إعداد/ فريق التحرير
الإيمان بالملائكة أصل من أصول الاعتقاد، لا يتم الإيمان إلا به، والملائكة عالم من عوالم الغيب التي امتدح الله المؤمنين بها، تصديقاً لخبر الله سبحانه، وإخبار رسوله.
وقد بسطت النصوص من الكتاب والسنة هذا الموضوع، وبينت جوانبه، ومن يطالع هذه النصوص في هذا الجانب يصبح الإيمان بالملائكة عنده واضحاً، وليس فكرة غامضة، وهذا مما يعمق الإيمان ويرسخه. فإن المعرفة التفصيلية أقوى وأثبت من المعرفة الإجمالية.
وما أطالت النصوص التفصيل والتوضيح في هذا الموضوع إلا لأن العقل الإنساني لا يستطيع التوصل إلى ما يهمه معرفته عن الملائكة بنفسه، فحواس الإنسان أعجز من أن ترى الملائكة وتسمع أحاديثهم، ولا شك أن هذا العجز في صالح الإنسان، فلو كان الإنسان يسمع ويرى كل ما يحيط به لما أطاق الحياة.
ولا يظنّنَ أحد أن دراسة هذا الأصل من فضول العلم، فإن الحقائق التي تسوقها النصوص في هذا الموضوع لها تأثير كبير في نفي الخرافة والزيف عن العقول، فقد انتشر منذ القدم بألوهية الملائكة، أو أن الملائكة بنات الله، ويرى بعض الفلاسفة أن الملائكة هي الأفلاك التي نراها في الفضاء، أو إلى غير ذلك من الخرافات والأساطير، والمرفوضة شرعاً وعقلاً.
أما الحقائق التي جاءت بها النصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية الشريفة فهي تعمق في نفوسنا الإيمان بالإله المعبود المهيمن في هذا الوجود، والذي وضع جنوده من الملائكة للقيام على مختلف أمور الكون.
وعلاقة الملائكة بنا تكويناً وإيجاداً ومراقبة… توحي للإنسان بأهميته وقيمته، وتنفي من فكرة القول بتفاهته أو حقارته، وبذلك يقدر قدر نفسه ويسعى جاهداً لتحقيق الدور العظيم الذي عليه أن يقوم به.
ولو ذهبنا نعدد الآثار الطيبة التي يجنيها المرء من إيمانه بالملائكة ودراسة النصوص التي تتحدث عنهم، لطال القول بنا في هذه المقدمة، ولكننا نترك الجواب للدّارس في هذا الموضوع أن يعيش مع النصوص فتمده بموحياتها وآثارها وذلك مع التأمل بها.
والله تعالى الموفق لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم؛ إنّه نعم المولى ونعم المصير.
الإيمان بالملائكة
تعريف الملائكة: الملائكة؛ جمع ملائك، وأصل ملائك: مئالك، لأنه من الألوكة، والألوكة في اللغة هي الرسالة، قال الله تعالى {جاعل الملائكة رُسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} [فاطر: 1].
والملائكة عالم غيبي، خلقهم الله عز وجل من نور، لهم القدرة على التمثل بأمثال الأشياء بإذن الله تعالى، ولا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، وهم خلق جعلهم الله طائعين له، متذللين له، ولكل منهم وظائف خصه الله بها (أنظر شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين).
وقال المتكلمون: الملائكة أجسام علوية لطيفة، تتشكل أي شكل أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية. (أنظر فتح الباري ج 1 ص 31).
عن عائشة رضي الله عنها عن أبيها أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق أدم مما وصف لكم) رواه مسلم.
وجوب الإيمان بالملائكة عليهم السلام: إن الإيمان بالملائكة من الواجبات الاعتقادية، قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
فالمؤمن عليه أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله خلق عالماً سماه الملائكة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور المتضمن أسئلة جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم ما الإسلام والإيمان والإحسان: قال -أي جبريل عليه السلام- فأخبرني عن الإيمان، قال -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره” قال -أي جبريل عليه السلام-: صدقت.
فمن أنكر وجود الملائكة، كان إنكاره كفراً وضلالاً لأنه أنكر ما هو ثابت ثبوتاً صريحاً في القرآن الكريم والسنة الشريفة قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} [النساء: 136].
حكمة وجود الملائكة عليهم السلام والإيمان بهم:
إن في وجود الملائكة والإيمان بهم حكماً متعددة منها:
أولاً: أن يعلم الإنسان سعة علم الله تعالى وعظم قدرته وبديع حكمته، وذلك أنه سبحانه خلق ملائكة كراماً لا يحصيهم الإنسان كثرة ولا يبلغهم قوة وأعطاهم قوة التشكل بأشكال مختلفة حسبما تقتضيه مناسبات الحال.
ثانيًا: الإيمان بالملائكة عليهم السلام هو ابتلاء للإنسان بالإيمان بمخلوقات غيبية عنه، وفي ذلك تسليم مطلق لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: أن يعلم الإنسان أن الله تعالى خلق ملائكة أنقياء أقوياء لكلٍ منهم له وظيفة بأمر من الله تعالى إظهاراً لسلطان ربوبيته وعظمة ملكه، وأنه الملك المليك الذي تصدر عنه الأوامر، من الوظائف التي أمروا بها: نفخ الروح في الأجنة ومراقبة أعمال البشر، والمحافظة عليها وقبض الأرواح وغير ذلك….
رابعًا: أن يعلم الإنسان ما يجب عليه تجاه مواقف الملائكة معه وعلاقة وظائفهم المتعلقة به، فيرعاها حق رعايتها ويعمل بمقتضاها وموجبها.
مثال ذلك: أن الإنسان إذا علم أن عليه ملكاً رقيباً يراقبه وعتيداً حاضراً لا يتركه، متلقياً عنه ما يصدر منه، فعليه أن يحسن الإلقاء والإملاء لهذا الملك المتلقي عنه والمستملي عنه الذي يدون على الإنسان كتابه ويجمعه ثم يبسطه له يوم القيامة وينشره ليقرأه قال الله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].
خامسًا: وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل ملائكة كراماً وسطاء سفرة بينه وبين أنبيائه ورسله عليهم السلام قال الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِي} [النحل: 2].
وفي ذلك تنبيه إلى عظم النبوة والرسالة، ورفعة منزلة الشرائع الإلهية وشرف العلوم الربانية الموحاة إلى الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وإن شرائع الله تعالى مجيدة كريمة، لأن الذي شرعها هو العليم الحكيم الذي أحكم للناس أحكامها ووضع لهم نظامها على وجه يضمن مصالح العباد وسعادتهم وعزتهم الإنسانية وكرامتهم الآدمية.
فالجدير بالشرائع الإلهية وحكمة أحكامها وبديع انتظامها أن تتنزل بها أشراف الملائكة وساداتها على أشراف الخليقة الإنسانية وساداتها ألا وهم الأنبياء عليهم السلام.
الصفات الخَلْقية وما يتعلق بها:
عرّفنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث خلق الملائكة، أنّ الملائكة خلقت من نور، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يبين لنا أي نور هذا الذي خلقوا منه، ولذلك فأننا لا نستطيع أن نخوض في هذا الأمر لمزيد من التحديد، لأنه غيب لم يرد فيه ما يوضحه أكثر من هذا الحديث.
وما روي عن عكرمة أنه قال (خلقت الملائكة من نور العزة، وخلق إبليس من نار العزة) وما روي عن عبدالله بن عمرو انه قال (خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر) فكلاهما لا يجوز الأخذ به، وعلى فرض صحته عن هؤلاء العلماء الأفاضل، فهم غير معصومين، ولعلهم قد استقوه من الإسرائيليات (راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 197).
متى ُخلقوا؟
لا ندري متى خلق الله الملائكة، لأن الله عز وجل لم يخبرنا بذلك، ولكننا نعلم أن خلقهم سابق على خلق أدم أبي البشر، فقد أخبرنا الله أنه أعلم ملائكته أنه سيجعل في الأرض خليفة، قال تعالى: {وأذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة} [سورة البقرة: 30].
والمراد بالخليفة آدم عليه السلام وأمرهم بالسجود له حين خلقه {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} [سورة الحجر / 29].
عظم خلقهم:
قال الله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رُسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} [فاطر: 1].
فهذه الآية تبين مظاهر قدرة الله تعالى وأثار قوته المشهودة في خلق السموات والأرض وفي خلق الملائكة العظام فجعلهم رسلا في تنفيذ أوامره التكوينية وفي تبليغ وحيه، وأحكامه التشريعية وزاد في خلقهم جمالا وبهاء وقوة فجعلهم أصحاب أجنحة، فمنهم ذو جناحين، ومنهم ذو ثلاثة أجنحة، ومنهم ذو أربعة أجنحة، ومنهم ذو أجنحة أكثر لأنه سبحانه وتعالى يزيد في الخلق ما يشاء حسب ما تقتضيه الحكمة لأنه على كل شيء قدير.
وفي هذه الآية أيضا إيماء إلى زيادة الحسن والجمال في خلق الملائكة عليهم السلام، وزيادتهم في القوة، وأنهم في ذلك على مراتب متعددة، فهم ذو مناظر حسنة.
ورد في تفسير قوله تعالى {علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى} [سورة النجم 5 –6].
قال ابن عباس (ذو مرة) ذو منظر حسن، و قال قتادة ذو خلق طويل حسن.
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى ابن آدم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الحقيقية وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدر و الياقوت ما الله به عليم.
قال ابن كثير في هذا الحديث، إسناده جيد (البداية والنهاية 1-47).
وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في جبريل:
(رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء و الأرض)
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عظم خلق حملة العرش –قال عليه السلام “أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام”.
ورواه ابن أبي حاتم وقال (تخفق الطير) قال محقق مشكاة المصابيح: إسناده صحيح (3-121)، وانظر تخريج الشيخ ناصر الدين الألباني له في الأحاديث الصحيحة (1-72).
فالملائكة قوية جداً و حسنة المنظر، و قد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح، ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك، قال تعالى: {فلما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن، وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم} [سورة يوسف:31] .
تنبيهان مهمان:
التنبيه الأول: ما يصوره بعض الناس في الكتب أو اللوحات أو الصور المنفردة من صور الملائكة على شكل فتيات، ولهن أجنحة ويحملن بأيديهن آلات الموسيقى، فهذا لا يجوز مطلقاً، ومن اعتقد ذلك أدَّاه إلى الكفر، وكذلك لا يجوز تعليق هذه الصور في البيوت أو السيارات أو أي مكان بل يجب تنحيتها ومحو الصورة أو إتلافها.
التنبيه الثاني: أن أجنحة الملائكة المذكورة في الآية، هي أجنحة لا نستطيع أن نتصور كيفيتها على حقيقتها لأننا لم نرَ الملائكة أصلاً كما هي. فلا يجوز تشبيه أجنحتهم بأجنحة الحيوان الطائر كالنسر وغيره، فهذا تشابه في الأسماء لا في حقيقة الخلقة. وحسبنا أن نعتقد أن الملائكة ذووا أجنحة كما ذكر القرآن الكريم.
.
[opic_orginalurl]