عودي إلى الله واصرفي عنك وساوس الإلحادِ أو الانتحار ، لستِ أفضل من إبراهيم ويونس عليهما السلام، ولا يوسف وأيوب، عودي إلى الله ، والجمي الهوى بلجامِ التَّقوى
“الإلحاد أو الانتحار.. ثنائية تهاجم عقول وقلوب بعض من ابتلي في نفسه أو أهله أو ماله.. تنهش في النفوس كالفيروسات اللعينة التي تكاد تفتك بالأجساد الهزيلة القابلة للعدوى.. حينما يصبح المرء هشا خاويا قابلا للكسر من أبسط ضربة يسددها له القدر.. رسالة توجهها الكاتبة لكل فتاة تحطم فؤادها لسبب ما، وجاهدت وحاولت مقاومة اليأس والإحباط إلا أنهما نجحا في كسر كبريائها والتسلل إلى قلبها الجريح والسيطرة عليه، وبث الإشارات العدائية تجاه العقل فأعلن الحرب على الدين والدنيا معا.. فكفر واستغنى.. رسالة ليست لكل فتاة فقط، بل لكل من زادت ابتلاءاته حتى التبس عليه الحق وزاغت بصيرته“.[1]
بنيتي، يا مَن مرَّت عليك سنوات أو أيام صِعاب، تجرَّعتِ من كأس المرارة، وضاق صدرُك لخيانة قريبٍ أو وفيٍّ، ، يا من بكيتِ حرقةً لغدر طَعنة سكِّين في ظهرك، أو فقدتِ عزيزًا عليكِ وكدتِ تصابين بالجنون حرقةً لفراقه، أو ضاع منك مالٌ كثير، أو تشتَّت مشروع مِهنيٌّ جاء بعد طول انتظار وطول توسُّط ممَّن سلَّمك وُعودًا أنَّكِ ستكونين ممَّن سيحظون بتلك الصَّفقة الدنيويَّة، أو أُصبتِ بمرضٍ ألزَمَكِ الفراش ومنع عنكِ الحركةَ والضحكةَ والحبور سنوات عديدة، أو انقطع وصالُك بأهلِك فعشتِ غريبة وحيدة تستعينين بمالِك في عيشك ليستقيم حالُكِ أمام النَّاس، أو أضعتِ تحصيلاً علميًّا بسبب ظُلم أستاذٍ لكِ.. إلى غير ذلك من القضايا العديدة التي قرأتُها للقرَّاء الكرام بتمهُّل.
وإنِّي أكتب بحرفٍ يحس قبل أن ينقش بوصلة المداد تحليلاً لهذه المعضلات الاجتماعيَّة، التي تجعل الإنسان في تيهٍ وشرود ذِهنٍ حينما يغيب النَّاصِح أو يتغيَّب، وهو مدعاة لمراجعة الذَّات ونَقْدها وإلجامها بلجامِ التَّقوى وبقوَّة؛ حتى لا تفتح أبواب الشَّيطان الخبيثة، وما أخبثها وهي تأخذ صاحبَها نحو الضياع الأكيد والخسارة الفادِحَة للدِّين والصحَّة والثَّبات.
وإنِّي أقول لكِ: إنَّ طريقة تعاطيكِ مع أيِّ نوع من المشكلات التي ذكرت آنفًا، لا أتمنَّى أن تصل إلى حدِّ الانتحار أو التفكير في التجرُّد من الانتماء للدِّين وعدم الإيمان بوجود الواحدِ الأحد.
الانتحار.. رد النعمة بالنكران!
هل هذا ما توصَّلتِ إليه من حلول؟ هل هذا ما سيشفِي صدرَكِ من الآلام؟ فحتى لو كانت هي قناعتك، فأنتِ مخطئة في هذا التفكير؛ لأنَّ الرُّجوع بذهنيَّة الجاهليَّة الأولى والتجرُّد من أدنى شروط التوحيد هو الجبن والضَّعف بعينه، فما من مشكلةٍ تعترضنا في الحياة إلاَّ ولها حلٌّ، فلِمَ تسترسلين بإرادتك إلى إنكار وجود الله من شدَّة الضِّيق أو من كثرة تكالُب المِحَن عليكِ؟ أوَلستِ مملوكة لله، وهو مَن خلقَكِ؟ فكيف تردِّين النِّعمةَ بالنُّكران بمجرَّد أن ابتلاكِ؟
يقول تعالى: “أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً” (الفرقان:43، 44).
ويقول سبحانه: “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” (الأعراف:179).. فهل سترضين اختيارَ مرتبةِ الإلحاد الدنيا؟ أو أنَّك تفكِّرين في أن تَقتلي نفسَكِ بنفسك؛ فلا أنتِ سعدتِ في الدنيا ولا أنتِ ستسعدين في الآخرة.
ثمَّ إن سُنَّة الله في الكون وجود الابتلاء، وله حِكَم كثيرة؛ منها أن يَختبر صبرَكِ ويقينك به، ومنها أن توهَب لك مِنَح بعد اجتيازك للمِحَن، فكما للنَّجاح ضريبة تُدفع للظَّفر بمراتب المتفوِّقين، فكذلك للجنَّة ضريبة تُدفع لدخولها، وبقَدْر صبرك واحتسابك وعفوك وإحسانك بقَدر ما تنالين الدَّرجة الرَّفيعة في الفردوس الأعلى.
إذًا هل ستظلِّين تفكِّرين في أن تَحيدي عن جادَّة الصواب؟
ابتلاء الدنيا سيمرُّ اليوم أو غدًا، مهما طال الليل لا بدَّ له أن يَنجلي ويَترك لنور الصَّباح ساحةً من الضِّياء، هل استوعبتِ الفرقَ بين صنيع الخير وصنيع الشر؟ إنَّها الإرادات مَن تختار لها طريقَ الفلاح أو طريق الهلاك، إنَّها العقول التي تفكر في الطريق الصحيح وعلامات الاستدلال إليه.
ثمَّ مَن قال عنك: أنَّك إنسان ضعيفٌ حينما تعرضتِ لصدمات في الحياة.. أنَّك لا شيء – فهو مخطئ، فالأنبياء صَفوة الله المختارَة تعرضوا لهزَّات عنيفة، لكنَّهم صبروا وفكَّروا بحِكمة وتحدَّوا الصِّعاب، وبلغوا مقصدَهم بعد أن فَهموا حقيقةَ وجودهم، وسرَّ خَلقهم، وعليه فما تعرضتِ له لم يكن ليخطِئك بقَدر ما كان ليمحِّصك ويعلِي قدرَك في المستقبل.
ونِعَم الله كثيرة لا تعدُّ ولا تُحصى، والحمد لله أنَّه كرَّم عِباده بنِعمة العَقل لتميز بين ما يَليق لها من سلوكٍ وبين ما يضرُّها، ويستحيل استحالة تامَّة أن يبقى حالُكِ هكذا بعد أن تقدَّمتِ إلى الله بالدعاء والاستِغفار وأخذتِ بأسباب تفريج الهموم، فلستِ تعلمين مَكمن الخير، ولستِ تدرين متى يأتي يومُ الخلاص، ولستِ تعلمين إن كنتِ من الأحياء بعد الغد أم لا.
تذكَّري أنَّكِ أمَةٌ لله، هو من خلقكِ وهو من يَرزقك، وهو من يشفيكِ ويمنحك العافيةَ ويحبِّبك إلى خلقه، ويكشف عنك الضرَّ ويسقِط عنك المرض والهمَّ والغمَّ ويوسع لكِ في رزقك، فوالله الذي لا إله إلاَّ هو، الله وحده مَن يَسمع أنينكِ بالليل، ويبدِّل دمعةَ أساكِ إلى عبرات كلها سرورٌ وفرَح، وما لم يُكتب لك في الوقت الذي أردتِ فيه الانفراج لك أن تتيقَّني أنَّه مؤجَّل من الله لحكمةٍ لن تعرفيها إلاَّ وأنتِ تقفين على رابية من روابي الفرَح والفرَج.
عودي إلى الله
فأحسني ظنَّكِ بالله، وعودي إلى الله عودةَ تائب نادِم، وانكسري له في ضَعفٍ، الله وحده من سيَرفع شأنَك عاليًا ما دمتِ عدتِ إليه خائفةً وراجية ومناجية، اسجدي له واقتربي، واصرفي عنك أفكارَ الخراب والإلحاد، غيِّري مَنحى تفكيرك السَّلبي، عودي إلى القرآن والسنَّة، عودي إلى سِيرة الصَّحابة واقرئيها جيدًا وابحثي لكِ في سيرتهم عمَّا يشبه قضيَّتكِ ستجدين الحلَّ الأنفعَ وستفهمين أنَّها سنَّة الله في الكون؛ حيث يوجد بها ابتلاء ومِحَن وعراقيل، فلا خيار لكِ سوى الرجوع إلى الله، ولا شِفاء لك إلاَّ من القرآن، ولا طمأنينة لقلبك سوى بذِكر الله، فهل بعد كلامي انكسرَ قلبُكِ وسقطَت دمعتُكِ حبًّا لله؟.
عودي إلى الله واصرفي عنك وساوس الإلحادِ أو الانتحار، لستِ أفضل من إبراهيم ويونس عليهما السلام، ولا يوسف وأيوب، عودي إلى الله ولومي نفسَكِ، وألجمي الهوى بلجامِ التَّقوى، ساعتها سيصفو مَنبع مشربك، وينفَرِد قلبك إلى ذِكر الله وحبِّه، وتأمَّلي بعد هذه التوبة كيف سيكسو الجمالُ ملامحَ وجهك، وتَرتَسم الابتسامةُ على فيكِ الحزين.
ثقِي في الله وتوكَّلي عليه، وتوبي له ولا تَحملي همَّ رِزقك أو طريقة خلاصك؛ فوالله ما كان موصدًا من الأبواب سينفتِح لكِ على مصراعيه.
أختي، ما تمسَّكتِ بحبل الله فلن تَضيعي أبدًا حتى لو ارتفعَت بكِ أمواجُ المحَن، سترتفع عاليًا ثمَّ تعاود الهبوط مجدَّدًا، فيسكن البحرُ، وتَهدأ العواصِف، وتشرِق الشمسُ محتفلةً بجمال يومٍ هادِئ مبارَك، ترفرِف له أشرعة سُفن الحياة، وهي ماضية تَمخر أمواجَ البحر الهادئة باتِّجاه التحدِّي من جديد.
فهكذا هو حالُكِ في الابتلاء وفي الفرج، أوَ بعد هذا المثال تصرِّين على عدم الإقرار بعظمة الله؟ حاشا والله حاشا ألا نخرَّ سجَّدًا للواحِد الأحد ونبكي أبدَ الدَّهر خوفًا وخشية من تقصيرنا في حقه تعالى، وفي عبادته وشكره وحمده، وما كان موسومًا بعنوان التوكُّل وحسن الظنِّ بالله أبدًا لن تظله عواصِف هوجاء ولا أمواجٌ ماجنة، بل تقوده إرادةٌ مؤمِنة باتِّجاه القَدر المحتوم، وهو مرضاة الله عزَّ وجل…
أَسكَن الله في قَلبك حبَّه وحبَّ نبيِّه وحبَّ من يحبُّه”.
الهامش:
المصدر: بتصرف عن شبكة الألوكة الثقافية
[ica_orginalurl]