوم من نوع خاص تمتنع فيه عن تناول القهوة تماما. وتقول الشابة المنحدرة من أب أسكتلندي وأم ألمانية: “لي العديد من الأصدقاء المسلمين لذلك قررت أن أشاركهم صيام رمضان. فكرت العام الماضي في الصيام عن الطعام والشراب لكني وجدت الأمر صعبا فقررت أن أبدأ بالتوقف عن شرب القهوة تماما طوال شهر رمضان”.
وأعجبت ناعومي التي سبق أن عملت لعدة أشهر في لبنان، بفكرة تنمية المقدرة عند الإنسان على التخلي عن الأشياء التي يعتاد عليها وتقول: “تعجبني فكرة ترويض النفس والامتناع عن الأشياء التي يعتاد عليها الإنسان، لذلك قررت الامتناع عن القهوة التي أميل لتناولها كثيرا في الأيام العادية”.
ولم تكن تجربة صيام ناعومي سهلة تماما، إذ تقول: “كان الأمر صعبا في البداية حيث أصبت بالصداع خلال الأسبوع الأول لأني معتادة على تناول القهوة، لكني اعتدت الأمر بعد ذلك وكان أول فنجان قهوة شربته خلال أول أيام عيد الفطر”.
وعندما تكشف ناعومي عن هذا النوع من “الصيام” فإن ردود الفعل تكون مختلفة، فأصدقاؤها المسلمون يرحبون بتضامنها معهم ورغبتها في إظهار احترامها لعقيدتهم؛ في حين يشعر غير المسلمين بالدهشة أحيانا.
وتقول الشابة التي تعيش حاليا في ألمانيا: “خططت هذا العام للصوم عن الشيكولاتة أيضا بجانب القهوة.. من يدري ربما أتمكن العام المقبل من الصوم الكامل مثل المسلمين”.
الامتحانات والصوم
أما الأسبانية مونتيسا بورفيس فقررت الامتناع عن الطعام والشراب تماما من طلوع الشمس وحتى غروبها احتراما لمشاعر زوجها المغربي رغم أنها لم تعتنق الإسلام. وتقول بورفيس المتزوجة منذ ثلاثة أعوام: “مشكلتي الكبرى كانت في التخلي عن الماء، لكنني صممت على فعل ذلك إظهارا للاحترام لعقيدة زوجي وأيضا لأننا اعتدنا أن نتشارك في كل شيء”.
لا يجد المسلمون الذين يعيشون في ألمانيا منذ فترة طويلة مشكلة كبيرة في التوفيق بين الصيام وأداء مهام الحياة. ومن هؤلاء الطالبة الليبية إيناس الشرع التي تدرس إدارة الأعمال وتعيش في ألمانيا منذ ما يقرب من خمسة أعوام. وتصادف أن تزامنت بداية رمضان هذا العام مع فترة امتحاناتها الجامعية.
وعن هذا الأمر تقول: “تصادف توقيت امتحاناتي الجامعية مع بداية شهر رمضان هذا العام. بالطبع لم يكن الأمر سهلا، لكني تأقلمت مع الوضع سريعا إذ كنت أؤجل المذاكرة إلى ما بعد الافطار حتى الفجر”.
وحول افتقادها الأجواء الرمضانية تقول إيناس: “اعتدت على الأمر فقد انتقلت إلى ألمانيا للدراسة منذ فترة طويلة وهذا ليس أول رمضان لي هنا. لحسن الحظ لي الكثير من الصديقات المسلمات ونتجمع سويا ونحاول إحياء روح شهر الصيام”.
قواعد غير مكتوبة في الشركات الكبرى
لا تضع المؤسسات والشركات الألمانية قواعد خاصة للعاملين فيها خلال شهر رمضان، لكن هذا لا يمنع إمكانية وجود تنسيق داخلي لتسهيل الأمور على الصائمين.
وتقول كونستانسا فيولا المتحدثة باسم شركة دايملر للسيارات في تصريحات لـ DW: ” لا توجد قواعد خاصة للعاملين الصائمين لكن يمكن التنسيق داخل كل فريق عمل”.
ويعمل لدى “دايملر” أشخاص ينحدرون من 140 دولة، لذلك من الممكن تغيير مواعيد فترات الراحة خلال ورديات العمل المسائية لتتوافق مع موعد الإفطار. كما أن بعض الشركات التي يعمل فيها أشخاص من دول مختلفة تعطي الأولوية في طلب الإجازات خلال شهر رمضان والأعياد الإسلامية للعاملين المسلمين، كما تكون الأولوية لطلب الإجازات خلال احتفالات أعياد الميلاد للعاملين المسيحيين.
_______
المصدر: مركز dw الإعلامي.
[ica_orginalurl]