مسلمون حول العالم.. يحتاجون لمن يتعرف عليهم أكثر.. لمن يلمس معاناتهم، ويشعر بطموحاتهم.. ويتحسس مشكلاتهم.. ويشاركهم إنجازاتهم.. سنجمع أخبارهم من كل مكان.. من خلال جولة لرصد حياتهم عن قرب.. والمحطة الأولى كانت من الصين .
الأقليات المسلمة في شتى بقاع العالم تعاني مشكلات أهمها قلة العلم، وفهم الدين بطريقة سطحية، وظهور الخلافات والنزاعات التي منشؤها عدم فهم نصوص الدين جيدًا، كذلك تعاني هذه الأقليات اضطهادا يحرمها من نشر فكرها بطريقة سليمة، ومن هنا كان لنا هذا الحوار مع الباحث: عبد الرحمن تشانغ شنغ هوا.. أحد المبتعثين الصينيين، والذي تخرج في جامعة الأزهر ويكمل دراسته العليا بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، حيث حصل على الماجستير في الفلسفة الإسلامية، وعنوان الرسالة هو: (جهود نور الحق ما ليان يوان الصيني (1841-1903م) في الفكر الإسلامي مع تحقيق كتابه: شرح اللطائف)، والبحث جاء بغيةَ المساهمة في إحياء التراث الإسلامي في الصين، وإلقاء الضوء على نهضة الفكر الديني الإسلامي، وإلى نص الحوار..
ما هو عدد الأقلية المسلمة بالصين؟ كم نسبتها بين سكان الصين؟
يوجد في الصين عشر قوميات أقلية كلها تعتنق دين الإسلام، ولكن في عددهم كلام طويل واختلاف متباعد منذ أوائل القرن العشرين ويختلف عددهم من حوالي تسعة ملايين إلى تسعين مليونا، وكان المشهور أن عدد المسلمين في الصين خمسين مليونا، وبناء على الدورة الخامسة للإحصاء السكاني التي أجرتها السلطة الصينية عام2000 م فعدد المسلمين بلغ عشرين مليونا، ويحتل64٫1 بالمائة من جميع سكان الصين، فعدد المسلمين اليوم تجاوز الخمسين مليونا.
ما هي أهم المشكلات التي تواجه المسلمين بالصين؟ وهل هناك صراع عقدي أم لا؟
هناك مشكلات كثيرة تواجه المسلمين بالصين، ومن أهمها انتشار الجهل بالدين الذي ترتب عليه فهم الدين وتطبيقه على المزاج والأهواء والتعصب مع اعتبار كل ذلك من الدين الخالص، ومنها: ابتعاد بعض المسلمين بمن فيهم بعض شباب المسلمين عن دينهم وعدم مبالاتهم به. فبمجرد أن يحصل طالب مسلم على الدرجة العلمية العالية أو المناصب الرفيعة، حتى تذوب عقيدته في التيارات بسبب عدم تمرُّسِهِ على التوجيهات والقيم الدينية الإسلامية من صغره.
وليس هناك صراع عقدي بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الأديان أو الأفكار الأخرى في الصين، ولكن وللأسف هناك صراعات أشدُّ بين المسلمين أنفسهم بسبب التعصب الممقوت والجهل والغرور المفسد والأهواء والمصالح، حتى صارت كأنها صراعات عقدية وأصولية.
هل من كلمة عن التعليم الديني في الصين؟
التعليم الإسلامي في الصين ذو شقين رئيسيين: في المدارس العربية الإسلامية الحديثة، وفى أروقة المساجد، فالمدارس العربية الإسلامية الحديثة لها مميزاتها مثل سهولة الطريق في الإعطاء و التلقي وإضافة مواد جديدة غير دينية في ظل متطلبات التعليم العصري، ولكنها في نفس الوقت عموما تركز على دراسة اللغة العربية دون توفية العلوم الشرعية حقها، فيتخرج طلابها في مدة قصيرة، فلا العلوم الشرعية تعلموها ولا العربية أتقنوها، وأما التعليم الإسلامي في أروقة المساجد فقد كان طريقا رئيسيا لتوارث الإسلام وعلومه عند المسلمين في الصين منذ قرون، ولا يزال حتى اليوم أكبر مورد يخرج شيوخ الدين.
ما هي أهم التيارات الإسلامية في الصين؟
أهم التيارات الإسلامية في الصين عموما تياران: تقليدي وتجديدي، والتيار التقليدي ينقسم إلى التقليدي القديم والتقليدي المتمثل في الطرق الصوفية ذات الخصائص الصينية، والتيار التقليدي القديم يعتبر أنه محافظ على عقيدة الإسلام وتقاليده التي وصلت إليه منذ دخول الإسلام في الصين، ولذلك سمى نفسه بالقديم تمييزًا بينه وبين التيارات أو المذاهب الأخرى التي بدأت تظهر في الصين من القرن السابع عشر إلى العصر الحديث، وهذا التيار يتمسك بالماتريدية في الأصول وبالمذهب الحنفي في الفروع، ويتأثر بالتصوف الإسلامي، ولكنه يعتبره نافلة لا ينبغي سلوك طريقه إلا لمن قد تمكن من الشريعة، وله تأثير كبير في تاريخ الإسلام في الصين، وأصحاب هذا التيار هم الأغلبية العظمى من المسلمين في الصين، وهم بمنزلة جمهور أهل السنة والجماعة في عالم الإسلام.
ماذا عن التصوف في الصين؟ هل ينتمي للتصوف السني أم البدعي؟
أصل التصوف الإسلامي في الصين ينتسب إلى الطرق الصوفية الأربع في عالم الإسلام: ثم تفرعت عنها طرق كثيرة بلغت حوالي أربعين طريقة. ولا شك أن التصوف الإسلامي في الصين يحتاج إلى إصلاح وتجديد شاملين مع مراعاة الظروف الدينية والواقعية الخاصة عند المسلمين في الصين.
ما مدى تأثير التيارات الفكرية في الصين على الفكر الإسلامي هناك؟
التيار الكونفوشيوسي بسبب سيادته في المجتمع الصيني التاريخي زمنًا سحيقًا وبسبب تقاربه مع الإسلام في أمور كثيرة أثر على الفكر الإسلامي في الصين خلال عدة قرون، حتى كان علماء المسلمين في الصين يؤلفون كتبهم الإسلامية ويعبرون عن الفكر الإسلامي بالاصطلاحات الكونفوشيوسية.
ما هي مشكلات المبتعثين الصينيين؟
أكبر مشكلات المبتعثين الصينيين في كل العالم العربي والإسلامي -فيما أظن- هي تدنى مستواهم الأساسي من العلوم الشرعية واللغة العربية، وقد يترك الطالب دراسته أو يتقاعس عنها بسبب عدم التغلب على هذه الصعوبة.
ما الدور المأمول من الأزهر كمنارة للعلوم الإسلامية تجاه المسلمين بالصين؟
ما زلنا نحرص على أن يكون الأزهر الشريف محافظا على مكانته ودوره وفضله على المسلمين في الصين، إذ يتميز بتعليم العلوم الإسلامية والعربية المتكاملة والمنهج الرصين الوسطى والمعتدل. وبالجهود العلمية والفكرية التي قدمها العلماء المسلمون الصينيون في الصين، الذين تلقوا العلم من الأزهر في النصف الأول للقرن الماضي، ترسخت المرجعية الإسلامية في أذهان المسلمين.
ما هو الهدف الذي دفعك لدراسة موضوعك في الماجستير عن المفكر الصيني المسلم نور الحق ما ليا يوان؟
الهدف الرئيسي هو فتح باب لتحقيق ودراسة التراث الإسلامي في الصين على المنهج العلمي، إذ كان منهج التحقيق الذى سلكنا في هذه الرسالة لم يعرف وجوده في دراسة التراث الإسلامي في الصين -على قدر علمي- كما فصلت في مقدمة الرسالة، وبالتالي فإن دراسة تراث الإسلام في الصين أصبحت دَيْنًا على عاتق الدارسين المسلمين الصينيين، الذين يبتغون النهضة الإسلامية الرشيدة في الصين بجانب وطنيتهم الصينية، إذ هم قد عانوا بعض ما نعانيه اليوم في نشر الدين الإسلامي وفكره في الصين، فمثل هذه الدراسة مقدمة لازمة لهذه النهضة والتجديد والإصلاح البناء في ديانتنا الإسلامية في الصين.
__________________________________________
المصدر: النسخة الإلكترونية لجريدة الأهرام المصرية
[opic_orginalurl]