تعرفنا في الجزء الأول على بعض أنواع النجاسات وهنا نكمل تلك الأنواع:
7 – الودي:
وهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول وهو نجس من غير خلاف.
قالت عائشة (رضي الله عنها): “وأما الودي فإنه يكون بعد البول فيغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ولا يغتسل”. (رواه ابن المنذر)
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: “المني والودي والمذي، أما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي فيهما إسباغ الطهور”. (رواه الأثرم والبيهقي ولفظه: وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك في الصلاة)
8- المذي:
وهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو عند الملاعبة، وقد لا يشعر الانسان بخروجه، ويكون من الرجل والمرأة إلا أنه من المرأة أكثر، وهو نجس باتفاق العلماء، إلا أنه إذا أصاب البدن وجب غسله وإذا أصاب الثوب اكتفي فيه بالرش بالماء، لأن هذه نجاسة يشق الاحتراز عنها، لكثرة ما يصيب ثياب الشاب الأعزب، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام.
وعن علي (رضي الله عنه) قال: “كنت رجلًا مذاء، فأمرت رجلا أن يسأل النبي (صلى الله عليه وسلم)، لمكان ابنته فسأل، فقال: توضأ واغسل ذكرك” (رواه البخاري وغيره).
وعن سهل بن حنيف (رضي الله عنه) قال: “كنت ألقى من المذي شدة وعناءً، وكنت أكثر الاغتسال منه، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء فقلت يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث أنه قد أصاب منه”. (رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي الحديث محمد بن إسحاق، وهو ضعيف إذا عنعن، لكونه مدلسًا، لكنه هنا صرح بالتحديث)
ورواه الأثرم (رضي الله عنه) بلفظ: “كنت ألقى من المذي عناء فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك. فقال: يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه.
9- المني:
ذهب بعض العلماء إلى القول بنجاسته والظاهر أنه طاهر، ولكن يستحب غسله إذا كان رطبًا، وفركه إن كان يابسًا.
قالت عائشة (رضي الله عنها): “كنت أفرك المني من ثوب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا كان يابسًا وأغسله إذا كان رطبا. (رواه الدارقطني وأبو عوانة والبزار)
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: “سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن المني يصيب الثوب؟ فقال: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة”. (رواه الدارقطني والبيهقي والطحاوي، والحديث قد اختلف في رفعه ووقفه).
10- بول وروث ما لا يؤكل لحمه:
وهما نجسان، لحديث ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: “أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا رجس”. (رواه البخاري وابن ماجه وابن خزيمة، وزاد في رواية: إنها ركس إنها روثة حمار) ويعفى عن اليسير منه، لمشقة الاحتراز عنه)
قال الوليد بن مسلم: قلت للأوزاعي: “فأبوال الدواب مما لا يؤكل لحمه كالبغل، والحمار والفرس؟ فقال: قد كانوا يبتلون بذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد أو ثوب”.
وأما بول وروث ما يؤكل لحمه، فقد ذهب إلى القول بطهارته مالك وأحمد وجماعة من الشافعية.
قال ابن تيمية: “لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته، بل القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة. انتهى”.
قال أنس (رضي الله عنه): “قدم أناس من عكل أو عريته فاجتووا المدينة فأمرهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها”. (رواه أحمد والشيخان) دل هذا الحديث على طهارة بول الإبل وغيرها من مأكول اللحم يقاس عليه.
قال ابن المنذر: “ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام لم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل قال: وفي ترك أهل العلم بيع بعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديمًا وحديثًا من غير نكير، دليل على طهارتها”.
وقال الشوكاني: “الظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه، تمسكًا بالأصل، واستصحابًا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة، فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلاً لذلك”.
11- الجلّالة:
ورد النهي عن ركوب الجلالة وأكل لحمها وشرب لبنها.
فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: “نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن شرب لبن الجلالة”. (رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي).
وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده (رضي الله عنهم) قال: “نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة: عن ركوبها وأكل لحومها. (رواه أحمد والنسائي وأبو داود).
والجلالة: هي التي تأكل العذرة، من الإبل والبقر والغنم والدجاج والأوز وغيرها، حتى يتغير ريحها.
فإن حبست بعيدة عن العذرة زمنًا، وعفلت طاهرًا فطاب لحمها وذهب اسم الجلالة عنها حلت، لأن علة النهي والتغيير، قد زالت.
12- الخمر:
وهي نجسة عند جمهور العلماء، لقول الله تعالى: “إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان…” (سورة المائدة- الآية 90:5) وذهبت طائفة إلى القول بطهارتها، وحملوا الرجس في الآية على الرجس المعنوي، لأن لفظ (رجس) خبر عن الحمر، وما عطف عليها، وهو لا يوصف بالنجاسة الحسية قطعًا، قال تعالى: “فاجتنبوا الرجس من الأوثان…” فالأوثان رجس معنوي، لا تنجس من مسها: ولتفسيره في الآية بأنه من عمل الشيطان، يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وفي سبل السلام: “والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة، وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس، وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملامستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة وإجماعاْ”. إذا عرفت هذا فتحريم الخمر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاسته، بل لابد من دليل آخر عليه، وإلا بقيا على الأصول المتفق عليها من الطهارة، فمن ادعى خلافه فالدليل عليه.
13- الكلب:
وهو نجس ويجب غسل ما ولغ فيه سبع مرات، أولهن بالتراب، حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب”. (رواه مسلم وأحمد وأبو داود والبيهقي): ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله، وانتفع بالباقي على طهارته السابقة.
أما شعر الكلب فالأظهر أنه طاهر، ولم تثبت نجاسته. وتطهير البدن والثوب الثوب والبدن إذا أصابتهما نجاسة، يجب غسلهما بالماء حتى تزول عنهما إن كانت مرئية كالدم، فإن بقي بعد الغسل أثر يشق زواله فهو معفو عنه، فإن لم تكن مرئية كالبول فإنه يكتفى بغسله ولو مرة واحدة، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها) قالت: “جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: “إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به؟ فقال: تحته ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه”. (متفق عليه). وإذا أصابت النجاسة ذيل ثوب المرأة تطهره الأرض، لما روي، أن امرأة قالت لأم سلمة (رضي الله عنهما): “إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت لها: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “يطهره ما بعده”. (رواه أحمد وأبو داود).
____________________________
المصدر: كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق.
[ica_orginalurl]