تعريف القران الكريم
لغة: لفظ القرآن مصدر مشتق من (قرأ) يقال قرأ، يقرأ، قراءة، وقرآناً ومنه قوله تعالى:
إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (القيامة 17:75-18)
وقد تكون كلمة “قرآن” مشتقة من المصدر “قرأ”، وأصله من “القرء” بمعنى الجمع والضم، يُقال: «قرأت الماء في الحوض»، بمعنى جمعته فيه، يُقال: «ما قرأت الناقة جنينًا»، أي لم يضمَّ رحمها ولدا. وسمي القرآن قرآنًا لأنه يجمع الآيات والسور ويضم بعضها إلى بعض.
وأما اصطلاحا: فهو كلام الله المنزل علي نبيه محمد المعجز بلفظه المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر المكتوب بين دفتي المصحف من أول سورة الفاتحة إلي آخر الناس.
تفصيل التعريف وتفسيره
فقولنا “كلام الله”: خرج به: كلام البشر وغيرهم
وقولنا “المنزل على نبيه محمد”: خرج به: الذي أنزل على غيره كالإنجيل والتوراة والزبور .
وقولنا “المتعبد بتلاوته”: خرج به الأحاديث القدسية .
وهو نور ويقين، وهو الحبل المتين، وهو منهج الصالحين، فيه أخبار الأولين من الأنبياء والصالحين وكيف أن من عصى أمرهم ذاق بأس الله وكان من الأذلين، وفيه آيات تحكي معجزات الله وقدرته في هذا الكون المتين، وفيه بيان لأصل هذا الآدمي الذي كان من ماء مهين، وفيه أحكام العقيدة التي يجب أن ينطوي عليها كل قلب مستكين، وفيه أحكام الشريعة التي تبين المباح من الحرام وتبين الباطل من الحق المبين، وفيه بيان المعاد ومصير الآدمي إما إلى نار يخزى فيها فيكون من الصاغرين، وإما إلى جنة ذات جنات وعيون وزروع ومقام أمين .
قال قتادة في قوله تعالى:
وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين (الإسراء 82:17)
إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه، وقال أيضا في:
ولا يزيد الظالمين إلا خساراً (الإسراء 82:17)
أي: لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين .
وأما علماء الكلام فيتطرقون إلى معنى القرآن الكريم في جهتين:
الأولى: أثناء تناولهم لمبحث النبوات حين يتعرضون للمعجزات و يبينون أن القرآن الكريم هو معجزة الرسول. وهم من هذه الجهة متفقون مع غيرهم من العلماء في تعريف القرآن الكريم.
الثانية: وأما الجهة الثانية فأثناء بحثهم في صفات الله تعالى، ومنها صفة الكلام والقرآن كلام الله تعالى، يرى المتكلمون أن للكلام إطلاقين: فالكلام يطلق على هذه الألفاظ التي تتحدث بها الألسنة. ومن هنا قالوا: خير الكلام ما قل ودل، وهذا إطلاق لا يختلف فيه احد. وإطلاق ثان وهو ما يحدث به الإنسان نفسه دون أن يتكلم به بلسانه. وقد ذهب علماء الكلام خاصة الأشاعرة ومن وافقهم إلى أن الكلام الذي هو صفة من صفات الله تبارك وتعالى يشمل ما أنزل الله على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، ومنه ما نزل على سيدنا محمد وهو القرآن. والقرآن غير مخلوق عندهم ولكن الحروف التي كتبت بها كلمات القرآن والأصوات التي تنطق به أمور حادثة، وجدت بعد أن لم تكن.
ومن هنا ولأجل التوفيق بين كون القرآن الكريم قديمًا غير مخلوق وبين حدوث الحروف والأصوات، قالوا بأن الكلام يطلق على النفسي واللفظي، والكلام النفسي هو الصفة القديمة؛ وصفات الله كلها قديمة.
دور القرآن الكريم في الإسلام
يؤمن المسلمون بأن القرآن الكريم هو آخر كتاب من كتب الله، أنزله على رسوله محمد. ولهذا يعتبرون أن تلاوة القرآن والاستماع له والعمل به كلها عبادات يتقرب بها المسلم إلى الله ليطمئن بهِ قلبهُ. ويعتقدون أنه أساس حضارتهم وثقافتهم، وبه بدأت نهضتهم في كل مجالات الحياة، الدينية والدنيوية، يقول الدكتور وصفي عاشور أبو زيد في كتابه “أهمية القرآن عند المسلمين”:
“فالقرآن الكريم هو الكتاب الخالد لهذه الأمة، ودستورها الشامل، وحاديها الهادي، وقائدها الأمين، كما أنه الكتاب الخالد للدعوة الإسلامية، ودليلها في الحركة في كل حين، وله أهمية كبيرة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة؛ فهو يعالج بناء هذا الإنسان نفسه، وبناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره، ويشرع من التشريعات ما يحفظ كيان الأسرة فتظللها السكينة وتحفها المودة والرحمة، كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام الطاقات الكامنة في المجتمع، وينشد الأمة القوية المتماسكة الشاهدة على العالمين”.
نصوص القرآن الكريم
فالقرآن ينص على أحكام العقائد، وفيه أحكام العبادات مثل الصوم والزكاة والحج، وفيه أحكام المعاملات من بيع وشراء وزواج وطلاق وميراث، كما أن فيه أحكام الأخلاق والآداب.
مراحل القرآن الكريم التنزيلية
أوّل ما نزل من الوحي على محمد كان في غار حراء على جبل النور الواقع بالقرب من مكة، وذلك في يوم الإثنين. وفي الرواية المنقولة عن عائشة بنت أبي بكر المؤكدة من قبل الإمامين البخاري ومسلم، أول ما نزل من الوحي كان:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق 1:96-4)
وبعد تلك الحادثة، فَتَر الوحي عن محمد مدة، قيل أنها ثلاث سنوات وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر (فتح الباري لابن حجر) حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى وفاته. (الدرر لابن عبد البرفكان) وأول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أوّل سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل. (الطبري تاريخ الأمم والملوك) وقد اختلف العلماء في تحديد أوّل ما نزل من القرآن كون سورة المدثر نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة العلق، التي نزل منها صدرها أولاً، على أن الرأي الأغلب والأرجح هو القائل بأن سورة العلق هي أوّل السور. وعبّر بعض العلماء للتوفيق بين الرأيين بقولهم أن أوّل ما نزل للنبّوة كان صدر سورة القلم، وأوّل ما نزل للرسالة كان سورة المدثر. (تاريخ القرآن) واستمر الوحي ينزل على محمد في مكة طيلة ثلاث عشرة سنة، وبلغ عدد السور التي نزلت هناك ثلاث وثمانون سورة، وقيل خمس وثمانون (إسلام ويب) كانت أولها سورة العلق وآخرها سورة المؤمنون، ويُقال العنكبوت. (تاريخ القرآن) ولمّا اشتد أذى قريش لمحمد وأتباعه من المسلمين، هاجروا شمالاً إلى مدينة يثرب، التي دُعيت منذ ذلك الحين بالمدينة المنورة، وهناك استمر الوحي ينزل عليه بصورة متتالية. وقد بلغ عدد السور التي نزلت بالمدينة إحدى وثلاثون سورة، وقيل تسع وعشرون، كان أولها سورة المطففين وآخرها سورة التوبة، وفي شرح البخاري لابن حجر، اتفقوا على أن سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة، وفي تفسير النسفي عن الواقدي أن أول سورة نزلت بالمدينة هي سورة القدر. (تاريخ القرآن)
مراحل جمع القرآن الكريم
أولاً: عهد النبي صلّى الله عليه وسلم؛ كان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها؛ ولكن مع بعثرة الكتابة وتفرقها بين عسب وعظام وحجارة ونحو ذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة .
ومزيته: زيادة التوثيق للقرآن؛ وإن كان التعويل أيامئذٍ كان على الحفظ والاستظهار؛ يقول سيدنا زيد بن ثابت {كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع}. (مناهل العرفان ص36).
لماذا لم يجمع القرآن أيامئذ لا في صحف ولا في مصاحف؟
أولها: أنه لم يوجد من دواعي كتابته في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر، والتعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة وأدوات الكتابة غير ميسورة.
ثانيها: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله من آية أو آيات.
ثالثها: أن القرآن لم ينزل مرة واحدة، بل نزل منجماً على مدى عشرين سنة أو أكثر .
ثانياً: عهد سيدنا أبي بكر؛ فقد كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتبة الآيات دون ترتيب السور مقتصراً فيه على ما لم تنسخ تلاوته مستوثقاً له بالتواتر والإجماع .
ومزيته: هو تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة مجموعاً مرتباً خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفاظه. (مناهل العرفان الوحي والقرآن).
ما الأسباب التي دفعت سيدنا أبو بكر لجمع القرآن الكريم؟
حينما ارتدت الأعراب واستشرى القتل بالمسلمين وخاصة يوم اليمامة وقد استحر بقراء القرآن، جاء إليه سيدنا عمر وقال له: إني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القراءة والقرآن وإني أرى أن تجمع القرآن؛ وظل يراجع سيدنا أبا بكر حتى شرح الله صدره لذلك؛ فكان أول من جمع القرآن. (الاتقان).
ثالثاً: عهد سيدنا عثمان؛ فقد كان عبارة عن نقل مافي تلك الصحف إلى مصحف واحد مع ترتيب الآيات والسور والالتزام بلغة قريش دون غيرها من اللغات والقراءات، فكان أول من جمع الصحف في مصحف وسمّي بـ(المصحف) وأمر بنسخه وتوزيعه على الأمصار.
وميزته: إطفاء الفتنة التي اشتعلت بين المسلمين حين اختلفوا في قراءة القرآن وجمع شملهم وبتوحيد كلمتهم والحفاظ على كتاب الله من التغيير والتبديل. (الوحي والقرآن ص139-160).
من اختير لهذا الجمع في عهوده الثلاثة ؟
اتخذ النبي صلّى الله عليه وسلم كتاباً للوحي فيهم الخلفاء الأربعة ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وخالد بن الوليد وثابت بن قيس، كان يأمرهم بكتابة كل ما يقول من القرآن حتى تظاهر حفظ القرآن في الصدور مع الكتابة.
وفي عهد سيدنا أبي بكر اختير سيدنا زيد بن ثابت وقد أرسل إليه سيدنا أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة وقال له: (إني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن وإني أرى أن تجمع القرآن) يقول زيد: (فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن)
وفي عهد سيدنا عثمان أحضر الصحف التي كانت عند حفصة وأمر بنسخها فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وفيه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وأمرهم أن يكتبوه بلسان قريش لأنه أنزل بلسانهم ففعلوا. (الوحي والقرآن 139-160).
المصدر: .ahlalhdeeth
[opic_orginalurl]