التفسير الفقهي في القيروان
هذا البحث الاستقصائي المتميز هو دراسة مقدمة إلى الملتقي العلمي الثالث للدراسات الإسلامية بالقيروان تحت عنوان (القيروان مركز علمي مالكي بين المشرق والمغرب من بداية الفتح الإسلامي وحتى القرن الخامس الهجري) قدمه السيد الدكتور – فهد بن عبد الرحمن الرومي – على خلفية دعوة كريمة للمشاركة العلمية بهذا المنتدى العلمي الدوري بالقيروان.
وقد استقصى الباحث التوثيقات التاريخية للتفسير وعلومه في القيروان والمغرب العربي عامة منذ الفتح الإسلامي للقيروان عام سبعة وعشرون للهجرة المباركة إلى المدينة المنورة – في عصر الخليفة الراشد عثمان ابن عفان رضي الله عنه – وعلى يد قاد جيوشه في المغرب العربي – عبد الله بن أبي السرح – وقد رحل إلى القيروان عقب الفتح الإسلامي مباشرة أربعة من كبار أئمة التفسير من الصحابة الكرام كان لهم الأكثر الأكبر في نشأة التفسير وعلومه في بلاد المغرب العربي وهم الصحابي الجليل عبد الله بن عباس ترجمان القرآن، وكذلك عبد الله بن الزبير الذي كان أحد الصحابة المشاركين في جمع القرآن الكريم في عهد عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم أجمعين.
كما كان لانتشار المذهب المالكي في المغرب العربي منذ بداية القرن الثالث الهجري في كافة ربوع المغرب العربي – وكانت مدينة القيروان هي المركز الأساس في تأصل المذهب المالكي لأهل المغرب العربي- فقد كان لهذا الانتماء الفقهي المذهبي عند جموع أهل العلم بالقيروان أثره المباشر في التفسير، كما كان لعلماء القيروان دور آخر – تبعًا لأقوالهم في الفروع – في حمل جموع أهل المغرب على قراءة نافع عن ابن عمر فكان التفسير في القيروان يجمع في الإحكام بين المذهب المالكي وفي علوم القرآن لقراءة نافع عن ابن عمر، ومعلوم كون مالك بن أنس رضي الله عنه هو أنجب وأحصف تلاميذ نافع رضي الله عنهما.
ومن أشهر هذه التفاسير التي لاقت قبولًا ورواجًا بين أهل القيروان، أحكام القرآن لأبي عبد الله التنوخي المتوفى سنة مائتان وخمسة وخمسون للهجرة، أحكام القرآن لأبي الأسود حبيب القطان المتوفى سنة ثلاثمائة وست للهجرة، أحكام القرآن لأبي جعفر زياد الفارسي المتوفى سنة ثلاثمائة وتسعة عشر للهجرة، المأثور عن مالك في التفسير وعلوم القرآن لأبي طالب القيسي المتوفى سنة أربعمائة وسبعة وثلاثون للهجرة المباركة، اختصار أحكام القرآن لأبي طالب القيسي أيضًا، وهو اختصار للكتاب الأول المطول له.
والظاهر أن جميع هذه الكتب وهؤلاء المفسرين ساروا على ذات الدرب وهو التفسير الفقهي المذهبي(المالكي) للقرآن الكريم، فأثْرَتْ هذه الكتب التفسير وعلومه، كما ساهمت بصورة مباشرة في جمع وترتيب أدلة الأحكام للفقه المالكي.
[ica_orginalurl]