قال ابنُ عطاء الله يرحمه الله: الرضا هو سُكون القلب إلي قديم اختيار الله للعبد.. أنه اختار له الأفضل، فيرضي به. والرضا ثمرة من ثمار المحبَّة، وهو من أعلي مقامات المقرّبين، وحقيقة غامضة علي الأكثرين…
(مقتطف من المقال)
إعداد/ فريق التحرير
الرضا مصدر رضي يرضى وهو مأخوذ من مادّة (ر ض و) الّتي تدلّ على خلاف السّخط. وفي حديث الدّعاء: (اللهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك).
وقوله عزّ وجلّ: “رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ” (البيّنة:8) معناه أنّ الله تعالى رضي عنهم أفعالهم ورضوا عنه ما جازاهم به.
وقال الرّاغب: رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرا بأمره ومنتهيا عن نهيه. وأرضاه: أعطاه ما يرضى به. وترضّاه طلب رضاه
والرضا ضد السخط، ويُراد به: تقبُّل ما يقضي به الله ـ عز وجل ـ من غير تردد، ولا معارضة.
وقال الإمام الجنيد يرحمه الله: الرضا: هو صحة العلم الواصل إلي القلب، فإذا باشر القلب حقيقة العلم، أدّاهُ إلي الرضا.
وقال ابنُ عطاء الله يرحمه الله: الرضا: هو سُكون القلب إلي قديم اختيار الله للعبد.. أنه اختار له الأفضل، فيرضي به. والرضا ثمرة من ثمار المحبَّة، وهو من أعلي مقامات المقرّبين، وحقيقة غامضة علي الأكثرين.
أما المعنى الاصطلاحي للرضا
فهو سرور القلب بمرّ القضاء. وقيل: الرّضا ارتفاع الجزع في أيّ حكم كان، وقيل الرّضا هو صحّة العلم الواصل إلى القلب. فإذا باشر القلب حقيقة العلم أدّاه إلى الرّضا.
وقيل استقبال الأحكام بالفرح. وقيل: سكون القلب تحت مجاري الأحكام. وقيل: نظر القلب إلى قديم اختيار الله للعبد فإنّه اختار له الأفضل. وهو ترك السّخط.
أنواع الرضا:
والرضا يعده أهل العلم على نوعين:
أحدهما: الرضا بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ويتناول هذا النوع ما أباحه الله من غير تعد إلى المحظور كما قال سبحانه وتعالى: “اللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ” (التوبة:62)، وقال تعالى: “وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ” (التوبة:59)، وهذا النوع من الرضا واجب، والدليل على وجوبه ما ورد في القرآن الكريم من ذم تاركه كقوله سبحانه وتعالى: “وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ*وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ” (التوبة:58-59).
والنوع الثاني: الرضا بالمصائب كالفقر والمرض والذل.
أقسام الرضا
الرِّضا قسمان: رضا من العبد بالله، ورضا من الله عن العبد، وقد بيَّن سبحانه أعمالًا يرضاها عن العبد كالإسلام والاستجابة للرَّسول، والبراءة من الكفار، وطلب مرضاة الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق، وغيرها، وأمَّا رضا العبد بالله أن يرضى به ربَّا، ويرضى بشرعه، وحكمه.
أصناف العباد الذين رضي الله عنهم في القرآن وهم:
-المُتَّقون: “قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ” (آل عمران:15).
-الصادقون: قَالَ اللَّهُ تعالى: “هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (المائدة:119).
-المؤمنون، والمهاجرون، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم: “يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ” (التوبة:21).
-المؤمنون والمؤمنات الآمرون بالمعروف، والنَّاهون عن المنكر المقيمون الصَّلاة والمؤتون الزَّكاة: “وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (التوبة:72).
-المهاجرون والأنصار: “وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (التوبة:100).
-مَنْ لَجأَ وفَرَّ إلى الله –عزَّ وجلَّ- واستجاب لأوامره: “وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى” (طه:84) فموسى عليه السَّلام – ذهب لميعاد ربِّه شوقًا لمناجاة الله، فهو نبيٌّ يعلم أنَّ تلك العجلةَ تُرضي اللهَ –عزَّ وجلَّ-، فهذا موضعٌ للعجلة لا يُذَمُّ.
-مَنْ شكرَ اللهَ –عزَّ وجلَّ- فاللهمَّ أعِنَّا على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك: “وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ” (الزمر:7).
-أصحاب بَيْعة الرِّضوان من الصَّحابة الكرام: “لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا” (الفتح:18).
-النفس المُطْمئنَّة الآمنة من العذاب: (نفس المؤمن عند الوفاة وقبض الرُّوح): “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً” (الفجر:27، 28).
-الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات، وصفهم الله بأنَّهم خير البريَّة: “جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ“. (البيِّنة:8).
من الآثار الواردة في الرضا
1) قال لقمان لابنه: أوصيك بخصال تقرّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت).
2) كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما-: أمّا بعد، فإنّ الخير كلّه في الرّضى، فإن استطعت أن ترضى وإلّا فاصبر).
3) عن مالك بن أنس- رحمه الله- قال بلغني أنّ رجلا من بعض الفقهاء كتب إلى ابن الزّبير رضي الله عنهما- يقول: ألا إنّ لأهل التّقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، من رضي بالقضاء، وصبر على البلاء، وشكر على النّعماء، وصدق باللّسان، ووفّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن، وإنّما الإمام سوق من الأسواق، فإن كان من أهل الحقّ حمل إليه أهل الحقّ حقّهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم.
4 (قال عبد الله بن المبارك: قال داود لابنه سليمان عليهما السّلام: يا بنيّ، إنّما تستدلّ على تقوى الرّجل بثلاثة أشياء: لحسن توكّله على الله فيما نابه، ولحسن رضاه فيما آتاه، ولحسن زهده فيما فاته).
الفرق بين الرضا والصبر
الفرق بين الصبر والرضا في التعريف؛ فالصبر هو أن يمنع الإنسان نفسه من فعل شيء، أو قول شيء يدل على كراهته لما قدره الله، ولما نزل به من البلاء، فالصابر يمسك لسانه عن الاعتراض على قدر الله، وعن الشكوى لغير الله، ويمسك جوارحه عن كل ما يدل على الجزع وعدم الصبر، كاللطم وشق الثياب وكسر الأشياء وضرب رأسه في الحائط وما أشبه ذلك .
أما الرضا فهو صبر وزيادة، فالراضي صابر، ومع هذا الصبر فهو راضٍ بقضاء الله، لا يتألم به .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (في الصبر: يتألم الإنسان من المصيبة جدا ويحزن، ولكنه يصبر، لا ينطق بلسانه، ولا يفعل بجوارحه، قابض على قلبه، موقفه أنه قال: (اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها)، (إنا لله وإنا إليه راجعون).. أما في الرضا: تصيبه المصيبة، فيرضى بقضاء الله.. والفرق بين الرضا والصبر: أن الراضي لم يتألم قلبه بذلك أبدا، فهو يسير مع القضاء (إن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له)، ولا يرى الفرق بين هذا وهذا بالنسبة لتقبله لما قدره الله عز وجل، أي إن الراضي تكون المصيبة وعدمها عنده سواء. انتهى) من “مجموع فتاوى ابن عثيمين”.
من فوائد الرضا
* يثمر محبّة الله ورضاه وتجنّب سخطه.
* دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
* الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
* مظهر من مظاهر صلاح العبد وتقواه.
* الوعد بالبشرى في الآخرة.
* دليل حسن ظنّ العبد بربّه.
* طريق إلى الفوز برضوان الله تعالى.
* يضفي على الإنسان المسلم راحة نفسيّة وروحيّة.
* يجنّب المسلم الأزمات النّفسيّة من قلق زائد وتوتّر.
* طريق واضح إلى تحقيق السّلام الاجتماعي.
ورضا الله عن العبد منزلةٌ عظيمةٌ لا تحتاج إلى مزيد علم، ومواعظ وخطب بقدر ما تحتاج إلى إخلاص ويقين وقلب صادق بتوفيق من الله ورحمة يهيِّئ الله للعبد وسائل تعينه لبلوغ هذه المنزلة العظيمة، فكلُّنا يستطيع ذلك متى ما استشْعرنا ذلك الفضل، وأبواب رضا الله كثيرةٌ، وعلى سبيل المثال هذا الحديث الصحيح: عن أنس -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم -: (إنَّ اللهَ لَيَرضى عن العبد أنْ يأكلَ الأَكلْة، فيَحمَده عليها، أو يشربَ الشَّربةَ، فيحمَده عليها)؛ رواه مسلم. فكم مرةً نشرب أو نأكل في اليوم ونحمَدُ الله بعد كلِّ شرابٍ وطعامٍ مستشعرين هذا الفضلَ العظيمَ؟!
نسألُ اللهَ العليَّ العظيمَ أن يجعلَنا ممَّنْ رضيَ واستسْلم،َ وانقادَ لأمره، وما قدَّره وكتبه، وأن يرضى عنَّا، ويتجاوزَ عن تقصيرنا، وأن يجعل ما تعلَّمناه حجة لنا لا علينا.
____________________________________
المراجع:
*رابطة العلماء السوريين – المجلس الإسلامي السوري
[opic_orginalurl]