د. رمضان فوزي بديني (خاص بموقع مهارات الدعوة)
لقد خلق الله تعالى الإنسان من نفخة روح وقبضة طين؛ ولذلك فإنه كما يحتاج إلى الطعام والشراب والنكاح لتلبية احتياجاته الحسية فإنه لا ينفك عن السعي لتلبية احتياجاته المعنوية، التي لا تجد إشباع جوعها ولا ري عطشها إلا على مائدة الدين، ولذلك جاءت رحلة الإنسان عبر التاريخ مصحوبة بمحاولات حثيثة لتحصيل هذه الطمأنينة والراحة الفطرية من خلال البحث عن عقيدة سواء كانت سماوية مما أوحاه الله للرسل أم كانت أرضية مادية من صنع الإنسان كالفلسفات والمذاهب الإلحادية؛ كالماركسية وغيرها من المذاهب التي أثبتت فشلها في مواجهة شريعة الله في الأرض.
وحول الحاجة الفطرية للدين يقول المؤرخ البريطاني “آرنولد توينبى”: “الدين إحدى الملكات الضرورية الطبيعية البشرية، وحسبنا القول بأن افتقار المرء للدين يدفعه إلى حالة من اليأس الروحي، تضطره إلى التماس العزاء الديني على موائد لا تملك منه شيئا”. ويقول المؤرخ الإغريقي “بلوتارك” حول المعنى نفسه: “قد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد مطلقا مدن بلا معابد”.
ويؤكد على المعنى نفسه المفكر المصري محمد فريد وجدي؛ حيث يقول: “يستحيل أن تتلاشى فكرة التدين، لأنها أرقى ميول النفس وأكرم عواطفها، ناهيك بميل يرفع رأس الإنسان، بل إن هذا الميل سيزداد، ففطرة التدين ستلاحق الإنسان مادام ذا عقل يعقل به الجمال والقبح، وستزداد فيه هذه الفطرة على نسبة علو مداركه ونمو معارفه” (دائرة معارف (القرن العشرون) – مادة [دين]: 4/111).
وحول فلسفة الإيمان والتدين في تحقيق الاطمئنان للنفس، يتساءل “ديل كارنيجي” في كتابه “دع القلق وابدأ الحياة”: “ترى لماذا يجلب الإيمان بالله والاعتماد عليه سبحانه وتعالى الأمان والسلام والاطمئنان؟” (دع القلق وابدأ الحياة: 232)، ثم يستجلب الإجابة من فيلسوف الحرية –كما يطلق عليه- أحد رواد علم النفس الحديث قائلا: “سأدع وليم جيمس يجيب على هذا السؤال: إن أمواج المحيط المصطحبة المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله حقا.. عصي على القلق محتفظ أبدا باتزانه مستعد دائما لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف” (دع القلق وابدأ الحياة: 232).
ما سبق يؤكد على الحاجة الفطرية والروحية للدين والعقيدة بصورة عامة، لكن الله تعالى الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلح دنياه وآخرته أنزل له من السماء رسالة الإسلام التي أثبتت كل التجارب على مدار التاريخ أنه لم يسد فراغ تنحيتها أي عقيدة أو مذهب آخر؛ ذلك أنها رسالة رب العالمين التي جاء بها كل الرسل والأنبياء من لدن آدم عليه السلام حتى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
خير العقائد والشرائع
فكم جُربت عقائد وديانات مزعومة، وكم حكمت في الأرض دساتير وشرائع موضوعة لكن لم يعش العالم في أمن وأمان كما عاشه في ظلال شريعة الإسلام الخالدة التي أخذ الله عز وجل على بني آدم عهودهم بالإيمان به وهم في عالم الذر كما أخبر سبحانه وتعالى بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (الأعراف: 172، 173).
وفطرة الإنسان ناطقة وخاضعة لهذه العقيدة السليمة، حتى لو كان صاحبها مكابرا ومعاندا فإنه في وقت الأزمة لا يجد إلا الله تعالى معينا ومغيثا وملاذا وملجأ يهرع إليه كما أخبر عز وجل بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت: 65)، وقوله عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (يونس: 12).
أما أصحاب الفطرة السليمة القويمة فإنها لا تطمئن ولا تركن إلا بذكر الله عز وجل كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
فالإسلام هو فطرة الله التي فطر الناس عليها كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}” (صحيح البخاري، تفسير القرآن، لا تبديل لخلق الله).
ولذلك فإن تطبيق الشريعة الإسلامية وفتح كل القنوات أمام سريان مياهها بكل سهولة ويسر وتذليل العقبات أمامها يعد ضمانة هامة لتحقيق التوازن الروحي والإشباع النفسي لأفراد المجتمع جميعا؛ بحيث يكونون في حالة سلم مع الله ومع النفس ومن ثم مع المجتمع والناس.
[ica_orginalurl]