سورة الحديد سورة مدنية، وهي السورة القرآنية الوحيدة التي تحمل اسم عنصر من العناصر المعروفة لنا، والتي يبلغ عددها خمسة ومائة (105) عنصر.
ومما يلفت انتباه قارئ القرآن اختيار هذا العنصر بالذات اسمًا لهذه السورة، التي تدور حول قضية إنزال الحديد من السماء، وبأسه الشديد، ومنافعه للناس، يقول عز من قائل: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحديد:25).
كيف أُنزل الحديد ؟
تؤكد الآية الكريمة السابقة أن (الحديد) قد أُنزل إنزالًا، كما أُنزلت جميع صور الوحي السماوي، وأنه يمتاز ببأسه الشديد، وبمنافعه العديدة للناس، وهو من الأمور التي لم يصل العلم الإنساني إلى إدراكها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن الميلادي العشرين.
والآية التي نحن بصددها تثير بعض الأسئلة: كيف أُنزل هذا المعدن؟ وما هو وجه المقارنة بين إنزال وحي السماء وإنزال الحديد؟ ذلك أن الله قال في الآية نفسها: “وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ” “وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ“. وما هو بأسه الشديد؟ وما هي منافعه للناس؟
والجواب على هذه الأسئلة يستدعي بداية بيان الدلالة اللغوية لمعنى (الإنزال)، فنقول: (النزول) في الأصل: هو هبوط من علو، يقال: نزل ينزل نزولًا ومنزلًا: بمعنى حلَّ يَحُلُّ حلولًا؛ والمنْزَل، بفتح الميم والزاي: النزول بالمكان، والحلول فيه.
قال تعالى: “وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ” (المؤمنون:29)، و(إنزال) الله تعالى نعمه ونقمه على الخلق: إعطاؤهم إياها، وقوله سبحانه: “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ” (النجم:13)، قال المفسرون: إن “نَزْلَةً” هنا تعني: مرة أخرى.
وقد ورد ذكر معدننا العجيب في القرآن الكريم في ست آيات، جاءت وفق التالي: قوله سبحانه: “قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا” (الإسراء:50). قوله عز وجل على لسان ذي القرنين: “آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ” (الكهف من الآية:96).
قوله تعالى في وصف عذاب الكافرين: “وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ” (الحج:21). قوله عز من قائل في وصف داود عليه السلام: “وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ” (سبإ من الآية:10).
قوله جلَّ وعلا: “لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ” (ق:22). قوله تعالى: “وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ” (الحديد:25).
وتفيد الدراسات العلمية أن التركيب الكيميائي لأرضنا يصل إلى (35.9%) من مجموع كتلة الأرض، المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن، وعلى ذلك، فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طن، ويتركز الحديد في قلب الأرض، أو ما يُعرف باسم لب الأرض، وتصل نسبة الحديد فيه إلى (90%) ونسبة النيكل -وهو من مجموعة الحديد- إلى (9%) وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى (5.6%) في قشرة الأرض.
وإلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين المنصرم، لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور، أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلى الأرض من السماء إنزالًا حقيقيا!
فكيف أنزل؟ وكيف تسنى له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلى لبها؟ وكيف شكل كلًا من لب الأرض الصلب ولبها السائل على هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل، يحيط بها وشاح منصهر من التركيب نفسه، ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة؟
أسئلة مختلفة.. وإجابات مدهشة ستتبين لنا في سياق الجزء الثاني من المقال بمشيئة الله تعالى>>>
____________________________________
المصدر: بتصرف يسير في العنوان والمتن عن موقع طريق الإسلام
[ica_orginalurl]