إعداد فريق تحرير "المهتدون الجدد"
الصلاة في الإسلام منزلة كبيرة ودرجة رفيعة؛ فهي عماد الدين وعموده، كما روى أحمد في مسنده، والترمذي والحاكم عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة”.
ولأهمية الصلاة جعلها الله تعالى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وجعل لها في الدنيا صلوات تطوعية تجبر ما نقص من الفرائض، كما قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ” (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ).
وحديثنا اليوم عن التطوع أو الصلوات غير المفروضة (النوافل).
فضائل الصلوات غير المفروضة:
للنوافل فضائل عظمية؛ فبالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا من كونها جابرة لما نقص من الفرائض؛ فإنها سبب للتقرب إلى الله تعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه” (رواه البخاري).
كما أنها تعد وقاية من النار يوم القيامة؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، حَرُمَ عَلَى النَّارِ” (رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ).
وأيضا فإن كثرة السجود بصورة عامة سبب لرفع الدرجات وحط السيئات؛ فقد رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: “عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً”.
أدلة مشروعيتها:
تعددت أدلة مشروعية السنن الرواتب؛ فبالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا:
– عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بيتي قبلَ الظهرِ أربعًا، ثمّ يخرج فيصلي بالناسِ، ثمّ يدخل فيصلي ركعتَين، وكان يصلي بالناس المغربَ، ثمّ يدخل فيصلي ركعتَين، ويصلي بالناس العشاءَ، ويدخل بيتي فيصلي ركعتَين” (صحيح مسلم).
– وعنها رضى الله عنها: “لم يكنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، على شيءٍ من النوافِلِ، أشدَّ منه تعاهُدًا على ركعتَيِ الفجرِ” (صحيح البخاري).
أقسامها وحكمها:
قسم العلماء الصلوات غير المفروضة إلى قسمين: الرواتب والنوافل.
أما الرواتب فيقصدون بها السنن المؤكدة التي ترتبط بالصلوات المفروضة، سواء كانت قبلية أم بعدية، وهي التي ورد ذكرها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه “من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنَّة بنى الله له بيتا في الجنة أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر” (رواه الترمذي وغيره).
ويتضح من الحديث أن عدد ركعات السنن الرواتب المؤكّدة اثنتا عشرة وهي:
– ركعتان قبل صلاة الفجر.
– أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتان بعدها.
– ركعتان بعد صلاة المغرب.
– ركعتان بعد صلاة العشاء.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
“أما الرواتب فهو جمع راتبة من رتب الشيء رتوبا، أي: استقر ودام فهو راتب، وسميت السنن الرواتب بذلك لمشروعية المواظبة عليها. قال الشافعية: السنن الرواتب هي: السنن التابعة لغيرها، أو التي تتوقف على غيرها أو على ما له وقت معين كالعيدين والضحى والتراويح. ويطلقها الفقهاء على الصلوات المسنونة قبل الفرائض وبعدها; لأنها لا يشرع أداؤها وحدها بدون تلك الفرائض” انتهى.
أما النوافل فهي ما زاد على الصلوات المفروضة وسننها الراتبة القبلية والبعدية، كقيام الليل، وصلاة الضحى، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة.. وغير ذلك؛ فهي نافلة أي زائدة عن المطلوب الذي يكون فرضا أو سنة.
ومنها أيضا:
– ركعتان بعد صلاة الظهر.
– أربع ركعات قبل صلاة العصر.
– ركعتان قبل صلاة المغرب.
– ركعتان قبل صلاة العشاء.
ولكن قد يطلق أحيانا على الرواتب: “نوافل”، ويقصد حينئذ أنها ما زاد على الفرض، فتشمل النوافل حينئذ الرواتب وما عداها من غير الفريضة.
الحكم التكليفي لأدائها:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
يرى جمهور الفقهاء استحباب المواظبة على السنن الرواتب. وذهب مالك في المشهور عنه: إلى أنه لا توقيت في ذلك حماية للفرائض، لكن لا يمنع من تطوع بما شاء إذا أمن ذلك.
وصرح الحنفية: أن تارك السنن الرواتب يستوجب إساءة وكراهية، وفسر بعضهم الإساءة بالتضليل واللوم، وقال بعضهم: الإساءة دون الكراهة. وقال بعضهم: الإساءة أفحش من الكراهة، وقال بعضهم: ترك السنة المؤكدة قريب من الحرام.
وقال الحنابلة بكراهة ترك الرواتب بلا عذر.
هذا في الحضر والإقامة.
وأما في السفر:
فيرى جمهور الفقهاء: استحباب صلاة السنن الرواتب أيضا لكنها في الحضر آكد.
واستدلوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النوافل على راحلته في السفر حيث توجهت به، وبحديث أبي قتادة أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فناموا عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فساروا حتى ارتفعت الشمس، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ، ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم.
وجوز بعض الحنفية للمسافر ترك السنن، والمختار عندهم أنه لا يأتي بها في حال الخوف، ويأتي بها في حال القرار والأمن.
وعند الحنابلة يخير المسافر بين فعل الرواتب، وتركها إلا في سنة الفجر والوتر فيحافظ عليهما سفرا وحضرا.
وقالت طائفة: لا يصلي الرواتب في السفر وهو مذهب ابن عمر ثبت عنه في الصحيحين، قال حفص بن عاصم: صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاتة نحوـ تجاه ـ حيث صلى، فرأى ناسا قياما فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ قلت: يسبحون. قال: لو كنت مسبحا لأتممت صلاتي، يا ابن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين، حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
هذا وقال بعض الفقهاء بسقوط عدالة المواظب على ترك السنن الرواتب في غير السفر”.
[opic_orginalurl]