أجرت الحوار: أمينة سعيد
بعد نجاح المؤتمر العلمي الدولي “أزمة الفهم وعلاقتها بظاهرة التطرف والعنف” الذي عقدته وزارة الأوقاف والشئون الدينية في غزة، في الفترة ما بين 8-9 جمادى الآخرة 1438ه الموافق 7 – 8 مارس 2017م، بالاشتراك مع كلية أصول الدين في الجامعة
الإسلامية مساهمة منهما في دراسة المشكلة ووضع الحلول المناسبة؛ حيث أضحت أزمة الفهم من أخطر الظواهر التي تعصف بالمجتمعات. ولمَّا كان سوء فهم النصوص وأقوال العلماء من أخطر أسباب هذه الظاهرة، كان لزاماً على المثقفين في المجتمع أن يتداعوا من أجل معالجة هذه الظاهرة، ووضع حدٍ لها، والعمل على نشر الفهم الصحيح للإسلام.
موقع “مهارات الدعوة” حرص على تسليط الضوء على أحد أهم الأبحاث التي قدمت في هذا المؤتمر الذي حمل عنوان “سوء الفهم في تطبيق الشريعة الإسلامية وأثره في نشر التطرف والعنف” للباحث الأستاذ عبدالقادر الشطلي؛ حيث كان لنا معه هذا الحوار الذي أكد فيه أن أهمية البحث تكمن في تسليط الضوء على أخطر قضية من القضايا التي يرتكز عليها الغلاة والمتطرفون، التي يعتمدون عليها في تكفير علماء الأمة وجماهيرها..
فإلى تفاصيل الحوار:
س1. بداية نبارك لكم هذا النجاح وندعوكم للحديث عن بدايات البحث من حيث الفكرة وأهميتها؟
شكرا لك أختي الفاضلة على إجراء هذا الحوار معي حول بحثي المقدم في المؤتمر العلمي الدولي “أزمة الفهم وعلاقتها بظاهرة التطرف والعنف”، وشكرا لاهتمامك به.
بالنسبة للإجابة على سؤالك المطروح أقول: إن فكرة البحث تقوم على ما يعانيه الشباب المتحمس للدين وتطبيق الشريعة من سوء فهم للشريعة الإسلامية وكيفية تطبيقها، والمناخات المناسبة لإقامة الحدود، وما يكتنف ذلك من شبهات والرد عليها وتفنيدها، وتكمن أهمية هذا البحث في تسليط الضوء على أخطر قضية من القضايا التي يرتكز عليها الغلاة والمتطرفون، والتي يعتمدون عليها في تكفير علماء الأمة وجماهيرها.
أما عن بدايات البحث والكتابة فيه فترجع إلى زمن الإعلان عن المؤتمر الذي أعلنت عنه وزارة الأوقاف والشؤن الدينية بالاشتراك مع كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة، وكان يشتمل على عدة محاور ولكل محور عناوين متعددة، وقد اخترت منها عنوان هذا البحث، وذلك لأن التفكير في الكتابة في هذا الموضوع كان يراودني من قبل، فاغتنمت الفرصة للكتابة فيه.
س2. برأيكم لماذا حصل بحثكم على المركز الأول؟ وما ملخص البحث المعد؟
الفضل أولا وأخيراً لله عز وجل الذي أعانني على كتابة هذا البحث ووفقني إلى الفوز والنجاح {وما توفيقي إلا بالله}، وقد ذكر المحكمون بعض ميزات البحث في تقييمهم؛ حيث قالوا: “إن البحث من الموضوعات المهمة، وإنه أصل في موضوعه، وعالج موضوعا حساسا في المجتمع، والبحث شيق في أسلوبه، وطريقة عرضه، وامتاز بمنهجية واحدة من حيث الترتيب، وأهداف البحث واضحة، وقد تمكن الباحث من تحقيقها من خلال كتابته للبحث، ولغة البحث ممتازة من حيث صياغة المعلومات، ويكاد يخلو من الأخطاء اللغوية، كما أن الباحث اتصف بالأمانة العلمية من حيث توثيق المعلومات من مصادرها، وقد توصل الباحث إلى نتائج مفيدة وجيدة ومتناسبة مع ما قرره من معلومات”.
هذا ما قاله المحكمون عن البحث والباحث، وأسأل الله العظيم أن أكون عند حسن الظن.
أما ملخص البحث فقد جاء في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة.
بالنسبة للمقدمة تحدثت فيها عن أهمية الموضوع وخطورته والدوافع التي دفعتني لاختياره، والكتابة فيه. أما المباحث الأربعة فهي:
المبحث الأول: كان بعنوان “مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية”، وقد تحدثت فيه عن عموم وشمول الشريعة الإسلامية لكافة جوانب الحياة ومجالاتها المختلفة، ثم تحدثت عن الفرق بين الشريعة الإسلامية كأحكام شرعها الله لعباده، وتطبيقها الذي هو تنزيل هذه الأحكام على الواقع، وأنه في بعض الظروف والأحوال يكون إيقاف الحد تطبيقا للشريعة.
أما المبحث الثاني فكان بعنوان “مكانة الحدود في الإسلام”، وقد تحدثت فيه عن أهمية الحدود وإقامتها، وتحدثت عن العلاقة بين الشريعة والحدود، وأن الحدود ما هي إلا جزء يسير من الشريعة الإسلامية، وعليه لا يجوز أن نقزم الإسلام ونحشره في الحدود فقط، وكأن الإسلام هو الحدود لا غير، وأن الذي لا يطبق الحدود لا يطبق الإسلام ولا يطبق الشريعة، كما أن الحدود قبل أن تقام وتطبق لا بد أن تتوفر لها المناخات المناسبة لتطبيقها، ولا بد أن يسبق ذلك خطوات.
أما المبحث الثالث: فكان بعنوان “معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية وموانعه”، وقد قسمت المعوقات إلى قسمين: الأول معوقات عامة تشترك فيها جميع بلدان العالم الإسلامي، والثاني معوقات خاصة تنطبق على واقع المجتمع الفلسطيني وعلى وجه الخصوص قطاع غزة الحبيب.
أما المبحث الرابع: فكان بعنوان “التدرج في التطبيق لا التدرج في التشريع”، وقد تحدثت فيه عن مفهوم التدرج وأدلة مشروعيتها، ثم تحدثت عن التدرج عند سلف الأمة وعلمائها، ثم تحدثت بعد ذلك عن الحكمة من مشروعية التدرج وضوابطه، وقد أشرت في آخر ضوابط التدرج إلى أن التدرج يستلزم وجود رؤية واضحة نحو الأهداف والغايات مع مراعاة المرحلة المعيشة، واتخاذ الوسائل والتدابير اللازمة لتحقيق الهدف المنشود.
ثم ختمت البحث بذكر النتائج التي توصلت إليها من خلال كتابتي له، ثم أردفت النتائج بالتوصيات
س3. كم بحثا علميا أجريته؟ وما العوائق التي منعت ضيفنا من البحث العلمي؟
لي أبحاث كثيرة بعضها مطبوع ومنشور والبعض الآخر لم ينشر بعد، فمن الأبحاث التي طبعت ونشرت “حكم الإسلام في التحالف ودخول البرلمان”، وبحث آخر عن الخمر بعنوان “كأس الموت” في منتصف التسعينيات، وأيضا هناك أبحاث حكمت تحكيماً علمياً منها بحث بعنوان “القرضاوي فقيه الوسطية ومكافحة الغلو” وقد قدم إلى مؤتمر جهود د. يوسف القرضاوي في خدمة الإسلام ونصرة القضية الفلسطينية الذي عقدته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – أكتوبر 2010م وهناك بحث آخر بعنوان “مفهوم دار الحرب ودار الإسلام وعلاقته بالتكفير” بالاشتراك مع د. يوسف على فرحات مدير عام الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف، وقدم إلى المؤتمر الدولي “أزمة الفهم وعلاقتها بظاهرة التطرف والعنف”.
س4. كيف اخترت عنوان البحث؟ وما النتائج والتوصيات التي خلص لها البحث؟
عندما أعلن عن المؤتمر ومحاوره وعناوينها وموضوعاتها وقع اختياري على هذا الموضوع بناءً على رغبتي السابقة في الكتابة في هذا الموضوع كما سبق أن أشرت في الإجابة عن السؤال الأول.
أما عن النتائج والتوصيات فكانت على النحو التالي:
النتائج: أولاً – أن الذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في غزة عليهم أن يفرقوا بين الشريعة بمفهومها الشامل للإسلام كله، التي تقوم الحركة الإسلامية –خاصة الحكومة في غزة – بالعديد من جوانب الشريعة الإسلامية، وبين الحدود والتي تمثل جزءاً بسيطاً من الشريعة الإسلامية بمفهومها الواسع.
ثانياً – إن جنوح بعض الشباب الغيورين على الإسلام إلى الغلو والتطرف راجع إلى عدم تفريقهم بين الشريعة كوحي منزل من عند الله وبين التطبيق كفعل بشري اجتهادي من جانب آخر، وسوء فهمهم للواقع، وما يكتنفه من معوقات وموانع تعيق أو تمنع من تطبيق الحدود، وسوء فهم النصوص وتنزيلها على الواقع.
ثالثاً – إن الحكمة من تشريع الحدود هي زجر الناس وردعهم عن اقتراف الجرائم، وصيانة المجتمع عن الفساد والتطهر من الذنوب، وأنها السبيل الأنجح في القضاء على الجريمة وقطع دابرها.
رابعا- على الرغم من أهمية تطبيق الحدود في زجر الناس وردعهم عن ارتكاب الجريمة، وصيانة المجتمع عن الفساد، إلا أن الإسلام لا يحرص حرصاً شديداً على تطبيقها، وأن منهج الإسلام قائم على مبدأ الستر على غير المجاهر بالمعصية ودرء الحدود بالشبهات الكثيرة اللذين يؤديان إلى ندرة العقوبة، وأن الحالة الوحيدة التي تستوجب تطبيق الحد على المجرم هي حالة المجاهرة لما فيها من تعدٍّ صارخ على حدود الله عز وجل، وتحدِّ لمشاعر المسلمين.
خامساً– إن تطبيق الحدود في ظروف مثل ظروف الحكومة في غزة، لا بد أن تسبق بخطوات ومراحل قبل الإعلان عن تطبيق الحدود ومباشرتها فعلاً على الجناة، من العمل على إيجاد مجتمع يحيا بالإسلام وللإسلام، والعمل الجاد على حل كآفة المشكلات التي يعاني منها المجتمع من فقر وبطالة، وجهل ومرض وإسكان وغلاء… إلخ، وتهيئة المجتمع لقبول الحل الإسلامي، وتطبيق الحدود وذلك من خلال الوعظ والإرشاد واستخدام كافة الأساليب التي تساعد على ذلك من تربية وتثقيف وإعلام، وسد لأبواب الفساد ومنافذ الجريمة، ومن ثم الإنذار المسبق وتحذير العصاة والجناة من مغبة اقتراف جرائم الحدود، وأن من يبدي صفحته للناس ويجاهر بالمعصية سيقع تحت طائلة العقاب.
سادساً – عند اتباع سنة التدرج في التطبيق لا التشريع لا بد من وضع خطة شاملة ومتكاملة، وواضحة المعالم وبينة الخطوات، كل خطوة منها تسلم للأخرى حتى تصل الحكومة في نهاية المطاف إلى آخر هذه الخطوات وهي تطبيق الحدود على الجناة، لا أن نتخذ من كلمة “التدرج” تكأة لتمويت فكرة المطالبة الشعبية الملحة بإقامة حكم الله، وتطبيق شرعه.
سابعاً– إن اتباع سنة التدرج في تطبيق الحدود، والأحكام الشرعية لا يعني ترك الناس فوضى بلا قانون، وأن الاستمرار في تطبيق القوانين الوضعية –التي هي من قبيل العقوبات التعزيرية التي لا تختلف كثيراً عن العقوبات التعزيرية في الإسلام– إنما هو من قبيل اتباع قاعدة: أهون الشرين، وأخف الضررين، لأنه إما أن يترك الناس بلا قانون، وإما أن نستمر على ما ورثناه من قانون وضعي لم نشارك أساساً في سنه ووضعه، وأظنُّ أنه لا يقول عاقل بأن نترك الناس بلا قانون يحكم حياتهم وتصرفاتهم، إلى أن تسنح الفرصة إلى تغيير هذه القوانين، وصبغها بالصبغة الإسلامية.
التوصيات:
1- أدعو القائمين على الحكم إلى وضع خطة واضحة المعالم للتدرج، وألا تكون الدعوة إلى التدرج -على حد تعبير الدكتور القرضاوي- تكأة لتمويت فكرة المطالبة الشعبية الملحة لإقامة حكم الله وتطبيق شرعه.
2- أدعو الدعاة إلى الله وكذلك العلماء إلى القيام بواجبهم تجاه شباب الصحوة الإسلامية، والعمل على توعيتهم وتبصيرهم بالأمور، وإقناعهم بتبني الفكر الوسطي والابتعاد عن الغلو والتطرف.
3- أدعو الشباب الغيورين على دينهم والداعين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية إلى سعة الاطلاع، والعمق في فهم النصوص الشرعية عند تنزيلها على الواقع والبعد عن السطحية في فهم النصوص.
4- أدعو المؤسسات العلمية كالجامعات والكليات الشرعية إلى الاهتمام بموضوع الغلو والتطرف، وتحذير طلبة العلم من الجنوح إليه، وتبصيرهم بالمخاطر المترتبة على ذلك.
5- أدعو وسائل الإعلام بكافة أنواعها المسموعة والمرئية والمكتوبة للقيام بواجبها تجاه أبناء الصحوة الإسلامية، والابتعاد عن نشر ما من شأنه أن يستفز مشاعر المسلمين.
س5. في تقديرك من المستفيد من كل هذه الأبحاث؟ وما الفائدة التي تعود على القارئ من بحثكم المميز؟
المستفيد من هذه الأبحاث القارئ الكريم وعلى وجه الخصوص أبناء الصحوة الإسلامية، أما بالنسبة للفائدة التي تعود عليهم تكمن في الرد على الشبهات التي يثيرها أهل التطرف والغلو.
س6.هل أنت راضٍ عما قدمته في هذا البحث؟ ومن المحفز لك على إجراء تلك الأبحاث؟
نعم أنا راضٍ عما قدمته في هذا البحث ولله الحمد والمنة، وأما الحافز على إجراء تلك الأبحاث، فهو رغبتي منذ الصغر في الكتابة والبحث من جانب، وإفادة أبناء الصحوة الإسلامية وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم من جانب آخر.
س7.ما أثر تقديم الداعية لهذه البحوث واشتغاله بها؟
لا شك أن هذه البحوث والاشتغال بها من قبل الداعية لها الأثر الكبير على أبناء الأمة الإسلامية؛ حيث تساهم في نشر الوعي وتصحيح الأفكار والمفاهيم المنحرفة لديهم.
س8. ما العوائق التي واجهتك قبل وأثناء وبعد إجراء أبحاثك العلمية؟
الحمد لله رب العالمين لم تكن هناك أي عوائق لا قبل ولا بعد إجراء تلك الأبحاث سوى بعض المشاغل والضغوطات التي كانت تطفو على السطح فجأة فتعيقني أحيانا عن الاستمرار في الكتابة، وإنجاز الأبحاث في مدة وجيزة.
[ica_orginalurl]