تمت بلورة مصطلح الإلحاد عقب انتشار الفكر الحر والشكوكيّة العلميّة، وازدياد التيارات الفكرية في نقد الأديان، حيث مال الملحدون الأوائل إلى تعريف أنفسهم باستخدام كلمة “ملحد” في القرن الثامن عشر خلال عصر التنوير، وشهدت الثورة الفرنسية أول حركة سياسية كبرى في التاريخ للدفاع عن سيادة العقل البشري فضلًا عن تيار من الإلحاد لم يسبق له مثيل!
(مقتطف من المقال)
حمزة المبارك
خلال الزوبعة الأولى والتي أعقبت نشر المقال المسيء لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام منذ فترة، ظهرت صفحات تتبنى (الإلحاد) يتحدث محركوها عن إيمانهم بالعقل وحده وأنه مرجعيتهم وأن لا شيء في حياتهم كخالق أو آلهة فوق العقل، دخلتُ نقاشا أو على الأصح جدلاً مع أحدهم انطلاقا من إيمانه بعقله؛ سألته ما الفرق عنده بين العقل والروح التي بين جنبيه؟ كان رده سريعا؛ أن الروح هي الحياة وأن العقل (آلهة) لا تشبه آلهتي على حد قوله!
سألته عن العقل؛ هل هو تَبَعٌ للروح أم العكس؟ كان جوابه ألا ترابط بين الاثنين وأن كل واحد منهما مستقل عن الآخر …
سألته؛ هل يولد (العقل) مع صاحبه؟ قال نعم! (آلهة تولد ونموها مرهون بنمو صاحبها، وقد ينمو هو وتبقى هي!).
سألته؛ هل يؤمن بالموت: قال نعم، سألته: هل بموت الإنسان يموت العقل والروح معا، قال؛ تخرج الروح من الجسد ويتعطل العقل (آلهة تتعطل!) و (روح دون آلهة!).
سألته أخرى: و من يخرج الروح من الجسد و من يعطل العقل؟ قال: إنها قوانين الطبيعة، سألته: و من أين للطبيعة بهذه القوانين؟ قال: صدفة!!!
سألته وهل حدثت لك صدف في حياتك؟ قال نعم وهي كثيرة جدا.. وهل في الحياة غير الصدف؟ قال نعم.. قلت له انظر الى السماء وتأمل وأجبني؛ هل تشبه السماء الصدف؟ ماذا عن الشمس والقمر والليل والنهار، هل يمكن أن يكون هذا البناء المتناهي في العظمة و الجمال صدفة؟ ماذا يمسك هذا البناء أن يقع على الأرض؟ و هل تجد في عقلك (الآلهة) ما يسع هذه العظمة و يدرك حجم القوة التي تدبر شؤونها؟
سألته أخرى؛ هل تستطيع أن تميز لي نوع الصدفة التي جمعت بين آلهتك (العقل) والدم الذي يجري في جسدك؟
أيها الآدمي: هل من الصدف أو يمكن أن يكون منها أن وجود آلهتك (العقل) مرهون بوجودك، وأي آلهة تدبر شأن المجنون (فاقد الآلهة!).
انظر من حولك لترى اختلاف الناس ألسنةً وألوانا، والأنعام والماء والهواء والجبال الراسيات والفُلك التي تجري في البحر واختلاف الليل والنهار.. كم من صدفة نحتاج لتسيير هذه الشؤون العظيمة وكم آلهة تموت وتحيى في هذا السبيل؟!
لما أمطرته بهذه الأسئلة قام بحظري مباشرة!
حينها أدركت أن العقل الذي يؤمن به لم يسعفه لمجاراة أسئلتي و أنه خاف على نفسه من “الردة“ عن الإيمان بعقله المحدود!
تأسفت كثيرا على انقطاع التواصل معه، وسألت نفسي؛ ما الذي يدفع هؤلاء الشياب للارتماء في أحضان ضيقة كهذه، وما الذي يسوقهم للخروج من سعة إيمانهم إلى ضيق عقولهم المتناهية في الصغر؟!
كان من فضول التفكر في هذه الحادثة أن خطر ببالي أن أطرح سؤالا على أقرب مجيب عن (الإلحاد) وأهله، فسألت النابغة غوغل فكان جوابه كالتالي:
(الإلحاد هو بمعناه الواسع رفض الاعتقاد أو الإيمان بوجود الآلهة، وفي المعنى الضيق يعتبر الإلحاد على وجه التحديد الجزم أنه لا توجد آلهة، وعموما يعني مصطلح الإلحاد غياب الاعتقاد بأن الآلهة موجودة، ويتناقض هذا الفكر مع فكرة الإيمان بالله أو الألوهية، إذ أنّ مصطلح الألوهية يعني الاعتقاد بأنه يوجد على الأقل إله واحد.)
ولقد تمت بلورة مصطلح الإلحاد عقب انتشار الفكر الحر والشكوكيّة العلميّة، وازدياد التيارات الفكرية في نقد الأديان، حيث مال الملحدون الأوائل إلى تعريف أنفسهم باستخدام كلمة “ملحد” في القرن الثامن عشر خلال عصر التنوير، وشهدت الثورة الفرنسية أول حركة سياسية كبرى في التاريخ للدفاع عن سيادة العقل البشري فضلًا عن تيار من الإلحاد لم يسبق له مثيل!
و تتراوح الحجج الإلحادية بين الحجج الفلسفية إلى الاجتماعية و التاريخية، حيث أن المبررات لعدم الإيمان بوجود إله تشمل الحجج و أن هناك نقص في الأدلة التجريبية، و على الرغم من أن بعض الملحدين تبّنى فلسفات علمانية (مثل الإنسانية والتشكك)، إلاّ أنه ليس هناك أيديولوجية واحدة أو مجموعة من السلوكيات التي يلتزم بها جميع الملحدين، كما ليست هناك مدرسة فلسفية واحدة تجمع كل الملحدين، فمن الملحدين من ينطوي تحت لواء المدرسة المادية أو الطبيعية و الكثير من الملحدين يميلون باتجاه العلم و التشكيك خصوصاً فيما يتصل بعالم ما وراء الطبيعة، و يقول بعض الملحدين بأنه ليس هناك عناد بين الإلحاد و دين البوذية لأن البوذيين أو بعضهم يعتنقون البوذية ولكنهم لا يعتقدون بوجود إله.
مفهوم الإلحاد الملتبس!
بينما يرى كثير من الملحدين أن الإلحاد هو نظرة أكثر صحة من الألوهية، وبالتالي أن عبء الإثبات يقع ليس على عاتق الملحد لدحض وجود الله، ولكن على المؤمن بالله تقديم مبررات للإيمان به حسب قولهم.
بعد الانتهاء من هذه السانحة التي تفضل بها غوغل اكتشفت أن مفهوم (الإلحاد) ملتبس حتى على من ينسبون أنفسهم إليه و على كثير ممن يتحدثون عنه و أن مجادلي ليس ملحدا بالمعنى المتعارف عليه لأنه حدد له آلهة يُخضع لها أحقية البت في قبوله للأشياء أو رفضها، و هذه الحالة هي الأخرى موجودة و على نطاق قابل للنمو و التمدد، و تطرح نفس الأسئلة و بعمق عن حجم الفراغ الفكري والعقلي الذي يعيشه هؤلاء الشباب، و مدى تقصير العلماء و المفكرين و عقلاء الأمة في حق هذا الجيل الذي وجد أمامه بناء منهارا و أحصنة متصدعة و حراسا وهميين للعقيدة لا يلبون في غالبيتهم حاجة هؤلاء المساكين من الأمن على عقولهم و عقيدتهم المحاطة بكثير من عوامل التشكيك و محاولات الاجتثاث!
علينا أن ننظر بجدية إلى مكامن الخلل و إلى مصادر الخطر و مواطن العطل، فالعلم ليس منافيا مطلقا للاعتقاد بوجود خالق و مدبر للكون، بل يؤكد العلم بين الفينة و الأخرى تشبثه بقوانين متسقة مع الإيمان بالله تعالى و قدرته اللامتناهية على الخلق و التدبير، كما لا يخفى أن العقل هو أعظم وسيلة لإدراك معاني الآيات الكونية المتمثلة في التناسق الخارق و الإعجاز الفارق في مكونات الطبيعة و الكون، إلا أن ممارسات المسلمين اليوم و بُعدهم عن التشبث بقيم الإسلام و خلاله الأخلاقية و خصاله العدلية و رحمته الواسعة و شفقته و طهارته و نظافته و عفته، جعلت الدين عرضةً للمساءلة نيابة عنهم، و محل تشكيك بدلا منهم، فاختلط حابل الممارسة بنابل الجهل و الفراغ، و حتى الحيرة و عدم وجود حواضن تتكفل بتلبية حاجات المحتارين من الحجج و تُزيل عوزهم الفكري!
العلماء والباحثون وجميع العقلاء مطالبون اليوم بالانفتاح على جميع العوالم الواقعية والافتراضية والتصدر المنظم المنسق لبيان ما بحوزتهم من الأمانات والرد على الشبهات وتمييز المتشابهات والخوض عن دراية في كل صغيرة وكبيرة وإقامة الحجة على الناس، فالإسلام وُجد ليكون ملجئا ومنجى، جاء ليخرج الناس من عبادة العباد والأوثان والأوهام إلى عبادة رب العباد ومن جور الحيرة والشيطان إلى عدل الله الواحد المنان، ومن ضيق العقول والنفوس إلى سعة القلوب التي في الصدور.
المسؤولية عظيمة والأمر جلل يتطلب الحيطة والحذر والحكمة والمحاججة بالدليل والمقارعة بالتنزيل والحزم في التأويل والحذر الحذر من التحريف والتبديل، واعلموا أن كل واحد منكم على ثغر، فلا يؤتين الإسلام من قبله، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
المصدر: بتصرف عن موقع موريتانيا الحدث
[ica_orginalurl]