د. أحمد بن عبد الله آل سرور الغامدي
الحمد لله الذي خلق الخلق، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم، إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن الله تعالى خلق بني آدم، وعلى سائر المخلوقات فضلهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: ٧٠).
وقال تبارك وتعالى: – في بيان خلق الناس، وأن أصلهم واحد لأبيهم آدم عليه السلام- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: ١)؛ ولهذا فإنه لا تفاضل بين بني آدم من حيث الأصل، قال صلى الله عليه وسلم: “والناسُ بنو آدم، وآدمُ من تراب”.
ومع هذا الخلق الذي يعود لأصل واحد، إلا أن الله تعالى جعلهم شعوبا وقبائل مختلفة، وجعل أكرمهم أتقاهم له جل وعلا، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: ١).
ثم بين جل وعلا أنه قضى بوقوع الخلاف بين هؤلاء الناس لحكمة أرادها جل وعلا، فقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (هود: ١١٨ – ١١٩)؛ أي لا يزال الخلف بينهم في أديانهم ومللهم وآرائهم، كما ذُكر في تفسير الآية الكريمة.
وإذا تقرر ما سبق، وأن الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع؛ فإن هذه الشعوب يقع بينها الخلاف، والصراع، والتنافس، ويكون منها المؤمن ومنها الكافر، وسنة الله تعالى ماضية فيهم، ولا ريب أن عيش الناس في سلام وأمن واستقرار، تنزع إليه الفطرة الإنسانية، وتقره العقول السوية؛ ولذلك فإن هذه الشعوب والأمم المختلفة عبر التاريخ تبحث عن الاستقرار والطمأنينة، ولعجز العقول الإنسانية عن إدراك مصالحها، وما ينفعها ويصلح أحوالها القائمة والمستقبلية؛ فإن من رحمة الله تعالى أن أرسل إليهم الرسل عليهم السلام، وأنزل الكتب، وشرع الشرائع، التي تصلح أحوال الناس في دنياهم وأخراهم، وكانت شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع السماوية، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى: ١٣).
فدين الأنبياء -عليهم السلام- كلهم الإسلام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن مَثلي ومَثلَ الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنهُ وأجملهُ إلا موضع لَبنةٍ من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويتعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين”.
وجاءت شريعة الإسلام بما يحقق السعادة والخير للبشرية جمعاء، في دنياهم وأخراهم، كيف لا، والله تبارك وتعالى أكمل هذا الدين، وأتم النعمة علينا، ورضي الإسلام لنا دينا؟! قال جل وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة: ٣).
وهذا الكمال لا ريب أنه لن يدع صغيرة ولا كبيرة إلا ويراعي فيها الخير للناس كآفة، ومن ذلك مراعاة علاقات هذا الإنسان بغيره من الناس، سواء بصورة فردية أم جماعية، ومن أعظم ما ينشده الإنسان العدل والأمن، ورفع الظلم، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل.
وإذا كانت الأمم قاطبة قديمها وحديثها سعت وتسعى في تحقيق أمنها واستقرارها، والعيش مع الشعوب الأخرى في تآلف ووئام، وبعدٍ عن الصراع والحروب؛ فإن هذا الذي تبحث عنه الشعوب جاءت به شريعة الإسلام، فنظمت العلاقة بين الأمم، وأعطت كل أحد حقه، ومنعت من الظلم والعدوان، سواء بين أتباعها بعضهم بعضا، أم مع الشعوب الأخرى التي لا تؤمن بها، فكفلت هذا صدقا وحقا، ومنحته لشعوب الأرض قولا وفعلا، ويظهر ذلك جليا فيما أقرته شريعة الإسلام ومنحته لأولئك الذين لا يدينون بهذا الدين، وقد قام -صلى الله عليه وسلم- بذلك خير قيام، ولو ذهب الإنسان يتتبع ذلك لطال به المقام، ولكن من خلال الأصول السابقة، وهذه الإشارات السريعة اللاحقة يدرك الإنسان مقدار مراعاة الإسلام للعلاقات الإنسانية، حتى مع من لم يؤمن بعقيدة الإسلام، ومن ذلك:
– أن محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: ١٠٧). وفي الآية قولان: أحدهما أن المقصود رحمة بأهل الإيمان، دون أهل الكفر، والثاني: أنه -صلى الله عليه وسلم- رحمة بالعالمين أجمع، مؤمنهم وكافرهم، وهذا هو الصواب (فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة. وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء، الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله).
– أنه صلى الله عليه وسلم قام بتطبيق مبدأ الرأفة والرحمة والتسامح والحفاظ على الحقوق الإنسانية والعلاقات البشرية خير قيام؛ فبعد أن هاجر صالح يهود المدينة، على ألا يحاربوه، ولا يظاهروا عليه، ولا يوالوا عليه عدوه، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم، وأموالهم، وكانت تقدم عليه رسل أعدائه، وهم على عداوته فلا يهيجهم، ولا يقتلهم، وصالح -صلى الله عليه وسلم- يهود خيبر، ونصارى نجران، وصالح قريشاً. وفي إباحة الصلح مع الأعداء يظهر جليا مراعاة شريعة الإسلام لعلاقة الإنسان المسلم بغيره، حتى لو بقي على دينه؛ فإنه لا يجبر على الدخول في الإسلام.
– وعندما فُتحت مكة حلم -صلى الله عليه وسلم- على قريش، وأجار من أجار منهم، بعد الذي فعلوه به وبصحابته رضي الله عنهم.
– أن المسلمين في جهادهم في سبيل الله تعالى لدعوة الناس إلى عبادة الله جل وعلا، كانوا يقيمون للنفس الإنسانية قدرها، ولا يرون إزهاقها لمجرد كفرها، ولهذا مُنع المجاهدون من كثيرٍ من الأمور التي لا تتفق ومبدأ الجهاد. قال صلى الله عليه وسلم: “اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا…”. فتأمل هذا الحديث الشريف: تحريم الغلول، والغدر، والتمثيل بالقتلى، وقتل الولدان.
– ومن مظاهر هذه المراعاة للعلاقات الإنسانية أن الشريعة الإسلامية منعت من قتال من لم يقاتل من الكفار، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: ١٩٠). يقول شيخ الإسلام: “فأمر بقتال الذين يقاتلون، فعلم أن شرط القتال كون المقاتَل مقاتِلا”.
– ومن ذلك أن الإسلام منع من قتل النساء والصبيان؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “وجدت امرأة مقتولةً في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان”. يقول شيخ الإسلام -بعد أن ذكر بعض الأحاديث ومنها الحديث المذكور-: “وفي الباب أحاديث مشهورة، على أن هذا من العلم العام الذي تناقلته الأمة خلفا عن سلف، وذلك لأن المقصود بالقتال أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وأن لا تكون فتنة، أي لا يكون أحد يفتن أحدا عن دين الله، فإنما يُقاتل من كان ممانعاً عن ذلك، وهم أهل القتال، فأما من لا يقاتل عن ذلك فلا وجه لقتله كالمرأة والشيخ الكبير والراهب ونحو ذلك”. والمقصود أن المشرك له حال لا يجوز قتاله فيها: أن يكون له أمان أو عهد. وكذلك إذا لم يكن من أهل القتال.
– ومن مظاهر اهتمام الشريعة الإسلامية بالعلاقات الإنسانية: احترامه لأسرى الحرب، وحثه على دعوتهم للإسلام، والإحسان إليهم، والاهتمام بهم، وإطعامهم، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (الإنسان: ٨).
– ومن مظاهر اهتمام الإسلام بالعلاقات الإنسانية أنه طالب أتباعه بدعوة من لم يدخل فيه إلى الإيمان به، وفي هذا دليل على حب الخير لكل بني الإنسان لتتحقق سعادتهم في الدارين.
– ومن هذه المظاهر أن شريعة الإسلام في سبيل الوصول لهذه الغاية، وهي دعوة الناس إلى الدخول في الإسلام، طالبت هؤلاء الدعاة أن يتخذوا من الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.. سبيلا في طريق دعوتهم؛ ليكون ذلك أبلغ في التأثير عليهم، وتحقيق الخير لهم، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: ١٢٥).
– ومن هذه المظاهر أن الإسلام أباح نكاح المحصنات من نساء أهل الكتاب، وأباح أكل ذبائحهم، وفي هذا دليل واضح أن الإسلام لا يقطع هذه العلاقات بين الناس، حتى وإن كانوا من الكفار بهذا الدين، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: ٥).
ومما يذكر أن المسلم إذا تزوج الكتابية؛ فإنه لا يلزمها بالتخلي عن دينها، بل تبقى على دينها، ولها حقوقها.
– ومن هذه المظاهر أن شريعة الإسلام جعلت لأهل الذمة البقاء على دينهم؛ بل أعطتهم حقوقا كثيرة، وحافظت على أموالهم وأعراضهم، مع وجوب خضوعهم لأحكام هذا الدين الذي هو نعمة ورحمة لكل أحد من العالمين. بل إن أهل الذمة لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، ويطلب المسلمون لهم ما يطلبونه لأنفسهم، يذكر شيخ الإسلام في رسالته لملك قبرص، بعد أن قيل له إن في الأسرى نصارى أخذوا من القدس فلا يطلقون، قال: “بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا؛ فإنا نفكهم ولا ندع أسيراً، لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة…”.
– ومن هذه المظاهر أن شريعة الإسلام أمرت بحسن الجوار، وإن كان هذا المجاور من الكفار، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} (النساء: ٣٦). ومما ذكر في الجار الجنب أنه اليهودي والنصراني. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الغلام اليهودي مثال واضح لذلك، ويتأكد هذا الأمر إذا طمع المسلم في استجابة هذا الجار لدعوة الإسلام. فعن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعودهُ، فقعدِ عند رأسه، فقال له: “أسلم”. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار”. وفي رواية أبي داود وغيره: “أنقذه بي من النار”. وفي الحديث جواز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد.
– ومن هذه المظاهر أن شريعة الإسلام أمرت بالعدل مع كل أحد، وحرمت الاعتداء ولو على الأعداء، قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا} (المائدة: ٢). وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة: ٨).
– ومن مظاهر اهتمام شريعة الإسلام بالعلاقات الإنسانية حفظ النفس الإنسانية، وعدم إزهاقها بغير حق، أو مصادرة حرية الإنسان وامتهان كرامته، أو الاعتداء على ماله، أو عرضه، أو عقله، ودعت إلى التعاون على أمور البر والإصلاح، والمشاركة في الأعمال التي تدعو إلى الحق وحسن الخلق والفضيلة، وتمنع من الظلم والعدوان، وتحد من انتشار الجريمة والرذيلة.
– ومن مظاهر اهتمام شريعة الإسلام بالعلاقات الإنسانية أنها أباحت التعامل مع الكفار، وإبرام العقود معهم، والبيع والشراء منهم، واستخدامهم في المهن المختلفة كالطب والهندسة ونحوها، إذا كانوا ممن يوثق في علمهم، وصدق نصحهم؛ فإن الإسلام لا يمنع من الاستفادة منهم، فيما يعود بالنفع على المسلمين.
والمقصود أن شريعة الإسلام تراعي العلاقات الإنسانية خير مراعاة.. كيف لا وهي توصي برحمة الحيوان، والرفق به، وترى أنه في كل ذات كبد رطبة أجر، والإنسان مقدم على الحيوان؟!
إن شريعة الإسلام تستوعب بعدلها وفضلها وكمالها جميع أهل الأرض، ولا يعني ذلك حب الكفار، ولا موالاة الأعداء، ولا إقرار الباطل، ولكنها الشراكة فيما يحقق الخير والنفع للعباد والبلاد، فيكون حكم الإسلام مهيمناً، وأمره ظاهراً، ثم ينعم كل أحد -بما في ذلك الكفار- بعدل الإسلام، وتستقر حياتهم بتطبيق شرع الله تعالى بين الناس.
وإذا كان هذا حال عقيدة الإسلام وشريعته، في إقراره لهذه العلاقة بين بني آدم، فإن ما يذكره الأعداء وخاصة في هذه الفترة عن الإسلام، وما يتهمون به أتباعه، ليس إلا محض افتراء، وكذب وبهتان، تبطله النصوص الشرعية، وتكذبه الحقائق التاريخية.
والغريب أنه في الوقت ذاته يزعم هؤلاء الأعداء أنهم يدعون إلى العدل والاستقرار، والعيش بين الشعوب بأمن وسلام، ونسمع في قرارات مجلس الأمن، والمواثيق الدولية المختلفة، وما يرددُ في بنودها باستمرار: النظر في النزاعات الدولية، وحفظ السلام والأمن الدوليين، وبناء الثقة بين الدول والشعوب، وعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول، والتسوية السلمية، ومفاوضات السلام، وعمليات حفظ السلام، والإجراءات غير العسكرية، ومحاربة العنصرية،، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ومنحها حق الاستقلال، والنظام العالمي الجديد، الذي زعم بوش أنه يدعو إلى “التسوية السلمية للنزاعات والتضامن في وجه العدوان، وتخفيض وضبط ترسانة الأسلحة، والمعاملة العادلة لجميع الشعوب”.
إن المتأمل للواقع الدولي في هذه الأزمنة يجد أن هذه المواثيق والاتفاقيات المتعددة اشتملت على مصطلحات جوفاء، لا حظ لها في الواقع؛ بل إنها شعارات خادعة، وقرارات زائفة، تحقق بداية مصلحة الدولة الصليبية المتغطرسة، بل إن العاقل يجد الوجه الحقيقي لهذه المواثيق والاتفاقيات فيما يُتخذ ضد المسلمين ودول الإسلام من قرارات جائرة، تكشف زيف هذه الدعاوى الكاذبة، وتنبئك أن الهدف منها مصلحة الدول الكافرة.
وليست الإشكالية في اعتقادي في مسألة هذا العداء، وهذا الكذب في اتهام الإسلام والمسلمين بأنهم أهل حرب وإرهاب؛ فإن هذا أمر ملازم لليهود والنصارى، لكن الإشكالية في سريان هذا الداء إلى نفوس بعض المسلمين، وتقليدهم لهؤلاء الأعداء في اتهام الدين الإسلامي بما هو منه براء.
——
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث (بتصرف).
[ica_orginalurl]