النظارة على الوقف
فإن الله -سبحانه وتعالى- قد أنزل شريعته الغراء لتكون منهج حياة للناس جميعًا، وتنظم علاقة الفرد بربه وأخيه الإنسان وأسرته ومجتمعه.
فهي شريعة كاملة متكاملة، كاملة من حيث إن مبادئها وأسسها استوعبت كل هذه العلاقات ولم تهمل منها شيئًا قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
ومتكاملة من حيث إن كل علاقة مرتبطة بالأخرى، ولا تستقيم إحداها بغير الأخرى، فلا يكون المسلم مسلمًا حقًّا إلا إذا أخذ بها جميعًا.
وقد اقتضى كمال الشريعة أن تأتي بالعبادات التي تنظم علاقة الفرد بربه، وبالمعاملات والآداب الشرعية التي تنظم علاقته بأخيه الإنسان، وبأحكام الأحوال الشخصية التي تنظم علاقته بأسرته، وبالأحكام السلطانية التي تنظم علاقته بالجماعة وولي الأمر.
وقد اختص علم الفقه بدراسة هذه العلاقات وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بها، وأصبحت هذه العلاقات مقاسم رئيسة في الدراسات الفقهية، فقد دأب الفقهاء أثناء تصنيفهم لكتب الفقه على البدء بالعبادات ثم بالمعاملات ثم بالأحوال الشخصية، وبعضهم يعكس فيأتي بالأحوال الشخصية ثم المعاملات.
وقد انفردت المعاملات بقلة النصوص الشرعية الواردة فيها؛ لذلك لجأ الفقهاء إلى أدلة أخرى لتكون سندًا للحكم الشرعي. ولعل الشارع الحكيم قصد من ذلك أن تُبنى أحكام المعاملات على مصلحة العباد والعرف بما لا يخالف مبادئ الشريعة العامة وقواعدها.
وقد اهتم فقهاؤها ببيان أحكام المعاملات بقدر اهتمامهم ببيان أحكام العبادات والأحوال الشخصية والأحكام السلطانية، بل أصبحت المعاملات مجالًا للدليل العقلي أكثر من غيرها.
ونظرًا لاختلاف موضوع المعاملات قسمها الفقهاء إلى مجاميع مختلفة كالمعاوضة والتبرعات والشركات وغيرها، ولكل مجموعة من هذه المجاميع خصائصها وأحكامها. والوقف وإن كان يدخل ضمن عقود التبرعات إلا أنه ينفرد عنها بخاصية الديمومة، فهو تبرع دائم وصدقة جارية غير مقطوعة، واقتضت هذه الخصوصية أن تكون هناك ولاية عليه تصونه من العبث والضياع وتديره بصورة تجعله يحافظ على خصوصيته، وهذه الولاية
يسميها الفقهاء النظارة على الوقف
المصدر: الأمانة العامة للأوقاف
[ica_orginalurl]