بدون الإيمان بالقدر يمتلئ المكان بالتشاؤم والانهزامية واليأس والإحباط، وترتفع شعارات تقول: كل همِّ الإنسان منصب إلى بطنه، ما فائدة العمل في هذا الجسد الفاني المتحلل؟!
د. هيثم طلعت
إن التسليم لله هو الطريقة الإنسانية الوحيدة للخروج من ظروف الحياة المأساوية التي لا حل لها ولا معنى. والاعتراف بالقدر هو استجابة مثيرة للقضية الإنسانية الكبرى التي تنطوي في جوهرها على المعاناة التي لا بد منها.
الإيمان بالله والتسليم له والاعتراف بالقدر، يعطي قوة جديدة وطمأنينة جديدة، بدون الإيمان بالقدر يمتلئ المكان بالتشاؤم والانهزامية واليأس والإحباط، وترتفع شعارات تقول: كل همِّ الإنسان منصب إلى بطنه، ما فائدة العمل في هذا الجسد الفاني المتحلل؟!.
هل الإيمان بالقدر انهزامية؟
ولا يعني الإيمان بالقدر نوعا من الانهزامية أو السلبية.. فكما قال إمرسون: لا يعني التسليم لله نوعا من الاتكالية، فكل السلالات البطولية كانت من المؤمنين بالقدر.
يقول الأستاذ علي عزت بيجوبيتش –رحمه الله: (وكلما نَمَت معرفتنا عن العالم تزايد إدراكنا بأننا لا يمكن أن نكون أسياد مصائرنا فنحن بين أن نكون متشائمين أو مسلمين لله).
فالتسليم لله هو نهاية قصة المصير الإنساني سواء شئنا أم أبينا، بينما التمرد الذي يبدأ بالقنوط ثم العدمية وينتهي بالانتحار هو عين المخالفة للحكمة الإنسانية.
إن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا محرماته، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسموا عليه، من لحظة فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني، من قوة النفس في مواجهة مِحن الزمن بالإيمان والثبات، من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به الوجود، من حقيقة التسليم لله.
إنه استسلام لله يستمد منه الإنسان سلاما روحيا وعزيمة ومصابرة على الكفاح والنضال في سبيل الحق والخير والعدل، وهذه رسالة الإسلام.
لا يقول لك الإسلام: لا تجتهد ولا تبحث ولا ترتقي؛ فالإسلام يدعو للسير في الأرض ويعد بالنتائج، لكي يقول لك: لو وقعت وأنت ترتقي فعليك بالتسليم لله ولا تجزع.
وهذا هو الفرق بين التمرد على الله والتسليم لله فكلاهما سواء.. التمرد أو التسليم يمثلان إنكارا للمادية والبحث المجتهد عن طريق خارج هذا العالم الذي أصبح فيه الإنسان غريبا، وإنما يكمن الفرق في أن التمرد لا يجد طريقا للخلاص بينما يذهب الدين إلى أنه وجد هذا الطريق.
__________________________________________
المصدر: د. هيثم طلعت، موسوعة الرد على الملحدين العرب، دار الكاتب، الطبعة الأولى، 2014.
[opic_orginalurl]