في سبيل حماية شبابنا في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية يتبنى كتابٌ كُثر رؤى مختلفة وحلولا متنوعة من بينها مقالنا التالي الذي يقدم عددا من عناصر الحماية و الوقاية من الإلحاد…[1]
محمد عطية
تجتاح العالم – شرقيه وغربيه – موجات من الإلحاد ليست عنا ببعيد، وإذا كان البعض يستبعد إلحاد من نشأ بين المسلمين؛ فإن عصر السماوات المفتوحة جعل الأفكار – عظيمها وحقيرها- تقتحم على الناس عالمهم الخاص.
ولماذا يغيب عنا أن الإيمان يزيد وينقص؟، ينقص حتى يقترب من التلاشي، وأن بعض الناس آمن كما آمن من حوله دون أدنى معرفة بالحق سبحانه بل قلما استمع إلى ما يتعلق بالإرشاد الديني، حتى في ظلال الإسلام وتوافر العلم النافع والعلماء الربانيين، وُجد من يصف الذات الإلهية ببعض صفات النقص.
سُبلُ الوقاية من الإلحاد
قبل أن نتعرض لبعض ما ينبغي عمله تجاه شبابنا حتى لا يقعوا في براثن الإلحاد، تجدر الإشارة إلى أن جزءا من الوقاية من الإلحاد، هو محاولة إعادة من ألحد إلى الإيمان؛ ذلك أن هؤلاء يبثون أفكارهم ومن واجبنا أن نبين لهم الحق، عملا بالأمانة التي افترضها الله علينا، فمن وفقه الله وهداه فحمدا لله الذي أنقذه من النار.. و بذلك نكون قد قلصنا عدد الملحدين ومن ثم تأثيرهم.. وهذه خطوة مهمة في سبيل الوقاية.. أما بقية الخطوات فتتمثل فيما يلي:
- ينبغي النظر إلى الشباب الحائر نظرة من يحملون أفكارا تؤرقهم، ومن ثَم فهم يحتاجون إلى من يناقشهم لا لمن يتهمهم بالكفر والإلحاد لأنه لا يبالي بهذه الاتهامات بل يعتبر من يوجهها له يحجر على الحريات. وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتعامل مع من ارتكب كبيرة بمنتهى الشفقة لدرجة أنه بدا الأسى عليه – صلى الله عليه وسلم – عند تطبيق حد السرقة لأول مرة حتى قال الصحابة: (يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ ؟ قَالَ: ”وَمَا يَمْنَعُنِي، لَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ) صحيح البخاري.
كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قطع يد السارق لتسببه – بسرقته – في قطع يده وكان من الممكن أن تقدِّم هذه اليد الخير لنفسها وللناس، هذا الشعور النبيل ينبغي أن يغمرنا عندما نرى ملحدا أو من يسير نحو الإلحاد، وينبغي أن نضع نصب أعيننا ونحن نتعامل مع المخطئين “لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم” لا تساعدوا الشيطان في إضلالهم، مدوا أيديكم وقدموا كل ما يمكنكم من معونة ليتبين الرشد من الغي.
- ينبغي أن نتلقى كل سؤال يتعلق بذات الله تعالى وصفاته بكل اهتمام، فربما كان شكًّا يعتري ذهن السائل أو شبهة ألقيت عليه.. لو لم يجد لها ردا توغلت في عقله وجذبت ما يشابهها من أفكار وإن لم تكن الإجابة حاضرة عند من يُسأل فليبحث ولا يتحامل على السائل.
وتأسيا بالمنهج القرآني الذي أجاب عما يجول في الخواطر من أفكار مقلقة بأبلغ رد من مثل قوله تعالى “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى” (البقرة: 260)، ينبغي ألا يخشى القائمون على التربية من مناقشة هذه المسائل مع الشباب.
- إتاحة الفرصة للشاب أن يُبدِي كل ما عنده اقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – عندما حاول عُتبة بن ربيعة تقديم عروض مغرية للنبي – صلى الله عليه وسلم – لكي يترك دعوة الإسلام، ومع أن الرجل منذ اللحظة الأولى تكلم بكلام لا يمكن للنبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقبله، إلا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تركه حتى فرغ ثم سأله أفرغت يا أبا الوليد (عتبة بن ربيعة)؟ قال نعم، ثم تلا آيات بينات بدى تأثيرها على عتبة، و صاحَبَه ذلك التأثير إلى أن عاد إلى قومه حتى قال أحدهم: (لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به) نفذت كلمات الله إلى قلبه بعد أن أبدى كل ما عنده وصار قلبه محلا لقبول ما يلقى عليه أو التفكير فيه لنعطي الفرصة كاملة لكل من يؤرقه الشك لكي يبدي كل ما في نفسه وليكن شعارنا: ” أفرغت يا أبا الوليد؟”.
- ينبغي أن نقتدي بالقرآن الكريم وهو يتحدث عن الألوهية.. فتجده خاطب المنكرين خطابا ينفذ إلى أعماق القلب و العقل قال سبحانه “قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” (الأحقاف:4)، يا له من خطاب يملك على الإنسان أقطار نفسه ويقودها إلى الحق! وبمثل هذه الطريقة القرآنية التي تخاطب الإنسان وتجعل منه قاضيا على نفسه وشريكا في البحث عن الحقيقة، يبدو نور الحق لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
حوار يقبل فيه المحاور المسلم أن تتعدد جولاته، وأن يقوم محاوره وهو مستعد – على أقل تقدير – للتفكير فيما دار بينهما وإعادة النظر في موقفه.
- ينبغي أن تكون المناهج الدراسية باعثة على الإيمان واليقين لا مجرد معلومات تدرس ثم تنسى، ويبقى الدور الأهم للمعلم المؤمن برسالته والذي يستكمل النقص – إن وجد- في المنهج. كما ينبغي تدريس العقائد بشكل يتناسق فيه الفكر مع العاطفة، وأرى أن المطلوب هو صياغة علم العقائد صياغة يتعلق فيها القلب بالله سبحانه وتعالى تعلقا ينجيه من المهالك ويشعره بمحبة الله سبحانه لخلقه وذلك اقتداء بطريقة القرآن الكريم ولنأخذ مثلا قوله تعالى: “اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (غافر:64).
- تعاون المناهج الدراسية على إبراز قدرة الله وعظمته في الكون، من دقة وتناسق وتعاون بين المخلوقات على إتمام رسالتها وربط ذلك بآية كريمة كقوله تعالى: “…مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ…” (الملك:3).
- تحصين الشباب مما يمكن أن يعرض لهم في المستقبل من أفكار قد تثير شكوكا عند البعض، وكيفية مواجهتها، فعندما أمر الله تعالى نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يحول قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة أخبر نبيه أن السفهاء سيتساءلون في المستقبل ما الذي جعل المسلمين يحولون قبلتهم؟ ولقن الله تعالى المسلمين الجواب: “...قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ“(البقرة:142) وفي هذا درس لنا؛ فالشبهات التي يثيرها الملحدون في معظمها قديمة، وأقصى ما يمكنهم هو صياغتها صياغة جديدة تزيد اللبس، والتحصين يقتضي أن يجمع المختصون هذه الشبهات ويجيبوا عنها بعبارة واضحة وبشكل جماعي وموسوعي، مفندين للشبهات مع مراعاة الطبيعة النفسية والعقلية للفئة المستهدفة، وأن ينشر ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة.
- تعريف الناشئة بما يعود عليهم من نفع عندما يؤمنون بإله يملك الكون ويرعى عباده المؤمنين ويكافئهم على أعمالهم بحياة طيبة، ومدى التناسق بين المؤمن والكون فكلاهما يسبح بحمد ربه.
ما سبق من أفكار ينبغي على كل من يرى أن الإيمان إذا ضاع فلا أمان، أن يبادر إلى بذل ما يمكنه من جهد في سبيل الوقاية من الإلحاد وإعادة الإنسان إلى فطرته التي فُطر عليها.
الهامش:
إضافة المحررة
_______________________________________________
المصدر: بتصرف يسير عن شبكة إسلام أون لاين.نت http://islamonline.net/
[ica_orginalurl]