أجرت الحوار: أ. أمينة سعيد
عرف علماء الجودة بشكل عام مفهوم الجودة بأنها إتقان الأداء في كل نواحي الحياة، والمتأمل لكتاب الله يجد أن مفهوم الجودة مفهوم أساسي ومنهج شرعي لحياة المسلم في كل الجوانب.
فديننا الإسلامي حث على الجودة، ودعا لها، وارتبط مصطلح الجودة في القرآن الكريم بكثير من المفردات، من هذا المنطلق نرى أن امتثال الدعاة بالجودة الشخصية يقوي من عزيمتهم ويساهم في نشر رسالتهم لأنهم ورثة الأنبياء فهم شموع تنير طريق الحق أمام الناس.
للتعرف أكثر على الجودة وفوائدها, وأبعادها وطرق تعزيزها بادر موقع “دعوتها” في طرح قضية الجودة الشخصية في فن الدعوة على طاولة الحوار التالي:
* بداية لنتعرف على ضيفتنا في السطور الأولى..
– لطيفة عمر محمد حمدان، خريجة كلية الشريعة والقانون، قسم الشريعة الإسلامية وكلية التربية ومعهد إعداد القادة للتنمية البشرية وداعية في المساجد والجامعات .
* حديثنا اليوم يتناول قضية مهمة جداً وقد يغفل عنها البعض وهي الجودة الشخصية في فن الدعوة.. ما المقصود بهذا المصطلح؟
– أتت فكرة طرح موضوع الجودة الشخصية من خلال نظرتنا للعديد من الأشخاص، قد يكونون ناجحين في بعض أمور حياتهم ولكنهم في الأغلب يعانون في حياتهم مع الآخرين.
فالجودة تسمح للإنسان بتحديد الجوانب الإيجابية، وتجنب نقاط الضعف في حياته, فإذا كان الإنسان حريصا على الجودة في حياته فسيحاول تصحيح كل أخطائه إضافة إلى التغيير في معاملته مع الآخرين وسلوكه تجاههم, وفي عبادته مع الله عز وجل في كل كبيرة وصغيرة في حياته.
وتعد الجودة منظومة متكاملة في شخصية الإنسان, وهي تعني أن يتمتع الإنسان بكل ما يميزه عن الآخرين إيجابيا.
* ما الهدف من وجود الشخصية الدعوية عالية الجودة؟
– الهدف من الوصول إلى شخصية دعوية عالية الجودة هو الارتقاء، خصوصا أننا نرى ما يحدث من حولنا ونراقب عن كثب ما يدور في المجتمع، وخاصة بُعد البعض عن الإسلام رغم أن مظهرهم يعكس غير ذلك لكن أفعالهم وأعمالهم وسلوكياتهم مع الآخرين تكون بعيدة كل البعد عن الإسلام، وهذه الأصناف نسيت قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الدين المعاملة، وأن الخشوع لا يرتبط في السلوكيات والحركات التي نؤديها من صلاة وصيام وزكاة، وإنما هو الارتباط بهذا الكون بالإحسان بطيبة القلب بالحب والحنان ومن خلال إدخال السرور على الآخرين.
وهدف الجودة الارتقاء بالأخلاق الرفيعة للإنسان, وقدوتنا في ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد كان أكثر الناس هماً ولكنه أكثر الناس تبسماً، لذا علينا أن نتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في حياتنا، وحينها سنتمكن من صنع داعية عالي الجودة يقتدي به الجميع، فإذا كان الداعية إنسانا صادقا فسيشعر الجميع بصدقه، وإذا كان منافقاً فإن المدعو سيشعر بذلك أيضاً.
* ما أهمية الجودة في حياة الداعية؟ وما تأثيرها على مسيرتها الدعوية؟
– وجود الجودة في حياة الداعية تعمل كمنبه، وهي عبارة عن بوصلة لعموم الناس يتجهون حيث اتجه الداعية وينير لهم الطريق، لذلك كان خطأ الداعية أكبر وأكثر عقاباً من الناس.
وعلى كل داعية أن يحسن في دعوته ويهتم بالمدعوين لأن مصير كل المدعوين معلق به، ومن يتهرب من المسؤولية نذكره بأنه مكلف من الله عز وجل، وعليه أن يصحح هذه الصورة، وأن يحافظ على هذا المنبر “منبر رسولنا صلى الله عليه وسلم”.
وفيما يتعلق بالتأثير فيرتبط بأفعال الداعية إنْ أراد التأثير يجب أنْ تحاكي أفعاله أقواله، ومن يتمتع بالجودة العالية نجده ناجح في التأثير على كل الأفراد الصغير والكبير؛ لأنه أجاد الاعتناء بجودته، وأصلح ما بينه وبين الله وما بينه وبين الناس, ولم ينتظر التأثير إنما أنجز عمله وتوكل على الله وتأكد أن نجاحه في دعوته سيكون له الأثر البالغ على نجاح مجتمعه لأنه يشكل هذا المجتمع ويؤثر فيه.
* لنتعرف على أبعاد الجودة الشخصية وأهمية تطبيقها؟
– الجودة تعني الارتقاء؛ فلا بد لكل إنسان أن يسعى جاهداً للتركيز على مفهوم الجودة بحياته، وأن يحاسب نفسه في كل يوم ويجاهدها.
فالكثير منا يكره أن يُظهر أسراره أمام الآخرين، وإنْ وجد أحيانا فإنه قد يُحدث بها أحد الناس الذين يرى فيهم الصلاح؛ فالشاهد هنا أنه كيف لي أن أتحلى بالجودة العالية، وأن لدي من الأسرار الكثيرة التي أخفيها والسوء الكبير الداخلي؛ لذا إن أراد الإنسان أن يمتلك الجودة فعليه تطهير نفسه أولاً من كل الأمور التي تفسد عليه دينه قبل أن تفسد دنياه، وأن يتمتع بقوة كبيرة تربطه بالله عز وجل، وليرتقي بعلاقته بالله سبحانه وتعالى، ويحمل على عاتقه نُصح الآخرين، ويأخذ بأيديهم إلى بر الأمان حتى يشعروا برحمة الله عز وجل؛ لأنه لو فعل الداعية وارتقى بنفسه وبمن حوله فسيصبح المجتمع أكثر تماسكا وأكثر تكافلا وأكثر إسلاماً لأن الإسلام هو مفهوم حياة.
* كيف يمكن تحديد جوانب القوة والضعف في الشخصية الدعوية؟
– تحديد جوانب القوة والضعف في الشخصية الدعوية لها مقياسان: المقياس العلمي، والمقياس الاجتماعي، فالعلمي المقصود به أن الداعية عليه أن يتعلم أكثر ويجتهد أكثر وأن يسعى ليكون في المقدمة دائماً؛ لأن منظور الناس لهذا الداعية يختلف بمقدار علمه؛ فعلى الداعية أن يحرص على العلم حتى يستطيع جذب المدعوين.
وعليه ينطبق من الناحية الاجتماعية أن يجتهد في فهم الناس والوصول إليهم ومعالجة مشاكلهم.
* هل هناك طرق علمية لتعزيز الجودة الشخصية؟
– بالطبع فالله عز وجل قال: {علمَ الإنسان ما لم يعلم}؛ فكل شيء على هذه الحياة يحتاج إلى البحث والتحري والدراسة والصبر والاجتهاد، من هنا ندعو الجميع إلى التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى؛ لأنه يعزز الجودة الشخصية وهو أول باب للجودة وبه يرتقي الإنسان، وإذا أتقن الداعية التفكر بكل ما حوله في هذا العالم توصل للمفهوم الحقيقي للجودة والأمثلة كثيرة وعديدة.
* ما فوائد الجودة الشخصية؟
– هناك فوائد للجودة تعود على الشخص، وفوائد تعود على العائلة، وفوائد تعود على المجتمع؛ فالشخص شعوره بالنجاح يدفعه دائما للتجديد، وهو يعتبر كائنا متجددا لا يقف عند حد معين، والجودة تدعوه إلى الطموح ومواصلة المسير والارتقاء.
وبالنسبة للعائلة نجد أن الشخص الذي يتمتع بالجودة الشخصية يعد البلسم الشافي لكل جروح ومشاكل من حوله؛ فالجودة ترتبط بروح الإنسان وتعاملاته فقد يكون فقيرا ولكنه غني بما لديه من المعاني السامية، كما أن العائلة تصبح أكثر ترابطاً بنصح الداعية صاحب الجودة العالية.
هذا وتجعل الجودة من الداعية إنسانا ناجحا بكل المقاييس، ويعتبر الشخص الذي يجتمع عليه الجميع، وهو ملجأ لهم بعد الله عز وجل.
في حين أن الداعية صاحب الجودة يكون محط أنظار المجتمع ويتعلم منه الكثيرون، وفي نفس الوقت يجلدونه على أخطائه لذا عليه أن يكون أكثر احتياطا وأكثر حذراً من أنْ ينحدر في الأمور التي ينحدر فيها جميع الناس.
كما أن الجودة تُشعر الإنسان بنعم الله سبحانه وتعالى حينما يتفكر بكل ما حوله؛ فالجودة تجعل الإنسان يعتمد على ذاته ويرتقي بنفسه وتطلق له العنان أن يكون إنسانا مميزا ومبدعا وصاحب بصمة وأثر على المدعوين.
* هل تعي المرأة الداعية قيمة الجودة الشخصية؟
– اختلفت وجهات النظر لمفهوم الجودة حين تم طرح هذا المصطلح وجدنا أن هناك من اعترض، وهناك من شجع، ومنهم من انتظر بشغف للتعرف أكثر على هذا المصطلح، وهناك من يراقب عن كثب هل ستنجح الجودة أم لا؟، وهل سنستطيع إقناع الناس بالتحلي بالجودة العالية في حياتهم؟!!
* كيف اهتم القرآن الكريم والسنة النبوية بالجودة الشخصية؟
– القرآن الكريم والسنة النبوية هي من يزرع في الناس الخير؛ فبالتربية القرآنية نؤثر على الناس وتنظم سلوكهم، فمن تربى على القرآن الكريم والسنة النبوية يعلم أن التوبة تمحو السيئات، ويعلم أيضاً أن من تعاليم القرآن والسنة أن يتخذ المسلم له طريقا ويكثر فيه من الاستغفار والتسبيح ويجلي صدره من كل الشرور والهموم؛ فالتربية القرآنية تزرع فينا الصورة الحية للإسلام، وهناك الكثير من الآيات القرآنية والسنة النبوية التي تربي النفس البشرية وتهذبها.
وعملاً بهذه الآية الكريمة من كتاب الله عز وجل، ونتدبر ما فيها من العظات والعبر، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (فصلت: 30، 32).
فثواب الاستقامة هي الهدف الأكبر للجودة حيث تتنزل الملائكة في الدنيا وتحمي الناس من الخوف والحزن وتبشرهم بالجنة، وتؤكد الآية أن انتهاج الإنسان لهذه الطريق فيه الخير في الدارين.
* لنختم حديثنا بنصائح لجميع العاملين في الحقل الدعوي ندعوهم فيها إلى امتلاك الجودة في شخصياتهم..
– أولاً علينا الاستعانة بالله عز وجل؛ فما خاب من رجاه وتوكل عليه، والاستفادة من نقاط القوة لدى الداعية والتغلب على نقاط الضعف ومحاسبة النفس دوماً والارتقاء بالدعوة، وتجنب المقارنات وزيادة الثقة بالنفس ومراقبة الله في أفعالهم وأقوالهم.
وعلى الدعاة العمل على طرح الأفكار الجديدة والعمل على تطبيقها والثقة في قدراتهم ومواجهة تحديات الحياة، والمثابرة للوصول إلى النجاح وعدم الاستسلام والعمل على التجديد المستمر في الخطط والأهداف وفقاً للظروف المتغيرة.
——
* المصدر: موقع “دعوتها”.
[ica_orginalurl]