إذا أقبل إنسان على الانتحار فلا شك أنه فقد إيمانه مسبقاً، فمن المستحيل أن ينتحر مؤمن شهد في قلبه أن الروح بأمر الله لا بأمره، وأنه مجرد حارس أمين عليها لا حق له في التخلص منها أو إيذائها…
(مقتطف من المقال)
عمرو مصطفى
الانتحار هو التخلص من الحياة وإزهاق الروح عن عمد، ظناً بأنه الحل الوحيد والمناسب، وأسبابه غالباً ما تكون قاهرة، وطرقه كثيرة ومختلفة.
عندما تختفي سحب الإيمان، ويمتنع الغيث عن النزول، ويتبخر ماء التقوى من المؤمن، حينها يجف القلب ويتحجر، ومن بين الصخر ينبت الشوك، لقد تراكمت المصائب فوق بعضها، وأصبح فريسة للدنيا، ذنوب كثيرة حجبت شعاع الأمل ونشرت اليأس، شغلته نفسه وهواها، وسعى جاهداً في رضاها، يبحث في كل الطرق حتى يشبعها، يظن أن في كل طريق يسلكه سعادة ترضيها.
وعند كل نهاية بداية لطريق آخر، إنها سليطة لن ترضى بهذا، ستطلب دوماً الزيادة، إنها الأمارة بالسوء، كل من صاحبها يخضع لها ويخنع، إنها سيئة السمعة، تقود أسراها حيث رغباتها المنشودة، ولن يرضيها كل هذا، ستكون نهايتك رغبتها حينما تعجز عن إرضائها، سيكون الصوت من الأعماق وسواس يأتي من الظلام إلى الظلام، إنها نهاية الطريق، هذه هي الراحة التي تبحث عنها دوماً، إنه الحل السريع الذي ينهي كل شيء، لتذهب إلى ما وراء الحياة، انه خيار الانتحار، هكذا تُزين لضحاياها الاختيار، وأصبحت هي الآمرة الناهية في أمرهم ولا حول لهم ولا قوة.
قد يسلك الإنسان طريقاً طويلاً، وبعد شوط كبير يتفاجأ بأن الطريق مسدود، يوقن أن الاستمرار مستحيل، والتفكير في الرجوع أمر بعيد، وفي هذا الشوط يكون قد قدم الكثير من عمره وماله وصحته، وفي تلك اللحظة تختلف النظرة من إنسان إلى آخر، وكل حسب معتقداته وما يؤمن به، غالباً ما يكون لدى الإنسان خياران، يبحث فيهما ويدرسهما جيداً، ويقوم بحصر النتائج المتوقعة، ويقارن بينها، ويقع الاختيار على أسهل الحلول وأنفعهم له، إن لم يكن أقلهم ضرراً.
إذا أقبل إنسان على الانتحار فلا شك أنه فقد إيمانه مسبقاً، فمن المستحيل أن ينتحر مؤمن شهد في قلبه أن الروح بأمر الله لا بأمره، وأنه مجرد حارس أمين عليها لا حق له في التخلص منها أو إيذائها.
لا توجد هنا قاعدة معينة، أو معيار ثابت يرجع إليه الإنسان، سوى قلبه وعقله، بمعنى أوضح لا يرجع إلا إلى نفسه، ولا يوجد حَكم يفصل بينه وبين خياراته سوى نفسه، حينها يكون مصيره ومستقبله بين يديه، ويبصر سريعاً ما مضى من عمره، وما كان منه في هذا الطريق، وما آلت إليه الظروف وبما أن لديه حرية الاختيار سيكون هو المسئول عن نتيجة هذا وما يترتب عليه، وبين اليأس والأمل وبين الصواب والخطأ وبين الخير والشر يقع الاختيار.
عندما يصبح الانتحار أنسب الحلول!
قد يظن من ضاقت عليه الدنيا وتقطعت به كل السبل، أن الموت هو أفضل الحلول وأيسرها، يحسبه الخلاص من كل شيء، ونهاية الطريق، وراحة من الدنيا وشقاءها، ولكن أي خلاص هذا؟ وأي راحة تلك؟ إن الحياة زائلة ما هي إلا امتحان، وهناك حياة أخرى أبدية، إما نعيم دائم أو جحيم، وعلى قدر الأعمال والإيمان تكون النتيجة، لذلك نظرة المؤمن إيجابية، لأن يقينه بأن أمره كله خير إذا أصابته ضراء صبر فكان خير له وإن أصابته سراء شكر فكان خير له، فحياته كلها لله، يملك ميزان داخلي، يضع عليه كل أمر يمر عليه، إنه ميزان الحلال والحرام، قبل أن يقدم على فعل يرجع إلى هذا الميزان، حتى كلمته لا تخرج قبل أن يضعها عليه، فإن كان حلالاً توكل على الله، وإن كان حراماً استعاذ من الشيطان وابتعد عنه، وهذا ما يميز المؤمن عن غيره، ومن أجمل ما وهبه الله للمؤمن.
لكن كيف ينتحر المؤمن؟! إن من سمات المؤمن الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله، والإيمان بالقضاء والقدر، والخير والشر، والجنة والنار، فإذا ما أقبل على الانتحار فلا شك أنه فقد إيمانه مسبقاً، فمن المستحيل أن ينتحر مؤمن شهد في قلبه أن الروح بأمر الله لا بأمره، وأنه مجرد حارس أمين عليها لا حق له في التخلص منها أو إيذائها، بل إن من فروضه المحافظة عليها وتهذيبها.
المؤمن يعيش بالأمل في الله والفوز بمرضاته وجناته، قلبه ينبض بنور الإيمان ويضيء له الطريق، وحب الله طاقة تجري في عروقه، الجنة هدف يسعى للفوز بها، يسلك كل الدروب الموصلة إليها، وبين أمله وهدفه يكون الإيمان كامن في قلبه، عامر به، أرض خضراء فيها الإيمان ينمو، يزداد يقيناً وحباً في الله، يسقي قلبه بذكر الله وقراءة القران، يُغذي جسده ورحه بالأركان الخمسة، يعلم أن نفس المؤمن غالية، ويكفيه شرفاً أنها من روح الله.
الإقدام على الانتحار أسبابه متعددة من إدمان واكتئاب وفقر وقنوط وأمراض وغيرها من الأسباب الكثيرة، وكذلك الكلمة قد تكون سبباً من أسباب الانتحار، تستطيع الكلمة أن ترفع إنسان وتسقط آخر، ومن الطبيعي ان يخطأ الانسان سواء كان عمداً أو جهلاً، ولكن رد الفعل المقابل هو الأهم والأخطر، فالبعض يرد باللوم أو التعنيف أو التوبيخ والتنفير وغيرها، وبالتكرار يجعل الانسان لا يرى شيء سوى الألم والضعف، وقد يفقده أسباب الحياة، هذا عكس رد الفعل من الخطأ بالنصح والإرشاد، وتوضيحه والنتائج المترتبة عليه، وحثه على التصحيح وإفهامه النتائج الحسنة والطيبة، حينها سيدرك الأمر ويحاول جاهداً عدم الوقوع مرة أخرى فيه.
وفي عصرنا هذا كثرت محاولات الانتحار، وعلى ولي الأمر أن ينظر في هذا الأمر، فأغلب المنتحرين كانوا يمرون بضائقة مالية، فالراعي يُسأل إذا لم يمهد الطريق لبغلة تعثرت، فماذا عن خلفاء الله في الأرض، ألا يستحقون نظرة في أمرهم، لماذا لا يتم البت في أمرهم والتفريج عنهم، بدلاً من التضيق عليهم، وفرض القيود والعقبات وزيادة الأسعار، وإن كان المنتحر آثم فأنتم أساس الوزر، فلا بارك الله فيكم وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأخيراً إذا أصيب أحد قريب منك بالاكتئاب وبدأ في عزلة عن من حوله، عليك التقرب منه وفهم ما سبب حالته والعمل على مساعدته في التخلص من هذا، قد يبدو الأمر بسيط ولا يحتاج لهذا القلق، ولكن في هذا العصر والظلم الواقع لا تدري ما حجم الاكتئاب الذي وصل إليه وما قد يفكر فيه، ومن باب من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم علينا الاهتمام والسؤال على أحوال بعضنا البعض، ولابد للجميع من التماس الأعذار، التمس لأخيك سبعين عذراً، ويجب علينا أن نسامح ونغفر، فمن لا يغفر لا يغفر له ، ولا يضيق مسلم على أخيه المسلم، وأن يفرج عنه ما هو فيه قدر ما كان في استطاعته، بهذا نكون قد ساهمنا في سلامة شخص من الهلاك، ونسأل الله الثبات على الحق والإيمان والحمد لله رب العالمين.
المصدر: بتصرف يسير عن صفحة مدونات الجزيرة
[ica_orginalurl]