مشاري بن سعد الشثري
تَصدِيرٌ
ها هو ذا يرسم خطة برنامج النادي الصيفي القادم..
نزع ورقةً من دفتره، كتب أسماءَهم بعد أن رتبهم حسب مراحلهم الدراسية، وضع أمام كلٍّ ما يرى فيه نُجحَه ورشاده، عاد إلى خطته وملأ أوديتَها بسيلٍ من الأنشطة الداعمة لهم، زيدٌ يجيد زَبْرَ المقالة، خالدٌ أُشرب حبَّ العلم، فهدٌ مصمِّم ماهر، مالكٌ وزَّع أوصاله على بلاد المسلمين فله مع كل مأساة شجن، فيصلٌ حافظٌ للشعر، وهكذا حتى كتب أمام كل فتى ما يجيده..
قلَّب النظر فإذا بالخطة قد امتلأت، سار بكتابته جذلا إلى زملائه المربِّين، قضوا ساعاتٍ في تبييض الخطة وتعزيزها، دفنوا تحت تواريخها تواريخهم، وطووا بأطرافها همومهم وحوائجهم، ومدُّوا جسومهم لتشييد جسرٍ طويل من الآمال..
غيره يرسم خطةَ برنامجه لكنه يرسم خطة برامجهم ! تعلم هو ورفاقُه أن السموَّ يكون بالعمل للجمعِ لا للذات، ولا سيما في هذا (الزمان الصعب)، لم يحفظوا من الأدب إلا بيتَ أبي ريشة، فهم به في عذاب..
تقضي البطولةُ أن نَمُدَّ جسومَنا
جسرًا فقل لرفاقنا أن يعبروا
إلى هؤلاء فحسب أكتب هذه المقالة..
تصديرٌ ثانٍ.. الأورَاقُ الصَّفرَاء
ما زال محضن التربية يمد اليدَ السفلى للكَتَبة أملًا في تواتر الأقلام المحسنة، فقد مسَّت المحاضنَ عامّةً جائحةُ الزمان المتقلّب مما يدعو إلى تسليط الضوء على قضايًا آن لها أن تطفو من جديد لتصحح مسارها وتستقيم مِشيتُها..
لا بدّ للتربية أن تلج أبواب التجديد، ولا بد لنواصي المربين أن تتأهّل لمسِّ سُقُفِ الاجتهاد، فما يضير المربي لو كان شافعيَّ التربية وأحمدَها؟.. اقلب ورقةَ عقودِ التربية الوسطى واكتب نحوَ ما يدعونه (عصور النهضة وأقانيم الحضارة) اكتب: (حضارة التربية ونهضة المربين)! ويحك، اكتب ما تشاء، وأزِلْ –رجوتُك- رسومَ تقاليد طمَّها زمنُ التطوّر..
هذه الكتابةُ لا تمهّد الطريق لقلب هرم التربية واستئنافها من جديد، بل هي استنهاضٌ للمحضنِ التربويِّ أن يجدِّد النظر في لبوسه، ويصطفي ما عسى أن يكون مشرِّفًا يومَ الزينة..
ما من وعاءٍ إلا وجُدِّد حبره سوى وعاءِ التربية.. معذرةً معاشرَ الأشياخ من تطفُّل التلاميذ، مرَّت على محاضننا سنون عجاف ورفوفُها مفتقرةٌ إلى كتاباتٍ تعالج مشكلاتنا تحت أضوائنا، غبر علينا زمانٌ ونحن نستعير تلك الأوراق الصفراء من مصرَ والعراق، مرورًا بالشام..
(لا بدَّ من نخل كلام الدعاة وإهدار النخالة، وكلامي وكلام الآخرين يجب أن يخضع لهذا الميزان وبصرامة.. والدرس المهم الذي ينبغي ألا نغفل عنه في أمر الفكر بخاصة أن الاجتهاد ضرورة، والإبداع محرك، وأن التقليد تراجع، والنمطية قيد، ولذلك يلزم تشجيع الدعاة على البوح بمكنوناتهم، وعلى الحوار، والبحث، والتأليف، ليعمر الفكر الاجتهادي)[1]، وها هو الشيخ المربي د. محمد الدويش -وهو يمثل حالة استثناء لوفرة مصنفاته التربوية- يقول ما نصُّه: (رغم أهمية التجربة التربوية في العمل الإسلامي المعاصر إلا أنها لم تلق الاهتمام الكافي بها من الدراسة والتحليل، ولا تزال هناك مساحات بيضاء وشاغرة بحاجة إلى تناولها والحديث حولها)[2] ومن هنا أستجدي ذوي الخبرة من المربِّين ألا يضنُّوا بمكنون رؤاهم وما تحصَّلوه من ميدان عملهم، فمقام التربية كالحرباء، يتجانس مع بيئته، ولا يستصحب حالًا أجنبيةً عنه، وأنتَ مهما أكرهته على التضلُّعِ من زمزمِ غيرِه فلا بد يومًا أن يتقيَّأه، فأطعمه ما يستسيغ، ولقِّنه ما يستطيع، (وعلى الله قصد السبيل)، وقد تكفَّل الله لمن توكَّل عليه أن يكون حسبَه، فقُلْها ولا تخف..
وثالثٌ..
الواقع ينبئنا عن جفول جمعٍ من المربين من محاضن التربية مما سبَّب شحًّا يستدعي معالجة عاجلة.
تفاوتت الأنظار في سبب ذلك، وبقدرٍ من الاستقراء يعسر ردُّ الأمر إلى سبب واحد لتتوجه له المعالجة، ولكنها حزمة أسباب كوَّنت هذه الظاهرة، منها ضعف المربي وانصرافه عن الدعوة عامة، ومنها ما يرجع إلى انشغاله ببعض أمور دنياه مما أحوجه إلى الإقلال من الأعمال الدعوية، ومنها اشتغاله بثغر آخر من ثغور العمل الدعوي، غير أني أحب تسليط الضوء هنا على أمر بدأت أتلمَّس أماراته وأظنه آخذًا في السريان، وهو ضعف اليقين بمركزية التربية في مشروع بناء الأمة وإصلاحها، وهذا من قلة الفقه بالواقع، وأنت إذا تأملت وجدت محاضنَ التربية معاملَ تصدير دعوي يضخ نتاجه في جميع أودية الأمة من العلم والفكر والاحتساب وغيرها، فهي الكفيلة بتكوين هوية إسلامية للمتربي مع تدعيم انتمائه لأمته، وأذهب إلى أبعد من ذلك فأقول بأن محاضن التربية هي أساسُ البيت الدعوي، ولأن من شأن الأساس التدثُّرَ بما علاه لم يتبين لكثيرٍ من السكَّان عظيمُ دوره في إرساء شاهق الدعوة..
نحن بحاجة إلى تذكير إخواننا بعظيم دورهم، وأنهم على ثغر عظيم ما أشد ضرره لو أُتِينا من جهته، وما أحسن من شبه محاضن التربية بجبل الرماة (سواء أكان ذلك في المكان والمكانة والأهمية، أو الدور الحيوي الذي يقوم به، أو خطورة التفريط في ثغراته، وآثار ذلك على العباد والبلاد)[3].
التَّربِيةُ قِيَادَة
ليست التربية مجردَ تنسيقٍ للقاءات وإقامة للبرامج العامة، ولكنها عملية قيادية تحمل في طياتها رسالة يتمثَّلها القائد لتنطبع بها أرواح أتباعه.. ورسالة المربي أن يجعل من المتربي عنصرا فاعلا في أمته، وذلك من خلال بنائه معرفيا وروحيا، وهذا يستتبع من المربي العناية بأمور، من أهمها:
1- توسيع دائرة المعارف.
2- العناية بأدوات الخطاب.
أما العناية بتوسيع دائرة المعارف فلأسباب؛ منها: أن المربي إن كان عريًّا من المعرفة فلن يحقق مهمته على الوجه المطلوب، ولن تكون له في واقع الأمر إلا رسالةٌ متآكلة الأطراف لا تستحق البلاغ، وإذا لمس المتربي منه ذلك زهد فيما عنده وانصرف إلى غيره.
ومنها أن التربية بحاجة إلى معايشة، وسرعان ما يستهلك المتربون معارف المربي، فإذا كان الطالب لا يجد بغيته عند من تصدَّر لتربيته فلن يتحقق لنا ما نرجوه منه.
وأيضا فليس كل ما يُعلم يصلح لأن يبلَّغ به الطلبة، بل لا بد من مراعاة أذهانهم وانبساطِ فهومهم وما يحتاجه الواحد منهم في مرحلته العمرية، فإذا كان المربي شحيح المعرفة فلن يتخير ما يحسن إلقاؤه على طلابه، ولكنه سيدفع إليهم ما تهيَّأ له وعَلِمه، سواء وافق احتياجهم أو لا، وإلا صرف جلَّ حديثه في أمور لا تغنيهم.
وفي هذا السياق تبرز قضيتان لا بد من تسليط الضوء عليهما، وهما:
بين الخبرة والمعرفة:
يخطئ بعض المربين حين يظن الخبرةَ كافيةً له في عطائه، فإن الخبرة تحتاج إلى زمن لإنضاجها، والمربي في سبيل إنضاجه لخبرته يحتاج إلى تدعيم معارفه في تلافي الأخطاء، إذ ليس الطلاب محلَّ تجارب المربي ليدعم خبرته التربوية، وأيضا هو يحتاجها لمضاعفة نتاج عطائه، ويتأكد التنبيه على أهمية البناء المعرفي إذا ما علمنا واقع المحاضن من تصديرها لبعض المربين مبكرًا لسدِّ الفاقة.. وبمقاربَةٍ تحتاج إلى قدرٍ من التأمل أزعم أن البناء المعرفي للمربي هو الأصل في تحقيق رسالته ومهمته، وتأتي الخبرة هاهنا داعمةً، وأما في سياق حل المشكلات التربوية فإن الخبرة تكون أساسا والمعرفة تأتي تبعا.
ويُنبَّه هنا إلى أن ماهية الخبرة ليست خلوا من المعرفة تماما، بل هي خليط من المعايشة الميدانية والمعارف المكتسبة، فليست الخبرة شيئا والمعرفة شيء آخر، فإن مبادئها لا تتحقق دون قدرٍ من المعرفة، وإلا كانت مجرد تصورات غثائية، فالخبرة التي هي أساس في حل المشكلات ليست خبرة نادةً عن المعارف ولكنَّ لها تماسًّا معها، والذي أردت الإشارة إليه أنه لا بد على المربي من تنمية هذه المعارف لتتكون له الخبرة على تمامها.
التوجيه الفردي
إذا تأملنا الثلَّة الفاعلة من خريجي محاضن التربية وجدنا أن التوجيه الفردي كان أساسًا في تكوينها، بمعنى أن المربي كان له ببعض الطلبة فضلُ عنايةٍ أسهم في تميزهم وتقدمهم؛ فللتوجيه الفردي أثر لا بد من التنبه إليه، والواقع يشهد أن غالب الجهود متجهةٌ إلى التوجيه الجماعي، ولا شك في أهميته ولكنه لن يؤتي ثمرته إلا بضميمة التوجيه الفردي، ولتحقيق قدر من الموازنة بينهما يُقال: من أخصِّ وظائف التوجيه الفردي ترسيخُ رسالة التربية في قلب المتربي وتقويم أدائه تقويما متواصلا، لأن قرب المربي في التوجيه الفردي يطلعه على مشكلاتٍ ومداخلَ يستطيع من خلالها أن يبني المتربي البناء الأمثل، وهذا لا يتحقق مثله في الأنشطة العامة.. أما التوجيه الجماعي من خلال الدروس العلمية والبرامج الثقافية والرياضية والاجتماعية فمن أخصِّ وظائفه تحقيق اللحمة بين أفراد المحاضن مع إثارة جملةٍ من العبوديات، كالمحبة في الله والتعاون على البر والتقوى، وأيضا فإن البرامج العامة تجعل من الطالب أكثر التصاقا بالمحضن، فإنه في سن المراهقة بحاجة ماسةٍ إلى من يشاركه في طموحاته، والاقتصار على التوجيه الفردي يثقله ويعجِّل من فتوره.
فتكامل التوجيهين (الفردي والجماعي) طريق متين في تحقيق رسالة التربية، وبعد هذه التقدمة تلحظ كيف أن مقام التوجيه الفردي في التربية مقام أصيل، وإذا علمتَ ذلك تبين لك مدى ضرورة أن يكون للمربي عناية واسعة بتدعيم معارفه، فإن التوجيه الفردي -بناءً وتقويما- لا يحتمل التوجيه الإنشائي، بل لا بد فيه من تعميق التوجيه وإحكامه مع الإجابة عن تساؤلات المتربي، ومثل هذا لا يستطيعه قليل المعرفة، ويظهر ذلك جليا إذا علمتَ تفاوت قدرات الطلاب واختلاف طموحاتهم، فإذا كان المربي قليل الدراية أضعفَ ذلك من توجيهه.
إذا تقرر ما مضى فإن الكتب التي يحسن بالمربي تناولها على تسعة أنحاء:
1. الكتب التربوية:
وتكمن أهمية هذا الجانب في كونه يعالج صلب تخصص المربي، وكتبه متشعبةٌ لكن يمكننا تقسيمها إلى كتبٍ: عامة تتناول كثيرا من حقول التربية، وخاصةٍ تعالج قضايا محددة.
فمن الكتب العامة:
– (منهج التربية الإسلامية) لمحمد قطب
– (منهجية التربية الدعوية) لمحمد أحمد الراشد
– (تربية الشباب.. الأهداف والوسائل)
– (الصحوة والتربية المنشودة) كلاهما لـ د. محمد الدويش
– (بناء الأجيال) لـ د. عبدالكريم بكار
ومن الكتب الخاصة:
– (المراهق كيف نفهمه وكيف نوجهه ؟) لـ د. عبدالكريم بكار
– (التربية الجماعية في الإسلام) لـ د. نايف القرشي
– (المعايشة التربوية) لسالم البطاطي[4]
2. الكتب الدعوية:
وأعني بها الكتب التي تتحدث عن حقول الدعوة عامة، وليست تُعنَى بالتربية على وجه الخصوص، سواء ما كان منها يتعلق بواقع الدعوة وأحوال المسلمين، أو أخلاقيات الداعية، أو غيرها.
ومن الكتب في ذلك:
– (مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي)
– (الصحوة الإسلامية) كلاهما لـ د. عبدالكريم بكار
– (خواطر في الدعوة) لمحمد العبدة
– (معالم في أصول الدعوة) لـ د. محمد يسري
– (في البناء الدعوي) لـ د. أحمد الصويان
– (طرق الإرشاد في الفكر والحياة) لفتح الله كولن
– (فقه الائتلاف) لمحمود الخزندار.
3. كتب العلوم الشرعية:
وهذه الكتب أصيلة في صناعة رسالة المربي وعقدها في قلب المتربي، وذلك لأن (أيَّ تربية تتجاوز البناء العلمي الشرعي أو تعطيه مرتبة متأخرة بين المتطلبات التربوية هي بعيدة عن النهج النبوي، ذلك أن الجيل الذي يعاني من الضعف العلمي لن يقوم بالواجبات الشرعية في نفسه كما ينبغي، فضلا عن أن يقول بواجب الإصلاح والدعوة للناس)[5]. وليس من مهمة المربي أن يكون واسع النظر فيها، ولكن لابد من تحقيقه لأصولها وعلمه بأركانها قدرَ طاقته.
ففي القرآن وعلومه يبسمل بـ (الطريق إلى القرآن) لإبراهيم السكران، وذلك ليعلم أي مقام للقرآن في مشروعه الدعوي وخطابه التربوي، ثم يأخذ من التفاسير ما يفقه به معاني كلام الله دون توسع في جوانب اللغة والأحكام ونحوها، ومن الكتب اللطيفة النافعة: (المعين على تدبر الكتاب المبين) لمجد مكي، ويطالع كتابا في علوم القرآن كـ (المحرر في علوم القرآن) لـ د. مساعد الطيار، ولا أرى أن يعرض المربي عن (دليل فهم القرآن المجيد) لأحمد العتيبي فهو كتاب موجز مشبَع المعارفِ القرآنية.
ومن شروح السنة يقرأ (جوامع الأخبار) للعلامة السعدي، و(شرح الأربعين النووية) للعلامة ابن عثيمين، ويَسيح بنظره في شرحه لرياض الصالحين.
[ويأخذ في العقيدة (أعلام السنة المنشورة) لحافظ الحكمي، و (العقيدة) لـ د. محمد السعوي، وفي الأسماء والصفات يأخذ كتابا يتناول أبعادها الإيمانية، ومن أحسنها وضعًا (مع الله) لـ د. سلمان العودة.]
ومن الفقه يُعنى بأبواب العبادات ويعتمد كتابا مختصرا في ذلك كـ: (الملخص الفقهي) للعلامة د. صالح الفوزان، أو (المختصر في فقه العبادات) لـ د. خالد المشيقح، ولو ظفر بـ (الفقه الميسر) الذي أعده جمعٌ من العلماء وأخرجه مجمع الملك فهد فأرجو أن يستغني به عن غيره. وهنا يحسن بالمربي أن يبذل مزيدا من الجهد للعلم بفقهيات المحاضن، وهي المسائل الفقهية التي تعرض للمحضن بين الحين والآخر، كأحكام السفر والمسابقات، فيأخذ في الأول (المختصر في أحكام السفر) لفهد العماري، وفي الثاني (المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية) لـ د. سعد الشثري.
ومن المهم أن يقرأ كتابًا في كل علم من علوم الآلة الثلاثة (الأصول – المصطلح – النحو)، فيقرأ في أصول الفقه (الواضح في أصول الفقه) لـ د. محمد الأشقر، وفي مصطلح الحديث (الواضح في مصطلح الحديث) لـ د. عبدالعزيز الشايع، وفي النحو (الدروس النحوية) لمجموعة مؤلفين.
وثمة مجاميعُ لا ينبغي أن تخلو منها مكتبة مربٍّ، ومن أنفسها (زاد المعاد) لابن القيم، فهذا الكتاب لوحده دائرة معارف تكتنز الكثيرَ من العلوم والفوائد.
4. كتب السلوك:
وهذه تعين المربي على تزكية نفسه ونفوس من يربيهم، فيقف من خلالها على نصوص الوحيين وكلام الأئمة الربانيين ليستعين بها في تربيته الإيمانية، ومنها: (تهذيب مدارج السالكين) لعبدالمنعم العزِّي (محمد الراشد)، وقد كان من مقاصد المهذِّب أن يجعل من تهذيبه مرجعًا للدعاة والمربين، فاصطفى من الأصل ما يتناسب مع رسالتهم، وليطالع (رسائل) ابن رجب، و (الفوائد) مع (الداء والدواء) لابن القيم، و(الأخلاق والسير) لابن حزم، و (منار السائرين وهداية السالكين في الطريق إلى رب العالمين) لمحمد عمر سالم.
5. كتب السيرة النبوية:
وهذه من أعظم ما يجب على المربي العكوف عليه، فإنها مَعلَمَةٌ تربوية تلهم المربي في مسيرته ودعوته، ولن يغنيه في ذلك كتاب واحد، ولن تشبعه قراءة واحدة، ولكنها زاد لا ينفك عنه المربي ما أراد أن يكون مربيا.
ومن الكتب في ذلك:
– (السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية) لـ د. مهدي رزق الله
– (السيرة النبوية.. دروسٌ وعبر) لمصطفى السباعي
– (فقه السيرة) لـ أ. د. زيد الزيد
– (السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة) لمحمد الصوياني
– (وقفات تربوية من السيرة النبوية) لأحمد فريد
6. كتب التاريخ:
وهذا الضَّرب من التصانيف جليل النفع للمربي فإنها تُطلِعه على سنة الله في خلقه، ويشرف من خلالها على أحوال الناس وطرائق الدعاة والمصلحين في دعوتهم إلى الله، إلى غير ذلك من الفوائد التي استبدَّت بها المصنفات التاريخية. ومن السلاسل النافعة في ذلك ما كتبه د. علي الصلابي والمؤرخ السوري محمود شاكر. ولو طالع المربي بعض الأحداث من نافذة (البداية والنهاية) لابن كثير لكان خيرا وأقوم، فإن لتعليقه على الأحداث سَننًا لا يقوى على رقمِها معاصر. وليقرأ (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي، وكتابَي محمد العبدة (أيعيد التاريخ نفسه؟) (وذكرهم بأيام الله)، ففي هذه الثلاثة إطلالة تاريخية رائدة.
7. كتب السير والتراجم:
ومن أمثَلِها: (سير أعلام النبلاء) للذهبي، ولـ د. محمد موسى الشريف تهذيبٌ له بعنوان: (نزهة الفضلاء).. وهذه الكتب تثري المربي بقدوات ملهِمة يحسن تصديرها في الخطاب التربوي، فإن صنع النماذج والقدوات من أخص مقامات التربية.
8. كتب الآداب الشرعية:
ومزية هذه الكتب تناولها لكثير مما يعرض للمسلم في يومه وليلته، فهي تتناول آداب الكلام والسلام واللباس والنوم والطعام والمجلس والصحبة والنظر ونحوها مما يتعين على المربي الاطلاع عليه، فإن كثيرا من مسائل هذه الكتب تعرض للمتربين، فمن المهم أن يكون للمربي علمٌ بالنصوص الواردة في ذلك ليجيب بها عن تساؤلاتهم.
ومن كتب الآداب:
– (الآداب) لفؤاد الشلهوب
– (اللباب شرح أصول الآداب) لعبدالله بن مانع الروقي
9. الكتب الفكرية:
وهذه على تشعب موضوعاتها وكثرة مواردها إلا أن حاجة المربي منها ليست كالكتب السابقة، فإن الذي يحتاجه المربي منها ما يعينه على البناء العقلي مع تكوين الحاسة النقدية، وكذا ما يتعلق بالمشكلات الفكرية التي تحيط بالمتربي، فإن على المربي أن يصرف قدرا من جهده للاطلاع على تلك المشكلات وما كُتِب عنها ليروي ظمأ المتربي في هذه الجوانب.
ومما قد يستفاد منه في تحقيق ذلك:
– (منهج للبناء الفكري) لـ د. محمد السعيدي
– (خطوة نحو التفكير القويم) لـ د. عبدالكريم بكار
-سلسلة (الإسلام لعصرنا) لـ د. جعفر شيخ إدريس
– (معركة النص) لفهد العجلان
– (الانفتاح الفكري) لـ د. عبدالرحيم السلمي
– وفي موقع (رؤى فكرية) مقالات عاليةٌ جليلةُ العوائد لجمعٍ من الكتَبَة الفاعلين في الساحة الفكرية، كالشيخين سلطان العميري وإبراهيم السكران وغيرهما
– وعن الفرق والمذاهب المعاصرة ثمة كتب موجزة، منها: (أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية) لـ د. سفر الحوالي، و (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة) لـ د. ناصر القفاري و د. ناصر العقل.. ومن المراجع المفيدة (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة) من إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
هذا بعض ما يتعلق بتوسيع دائرة المعارف، وما ذُكر من كتب إنما هو محض اقتراح، وإلا فإن الساحة المعرفية تحوي كثيرا من التصانيف المفيدة، وليست هناك منهجية معرفية تربوية تواطأت عليها الآراء كما هو الحال في بعض العلوم، ولكني أردت أن أقيد ما عسى أن يكون صالحًا لصناعة أوعية تختص بالعملية التربوية، ثم ليجتهد المربي في اقتناء ما يراه أليق به وببيئته. ومما تجدر الإشارة إليه هنا ما تقدم تصديرُ المقالة به، وهو فقر المكتبة التربوية من المعالجات الميدانية لبيئتنا، وهذا يستدعي من المربي قراءاتٍ واسعة ليستخلص الرؤى ثم يسعى في تنزيلها بعناية على واقع المحضن التربوي، فليس بالضرورة أن تتحصل من الكتب السابقة على إرشادات موجَّهة قابلة للتنفيذ، ولكن عليك أن تُعمِل ذهنك لتقع على حقائق تلك الرؤى التربوية وتجعلَ منها حصيلةً معرفيةً قابلة للاستدعاء بقدر حاجة الظرف التربوي، أما الوقوف على ظاهر تلك الرؤى دون تبيُّنِ حقائقها وما بُنيت عليه فليس فيه كبيرُ فائدة.
أما العناية بأدوات الخطاب فلأن الرسالة التربوية بحاجة إلى تبليغها بأمثل الطرق، ويمكن أن نجعل أدوات الخطاب على فرعين: كتابية وشفاهية.. وتكوينها يتحقق من خلال عناية المربي بالإملاء والنحو مع إدمان النظر في كتب الأدب ليكتسب مفردات وسياقاتٍ تعينه في توجيهه العام والخاص، وليشفعْ ذلك بالسعي في تحقيق ملكات الكتابة والإلقاء، فإن الدربة على هذه المداخل من أنجع وسائل التأثير في المتربين، وليس بالضرورة أن يصرف المربي كثيرا من أوقاته لذلك، لكن ليعلم أن لها دورًا مركزيا في خطابه، فليستقل أو يستكثرْ.
ومن الكتب في ذلك:
– (مبادئ التحرير والكتابة) لعمر الصديقي
– وتقدَّم ذكر (الدروس النحوية) في قسم العلوم الشرعية
وبعد قراءتك (قليلًا من الأدب) لـ د. عادل باناعمة تجوَّل في:
– (وحي القلم) للرافعي
– (النظرات) للمنفلوطي
– (وحي الرسالة) للزيات
– ذكريات الطنطاوي
– (ميراث الصمت والملكوت) لعبدالله الهدلق
في طَرِيقِ البِنَاء
ثمة خطراتٌ أحسب أنها روافدُ للبناء المعرفي، آثرت كتابتها كومضاتٍ عجلى لعلها أن تسهم في صناعة وعي معرفي لشريحة المربين..
– من وظائف المربي استشراف العوز المعرفي للمتربي في الشبهات المعاصرة، مع استحضار أن وقوع فرد في انحراف معرفي يعني قابلية البيئة لمزيد من الضحايا، وهذا يستلزم مزيدا من البصر بالعوامل المؤثرة في المربي مع اطِّلاعٍ على المصادر المعرفية الحديثة كالشبكات الاجتماعية، ثم السعي في ردم الفجوات مبكرا وإذكاء المعارف النافعة في المحضن التربوي.
– ليس بالضرورة أن يكون المربي قائما على كل ثغر معرفي بحيث يكون المرجعَ للمتربي في جميع مشكلاته المعرفية، لأن هذا ليس بوسعه أساسا، وعليه فإما أن تكون المعالجة مباشرة من قِبَله أو يجعلَ المربي من نفسه وسيطا ناجحا.
– ليس المربي مفتيا مكلفا بالإجابة على جميع فتاوى المتربين، ولذا كان من الجدير بالعناية أن يُعوِّد المربي لسانه على: (لا أدري)، غير أن من المعيب أن يسأله المتربي عن ما يعرض للمسلم في يومه وليلته من أحكام الفرائض ونحوها فلا يجد لديه جوابا.
– على المربي أن يعلم أن مقامه في الإشراف الميداني المباشر ليس أبديا، ومن هنا ينبغي له أن يسعى للترقي في العمل الدعوي والتربوي؛ فالإشراف التربوي الميداني مرحلة تتلوها مراحل تستدعي بناءً معرفيا إضافيا، وعليه فمن الحسن أن يستحضر المربي حاله ومآله ليكون بعيد النظر في بنائه وتكوينه، ويُعنى خصوصا بكتب التاريخ المعاصر والحركات الإسلامية ومذكرات الدعاة وواقع العمل الإسلامي.
– التراكم المعرفي مهم في صنع الأفكار وحل المشكلات وإدارة الأزمات؛ بحيث يتكون للمربي مخزونٌ يُستدَعى لا غائب يبحث عنه. ولتقريب المراد فيما يتعلق بصنع الأفكار مثلا: لِنفرضْ مربيا يريد الحديث عن أهمية العلم في إزالة الشبهات، فإذا كانت لديه قراءات سابقة عن هذا الموضوع فسيكون قادرا على كتابة أركان الموضوع وصناعة أوعيته قبل البحث، وهذا أدعى لتكامل الصورة، ثم بعد ذلك يسعى في تعبئة الأوعية بالمضامين النافعة، بخلاف ما لو بحث ابتداء دون معرفة سابقة فإنه إذ ذاك يكون أقرب إلى تقديم خواطر غير متماسكة لا تخلو من ثغرات، وأيضا فالتراكم المعرفي يعين المربي على تقويم المضامين المبحوثة بخلاف من عَدِم هذا التراكمَ فإنه يسعد بأي معلومة تصادفه ويبادر إلى طرحها دون تحقيقها.
– على المربي أن يعوِّد نفسه على القراءة الصعبة، لا أن يألف الركون لكل ما هو سهلٌ هيِّن، وليست القراءة الصعبة تعني أن تَجِدَّ في قراءة كتب مملوءة بالمصطلحات الغريبة، ولكن الشأن أن تُعنى بالكتب التي تتحدى ولا تعجز – على حدِّ تعبير د. عبدالكريم بكار -.. فإن لذلك دورًا في صقل العقل وتنميته، إذ عمقُ الروافد يرتقي بعقل المربي بخلاف سطحيِّها فإنه لا يحفز المربي إلى إعمال الذهن وتقويم المقروء وتحريره.
– البناء المعرفي ليس مقصورا على القراءة فحسب، ولكن لما كانت القراءة هي المصدرَ الأساس بُنيت المقالة عليها، وإلا فإن السماع ومجالسة المختصين وحضور الندوات والملتقيات ونحوها مصادر أصيلة في التكوين المعرفي.
– الدورات التدريبية العاقلة بمختلف حقولها تفيد المربي، كالدورات المتعلقة بمهارات القراءة والتخطيط الإداري ونحو ذلك، وأعني بـ (العاقلة) تلك التي لا تسعى في إخراج المارد من كوامنك وإنما تربِّت على كتفه ليمكث، ولا ضرر عليك في بقائه ما دامت تلك الدورات تحترم عقلك وإنسانيتك.
– (من السهل تأليف كتاب في التربية، ومن السهل تخيُّلُ منهجٍ وإن كان في حاجة إلى إحاطة وبراعة وشمول، ولكن هذا المنهج يظل حبراً على ورق.. يظل معلقًا في الفضاء.. ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض.. ما لم يتحول إلى بشرٍ يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئَ النهج ومعانيَه.. عندئذ فقط يتحول المنهج إلى حقيقة، يتحول إلى حركة، يتحول إلى تاريخ) قاله محمد قطب[6].
هذا ختم هذه الورقة، وآمل أن أكون قد وضعت لَبِنةً يُستعان بها على إقامة بناء معرفي متكامل للمربي، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
—
[1] منهجية التربية الدعوية لمحمد الراشد (9)
[2] الصحوة والتربية المنشودة (6)
[3] انظر: مقال (جبل الرماة) لسالم البطاطي: http://albayan.co.uk/MGZarticle.aspx?ID=460
[4] لأخي العزيز بدر باسعد مقالة بعنوان: (من يكتب للأوساط التربوية ؟) تناول فيها طائفة من الكتَّاب في الأوساط التربوية، وعرض جملة من كتبهم وعرَّف بها تعريفًا موجزا نافعا: http://www.roaa.ws/1057/1959/1352/2057.aspx
[5] تربية الشباب لـ د. محمد الدويش (69)
[6] منهج التربية الإسلامية (1: 180).
المصدر: مجلة البيان.
[ica_orginalurl]