سبحان ربي.. المبدئ المعيد…
أ.د. عمرو شريف
إذا كان التعريف الشرعي لعملية الخلق هو “الإيجاد من عدم على غير مثال سابق” ، فقد أثبت العلم أن الكون قد ظهر بعد عدم مطلق؛ فخُلِقَ الزمان والمكان والطاقة والمادة، ثم ظهر السديم، ومنه تشكلت المجرات بما تحمل من نجوم وكواكب وتوابع، كل ذلك تم إيداعه وتصويره على غير مثال سابق.
و كما كان الوجود ضيفاً جديداً تماماً على العدم، ظهرت الحياة في الكون المادي كضيف جديد على المادة، فصار الوجود غير الوجود، صار وجوداً حياً، ثم ظهر العقل الواعي المفكر ضيفاً جديداً أيضاً في الكون، صار به الوجود واعياً بنفسه.
لقد كانت كل مرحلة من هذه المراحل وما ينطوي تحتها من مراحل فرعية إيجاداً جديداً تماماً على غير مثال.
المبدئ المعيد.. إعجاز إعادة الخلق
وفي المقابل، نشاهد في الوجود من حولنا عمليات لا نهائية من “إعادة الخلق”. فالانفجار الكوني الأعظم تحاكيه انفجارات صغرى تحدث في أنحاء الكون من حين لآخر، كذلك الكائنات الحية التي تتكاثر باستمرار لتملأ الأرض والبحر والجو. وأيضاً يتم في كل لحظة خلق أنماط عديدة من العقل البشري الذي بزغ في لحظة ما من عمر الكون فأضاء ظلامه.
وإذا كان الخلق من عدم على غير مثال سابق يحتاج إلى الخالق: “البديع” “المبدع” “المصور” ، فإن إعادة الخلق تحتاج إلى الخالق “المعيد” وأيضاً إلى الخالق “الباعث” إذا كان الكائن الحي قد اختفى من صفحة الوجود لفترة، كما سيحدث من بعثٍ للإنسان في حياته الأخرى.
ويجمع القرآن الكريم بين الخلق لأعلى مثال وبين إعادة الخلق في قول الحق عز وجل: “مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” (لقمان:28)، ” قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ” (يس:79)؛ فالآية الأولى تحدثنا عن الخلق الجديد الأول ثم عن البعث، الذي هو إعادة الخلق. و تحدثنا الآية الثانية عن الخلق أول مرة ثم إعادة الحياة، التي هي إعادة خلق.
_______________________________________________
المصدر: بتصرف يسير عن كتاب/ الوجود رسالة توحيد، نيوبوك للنشر، القاهرة، ط1، 2015
[ica_orginalurl]