إعداد/ فريق التحرير
أصل التواضع أن يستشعر الإنسان أنه أمام الله تعالى كغيره.. سواء.. لا يفضلهم إلا بالتقوى والعمل الصالح.. وهي أمور لا تدعو للفخر أو الخيلاء.
التواضع في اللغة هو التذلل، والتواضع عند علماء الأخلاق هو لين الجانب والبُعد عن الاغترار بالنفس؛ حيث قالوا إنّ التواضع هو اللين مع الخلق والخضوع للحق وخفض الجناح.
والتواضع من الأخلاق المثالية والصفات العالية، فالمسلم متواضع في غير مذلة ولا مهانة، والمتعالون في الأرض يطبع الله على قلوبهم ويعمي أبصارهم، فلا يستشعرون قدرة الله القاهرة فوقهم ولا ينتفعون بآيات الله الباهرة من حولهم يقول تعالى: “كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ” (غافر:35).. وقد توعد الله تعالى هؤلاء المتكبرين في الأرض بالنهاية الذليلة في الدنيا والحساب الأليم في الآخرة
التواضع في القرآن الكريم
لم ترد كلمة التواضع بلفظها في القرآن الكريم، إنّما وردت كلمات تشير إليها وتدل عليها؛ قال الله تعالى: “وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا” (الفرقان:63).
قال القرطبي (هوناً) الهون مصدر الهين، وهو من السكينة والوقار. وفي التفسير يمشون على الأرض حُلماء متواضعين يمشون في اقتصاد. كما قال ابن كثير: أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار، لقول الله تعالى: “وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا” (الإسراء:37)، قال القرطبي هذا نَهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع، والمرح شدة الفرح وقيل التكبر في المشي، وقيل تجاوز الإنسان قدره.
وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنّه خرج على قومه في زينته وأنّ الله تعالى خسف به وبداره الأرض، وقال – تعالى: “وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ” (لقمان:18). قال ابن كثير: لا تتكبّر فتحتقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تفلت أعناقها من رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبر. “وَلا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً”، أي متكبّراً جبّاراً عنيداً، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال تعالى: “إنّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ”، أي مختال مُعجَب بنفسه فخور على غيره.
صور من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المتواضعين، فالمعروف أن القادة المنتصرين في المعارك، والفاتحين الذين يدخلون المدن المفتوحة كانوا يشمخون بأنوفهم نحو السماء بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة فاتحاً قد أحنى رأسه حتى إن لحيته الشريفة لتمس رحل ناقته وكان رحلاً رثاً زيادة في تواضعه صلى الله عليه وسلم.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التواضع، وحَثَّ عليه في أحاديث كثيرة منها قوله: (إنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أحدٌ على أَحَدٍ، ولا يَبْغِي أحدٌ على أَحَدٍ) وقال تعالى مخاطبا النبي: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران:159).
وقال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الخائف تواضعا: (هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) صحيح ابن ماجة، والقديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكون في حاجة أهله، يرقع ثوبه، ويخصف نعله.
ومن صور تواضعه صلى الله عليه وسلم : أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَ عَنْهَا،فَقَالُوا مَاتَت. قَالَ: (أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي)؟ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا فَقَالَ: (دُلُّونِي عَلَى قَبْرِها)، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ)، فجاء قبرَها فصلى عليها (صحيح البخاري ومسلم).
قالوا عن التواضع:
سئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق، وينقاد له ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قبله، ولو سمعه من أجهل الناس قبله.
وقال أبو يزيد البسطامي: هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا، ولا يرى في الخلق شرا منه. وقال ابن عطاء: هو قبول الحق
وسئل الحسن البصري رحمه الله عن التواضع. فقال: التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلا رأيت له عليك فضلا.
قال الشاعر:
كم جاهلٍ متواضعٍ … ستر التواضعُ جهله
ومميزٍ في علمِه … هدمَ التكبرُ فضلَهُ
فدعِ التكبرَ ما حييت… ولا تصاحبْ أهلَهُ
فالكبر عيبٌ للفتى… أبداً يقبح فعله
ثمرات التواضع
بجانب كون التواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين، فهودليل محبة رب العالمين عز وجل، وهو الطريق الذي يوصل إلى مرضاة الله وإلى جنته، وهو عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة، وهو السبيل الذي يقربك من الله تعالى، ويقربك من الناس، وهو السبيل للفوز بحفظ الله ورعايته وعنايته، وهو الطريق لحصول النضر والبركة في المال والعمر، وهو السبيل للأمن من عذاب الله يوم الفزع الأكبر، وهو دليل على حسن الخلق وقائد إلى حسن الخاتمة.
فاللهم ارزقنا التواضع.. واجعلنا أصاغر في أعيننا.. أكابر في أعين الناس بفضلك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين
___________________________________________
المراجع:
- شبكة الألوكة الشرعية
http://www.alukah.net/sharia/0/77380/
- طريق الإسلام
- صيد الفوائد
https://saaid.net/Doat/mehran/58.htm
- شبكة موضوع
[opic_orginalurl]