حاوره إسلام أحمد
أكد الدكتور وحيد عبدالسلام بالي، الداعية الإسلامي المعاصر في القارة السمراء، أنَّ إفريقيا دولة خصبة يدخل مواطنوها الإسلام أكثر من أي قارة أخرى.
وأوضح في حواره مع “الوعي الإسلامي” أن الداعية الكويتي الراحل الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله بذل جهودًا كبيرًة في نشر الإسلام في إفريقيا وترك آثارًا حميدة في كل ربوع القارة السمراء يسير عليها الدعاة المعاصرون حاليًا. وتطرق بالي إلى تجربته الدعوية، وإلى العقبات التي تصادف الدعاة هناك، إلى غير ذلك من التفاصيل التي نتعرف إليها في الحوار التالي.
* لك تجربة دعوية مثمرة في إفريقيا.. حدثنا عنها؟
في البداية، حينما فكرنا أن نتجه إلى دعوة غير المسلمين في إفريقيا انطلقنا من جمعية «تبليغ الإسلام»، التي تطبع الكتب الإسلامية بأكثر من 130 لغة وتوزعها مجانًا في كثير من دول العالم، وتلقينا رسالة من أحد أعضاء الجمعية في دولة ملاوي أوضح فيها أن عدد سكانها 15 مليونًا ونسبة المسلمين فيها قرابة 30% وإنهم أرسلوا هناك أحد الدعاة ودعا بعض الناس إلى الإسلام فأسلموا، وهو يُعلم المسلمين القدامى ويُعلم المسلمين الجدد، وطلب منا في رسالته الحضور لتعليم المسلمين أمور دينهم، وبالفعل ذهبنا إلى ملاوي.
وكنا في بداية الرحلة نصل إلى القرى التي فيها مسلمون وغير مسلمين ونلتقي بالمسلمين فقط ونعلمهم أمور دينهم، وفوجئنا بعدد من القرويين غير المسلمين يسألوننا عن الإسلام والمسلمين وموقف الإسلام من عيسى بن مريم، فنبين لهم أن الإسلام يؤمن بأن عيسى عليه السلام رسول من عند الله، فكانوا يتعجبون جدًا وكأنهم لأول مرة يسمعون هذه المعلومة، وكانوا يظنون أننا كمسلمين نكذب بعيسى كما أنهم يكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقلنا لهم بل نحن نؤمن بعيسى وجميع الرسل وأي مسلم لا يؤمن بعيسى عليه السلام لا يصح إسلامه، فكانوا يشعرون بالصدق في كلامنا وبفضل الله تعالى أسلم سبعة من الرجال، وكانت هذه أول مرة يسلم على أيدينا أحد هناك، مما أعطانا دفعة قوية بأن نناقش الناس ونكلمهم بالحكمة والموعظة الحسنة ونبين لهم ما يخفى عليهم من أمور الإسلام ونبين أنه من تمام إيمانهم بعيسى عليه السلام أن يؤمنوا بالنبي الذي بشر به عيسى. وفي خلال أسبوع من مرورنا على عدة قرى أسلم قرابة الألف شخص، وهذه الرحلة طُبعت في كتاب بعنوان «رحلتي إلى ملاوي وموزنبيق التي أسلم فيها ألف شخص».
وفي يومٍ خرجنا من الفندق إلى السوق والتقينا بالناس هناك فكلمناهم عن الإسلام، فأسلم 13 رجلًا وامرأة وحضروا إلى الفندق وعلمناهم الوضوء والصلاة، والمرأة هناك إذا أسلمت تطلب الحجاب مباشرة، فوزعنا عليهن الحجاب فسعدن جدًا به، فسألتُ أحد المترجمين: “لماذا تفرح المرأة بالحجاب هكذا؟”، قال لأن المرأة هنا فقيرة تستر نفسها به إذا خرجت وفي الليل تستخدمه غطاءً لأنها لا تملك شيئًا.
وجلسنا نضع إستراتيجية كاملة لكيفية العودة إلى دول إفريقيا بشيء من الترتيب والتنظيم والجهد الذي يجب أن يُضاعف، وأبلغنا بعض إخواننا من الدعاة ورجال الأعمال والتجار، وأنشأنا مؤسسات في 4 دول.
* بذلك، ما هي إستراتيجيتكم في الدعوة إلى الله؟
إذا أردنا أن ندخل قرية ننشئ فيها مؤسسة دراسية دعوية تعليمية بإدارة قانونية وفقًا لبلدها، وهذه البلاد مفتوحة جدًا وفيها حرية في جميع الأديان، فمن يُريد أن يدعو إلى الإسلام أو النصرانية أو اليهودية أو أي ديانة أخرى فالحرية مكفولة لهم وأينما كانوا.
درسنا هذه الدول فوجدنا أن لكل قرية سلطانًا عليها، فنتفق معه ليجمع الناس وندخل عليهم بالهدايا والمساعدات ثم نكلمهم عن الإسلام ومحاسنه ونتلقى منهم الأسئلة ونجيب عليها، ثم ندعوهم إلى الإسلام، يعتنقه البعض، ونخبرهم أن ديننا لا يُكْرِه أحدًا على الدخول فيه، بل لا بد أن يكون مقتنعًا، وأن الهدايا نوزعها على من أسلم ومن لم يسلم، لا نفرق حتى لا يطمع أحد ويعتنق الإسلام من أجل المساعدات، فيفرحون جدًا ويعرفون أننا منصفون.
ولا بد أن نقرر لمن أسلم مرحلة ثانية تكمن في المتابعة؛ حيث تعتمد على 4 أشياء لكل قرية: الأول استئجار بيت وجعله مسجدًا ومدرسة لتقام الصلاة من أول يوم، الثاني الإتيان بمدرس ليعيش معهم عامًا كاملًا يعلمهم دينهم ويؤمهم ويصلي بهم، الثالث حفر بئر للقرية إن لم يكن فيها بئر، الرابع بناء مسجد في القرية. ونعمل الآن في 4 دول: رواندا وأوغندا وتنزانيا وملاوي، وكل دولة اعتنق فيها عدد كبير من القرى الإسلام، وتقريبًا 950 قرية خلال الـ3 أعوام الماضية، وأنشأنا فيهم 950 مدرسة، وما زال التثبيت قائمًا.
وقد طبعنا كتبًا بلغات هذه البلاد، صفحة باللغة العربية وأخرى باللغة المحلية، ولا بد أن يكون المُعلم لهم من هذه البلاد، خريج الأزهر الشريف أو الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة أو خريج مركز من المراكز الإسلامية هناك؛ حيث يعلم لغتهم واللغة العربية فيشرح لهم، وأصدرنا كتبًا للمبتدئين في الإسلام في الفقه والعقيدة والسيرة والحديث، وطبعنا منهم أكثر من 190 ألف نسخة وتم توزيعها على المدارس القائمة، وما زالت القوافل الدعوية تجوب البلاد، والحكومات والمسؤولون متعاونون جدًا لأنهم يرون أننا إذا نزلنا قرية حفرنا بئرًا ونترك المسلمين وغيرهم يشربون منها، لأن الآبار هناك مهمة جدًا وليست هناك مصادر للمياه غيرها.
السميط.. آثار حميدة
* هل التجربة الناجحة للداعية الكويتي الراحل الدكتور عبدالرحمن السميط كانت دافعًا لمزيد من الجهد لك؟
مما لا يُشك فيه أن الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله بذل جهودًا كبيرًة في هذا المجال وأكثر منا عطاءً بكثير، لأنه استقر في إفريقيا بينما نحن نذهب أسبوعًا ونعود شهرًا أو أقل أو أكثر ونجعل موظفين قائمين على هذه المناطق، لكنه رحمه الله وكما قرأتُ عنه استقر هناك قرابة الـ25 عامًا، يسكن هناك 10 أشهر ويعود إلى الكويت شهرين فقط، مما جعله يقدم عطاءً أكثر، واستفدنا بلا شك من مؤسساته، فما نزلنا دولة من الدول إلا وجدنا له فيها مؤسسة تعمل على قدم وساق، وكان يعمل على عدة محاور: الطبي لكونه طبيبًا، فيبني المستشفيات ويعمل على المحور الدعوي وكذلك بنى جامعات ومدارس وحفر آبارًا وبنى مساجد، وله آثار حميدة ملموسة في معظم المناطق التي نزلناها في إفريقيا.
* وكيف ترى وضع الإسلام في إفريقيا في ظل وجودك داعية بها؟
إفريقيا دولة خصبة، والأفارقة يدخلون الإسلام أكثر من الأوروبيين؛ لعدة أسباب: أولًا قلة التشويه الإعلامي الموجود هناك، أمَّا في أوروبا فالتشويه الإعلامي للإسلام أكبر.
الأمر الثاني أن الرجل الإفريقي ينظر إلى العربي على أنه مثقف ومتعلم فيصغي إليه، بخلاف الأوروبي الذي ينظر إلى العربي نظرة أنه أقل منه في الثقافة فلا يصغي إليه بسهولة، الأمر الثالث أن الإفريقي ليست عنده دنيا يسعى إليها، والأوروبي قد يعلم أن الإسلام حق لكنه لا يعتنقه خوفًا على منصبه أو مكانته أو ماله وتجارته، أمَّا الإفريقي الفقير إن اقتنع بالإسلام اعتنقه وإن لم يقتنع لا يمكن أن يدخل مهما أغريته، وهو مؤدب جدًا في ذلك، فهذه الأسباب الثلاثة أعطت الدعاة حرية كاملة في عرض الإسلام بأسلوب طيب.
ومن الأشياء التي أثَّرت فينا أننا ذهبنا بعض القرى ونسألهم: “هل جاءكم أحد قبل ذلك ودعاكم إلى الإسلام؟”، قالوا: “لا، ما هو الإسلام؟”، كدتُ وقتها أن أبكي لأنه ما زال أناس على وجه الأرض لا يعلمون ما هو الإسلام، فينبغي أن نبلغ عنه بشتى الوسائل؛ أمَّا الهِداية فبيد الله سبحانه وتعالى، وكذلك دعونا إلى الإسلام في كنيسة، واعتنق راعيها الإسلام، وهذا يدل على أنه ليس هناك تعصب وأن الأمر حرية شخصية.
* وكيف تقيّم تجاوب الأفارقة مع الإسلام؟
الناس هناك ينتظرون من يُبيّن لهم الحقائق ولا يترددون في اعتناق الإسلام إذا عُرض عليهم بشكله النقي الصافي وأنه دين الصدق والسماحة والعفو والأمانة وبر الوالدين ونحو ذلك من الأخلاق الطيبة المباركة.
الدعوة بالرفق واللين
* حدثنا عن أهم مشايخك.. وماذا استفدت منهم؟
من العلماء الذين تتلمذت على أيديهم واستفدت منهم: الشيخ أبو بكر الجزائري، الواعظ بالمسجد النبوي الشريف، كذلك الشيخان ابن باز وابن عثيمين، والمحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمهم الله تعالى- وغيرهم من العلماء.
ومما لا شك فيه بعد أن أخذت العلم كنت أستفيد من طريقتهم في التدريس والفتاوى والمعاملات، ومن أهم الأشياء التي استفدتها الرفق واللين في الدعوة إلى الله والتماس العذر للمخالف في وجهة النظر، وأيضًا حسن الخلق مع الناس جميعًا وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ”، وكذلك تعلمتُ الصبر على طلب العلم ومحبة الخير للمسلمين جميعًا، وأن يبيت الرجل وليس في صدره شيء لمسلم، لأن هذا سبب من أسباب دخول الجنة، وغير ذلك من الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها العالِم مهما كان علمه كثيرًا، فإن فقد الأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة لن ينتفع الناس بعلمه، وإن فقد الرفق واللين مع العامة والطلاب على حد سواء فترى أن تأثيره في الناس يكون قليلًا.
* لك محاضرة عن “فضائل العلماء”.. ما أبرز هذه الفضائل من وجهة نظرك؟
هناك حقيقة تاريخية لا بد أن يعرفها الناس جيدًا، ولو عرفوها لأدركوا قيمة العلماء: كان بنو إسرائيل إذا مات النبي لا ينقادون إلا لنبي؛ فيبعث الله نبيًا بعده يقودهم إلى الله عز وجل، إلَّا هذه الأمة؛ فقد جعل الله النبي محمدًا ﷺ خاتم الأنبياء، وأقام العلماء مقام الأنبياء، فقال النبي: «العلماء ورثة الأنبياء»، فالعلماء ورثوا علم النبي ﷺ، فالعالِم قد يدعو الله وقد يصاب أو يضطهد أو يسجن أو غير ذلك، وتصيبه البلايا كما كان الأنبياء، فمن قُتِل ومن شُرِّد ومن عُذِّب وغيره، لو نظرنا إلى العالم هذه النظرة لوجدنا أن العالِم يستحق الاحترام والتقدير.
العالم يترك أهله وزوجه وتجارته وأشياءه ويسعى إلى تعليم الناس مجانًا لوجه الله لا يريد جزاءً ولا شكورًا، بينما يصبح الآخرون من أهل الدنيا ويمسون على تجارتهم وهمومهم وهموم أولادهم، أمَّا العالم فيمسي ويصبح على هموم الآخرين، فهمومه هي هموم الأمة، ومن هنا نعلم أن العلماء لهم قدر عظيم عند الله، ولذلك قال النبي: «معلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر».
* إلى أي مدى ترى أهمية الدعاة في توضيح تطورات الواقع مع الإبقاء على ثوابت الشرع؟
العالم يجب أن يفهم الواقع قبل أن يُصدر الفتوى، وعلماء الأصول يقولون إن «الفتوى فرع التصور، فلا بد أن يتصور الإنسان الواقعة تصورًا جيدًا ثم يفتي، فإن لم يستطع التمكن من هذا التصور فيكفيه قول: لا أدري»، فلو أن عالمًا من العلماء سُئل عن مسألة وهو لا يعرف الواقع فيها فعليه أن يسأل أهل الاختصاص، فمثلًا لو سُئل عن حكم زراعة الكبد وهو لا يعرف كيف تتم الزراعة فلا يجوز له أن يفتي، وعليه أن يسأل طبيبًا متخصصًا فيشرح له كيفية الزراعة تمامًا وما هي المضاعفات إلى آخره، وبناء على هذه التصورات يستطيع أن يفتي بالجواز أو عدمه.
وسائل الدعوة
* نشهد حالة من الدعوة لتجديد الخطاب الديني.. ما هي وسائل الدعوة في هذا العصر الحديث؟
وسائل الدعوة في العصر الحديث كثيرة ومتشعبة، وينبغي أن يستثمر كل مسلم وسيلة من هذه الوسائل المتاحة للدعوة إلى الله، فمن يستطع أن يدعو عبر خطب الجمعة فليفعل، أو من خلال المحاضرات أو الصحف والمجلات وتأليف الكتب وعبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«واتس آب» و«يوتيوب» وغيرها، فهذه الوسائل الحديثة الآن أصبحت تجوب الأرض كلها ويستطيع العالم أن يلقي المحاضرة عشر دقائق مركزة يبثها على وسائل التواصل يسمعها الملايين، فينبغي أن تستثمر هذه الوسائل في الدعوة إلى الله قدر الإمكان لإيصالها إلى المسلمين أجمعين في شتى أنحاء العالم، وكذلك إلى غير المسلمين، وهناك أناس يسلمون عبرها.
* مَنْ أكثر الفئات التي تهتم بها في دعوتك؟
ينبغي أن تكون دعوتنا شاملة لكل الفئات، للرجال والنساء والشباب، لكن أرى التركيز على الشباب خاصة لأنهم عماد المجتمع ويستطيعون أن يتحركوا بهذه الدعوة، وبعدهم مباشرة نركز على النساء لإعداد داعيات مسلمات عالمات يقمن بالدعوة في المجتمع النسائي، لأن المرأة قد تؤثر على زوجها وأبنائها، بل إنها كما قال البعض: «المرأة تلد نصف المجتمع وتربي لنا النصف الآخر، فهي المجتمع بأسره».
* أسلم على يديك كثيرون.. فما الصفات التي ينبغي أن تتوفر في الداعية الذي يقوم بنشر الإسلام؟
إذا أراد الداعية أن تكون دعوته ناجحة، لا سيما إذا كان يتعرض إلى دعوة غير المسلمين، فعليه بأمور أولها سعة الصدر والسماع من المخالف حتى ينتهي من إلقاء حجته كاملة، الثاني الإخلاص، فإن العمل القليل مع الإخلاص له ثمرة عظيمة جدًا، الثالث يكمن في أن يكون العمل ذا إستراتيجية منظمة ومركبة، بمعنى أن العمل المؤسسي أكثر أثرًا من العمل الفردي، وهناك أيضًا ما يكمن في معرفة المجتمع بعاداته وتقاليده قبل أن يدخل فيه، فنقوم بدراسة كاملة على النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وجميع الأعراف ونفسيات المجتمع.
ــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: الوعي الشبابي.
[ica_orginalurl]