اللواء أحمد عبد الوهاب
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله.
وبعد:
لقد دأب الغرْب النصراني -بوجهٍ عام- على الطَّعن في الإسلام ونبيِّه، وتعرَّضت سيرة خاتم النبيِّين إلى التشويه والمغالطات والمفتريات على أيدي رجال الكهنوت النَّصراني، وتلاميذهم من المستشرقين والمنصِّرين والكُتَّاب ورجال الاستعمار.
وهذا المقال الَّذي بين يدَي القارئ يعرض مقالات في الإسلام لبعْض العلماء والمفكِّرين والمستشرقين في الغرب، يُمكن اعتِبارها نماذج لتطوُّر الفكر الغربي في الإسلام خلال القرْنين الأخيرين.
فمن هؤلاء الغربيِّين مَن لا يزال -إلى اليوم– موثَّقًا بقيود الماضي إلاَّ أنَّ القوَّة الذاتيَّة للحقِّ أجبرتْه على أن يقول كلمة حق، ومنهم مَن حطم تلك القيود تمامًا، فاعتنق الإسلام وصار واحدًا من أفضل دعاته، ومنهم مَن خلط في مفاهيمِه بين هذا وذاك؛ {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102]، ومنهم من يصرِّح بانبهاره بالإسلام دينًا وحضارة ومنقذًا للبشريَّة، والله عليم بذات الصدور.
وشهد شاهد من أهلها
مرجليوث: مستشرق إنجليزي شديد التعصُّب ضدَّ الإسلام ونبيِّه، ولد عام 1858 م، وتوفي عام 1940 م، كان أستاذًا للُّغة العربيَّة في جامعة أكسفورد منذ عام 1889 م، وعضوًا بعدَّة مجامع علميَّة كالمجمع اللغوي الإنجليزي، والمجمع العلمي العربي بدمشق، والجمعيَّة الشَّرقيَّة الألمانيَّة، كما كان مرجليوث من محرِّري (دائرة المعارف الإسلامية)، له مؤلَّفات عديدة عن الإسلام والأدب العربي وتاريخه، ومنها كتابه (أصول الشعر العربي)، وهو المرجِع الَّذي اعتمد عليه طه حسين في كتابه عن (الشعر الجاهلي) الذي صدر عام 1926 م.
يقول (مرجليوث) عن القرآن:
“باعتراف الجميع، يحتلُّ القرآن مكانة هامَّة بين الكتب الدينيَّة العظيمة في العالم، وعلى الرَّغْم من أنَّه قد جاء الأحدث في قائمة مثل هذا النَّوع من الأعمال التي تُعْتبر مطلع عهد جديد في الفِكْر والتَّاريخ، فيكاد لا يُضاهيه عمل آخر في تأثيره العجيب الذي أحْدثه في جُموع هائلة من البشر، لقد خلق طورًا جديدًا في الفكر الإنساني ونوعًا حديثًا من الشخصيَّة الإنسانيَّة.
ففي بداية الأمر، حوَّل القرآن عددًا من القبائِل الصحراويَّة غير المتجانسة في شبه الجزيرة العربية إلى أمَّة من الأبطال، ثم واصل على نحو مطرد خلْقَ الهيئات الدينيَّة السياسيَّة الكبيرة في العالم الإسلامي، والتي تُعْتبر إحدى القوى العظمى التي يَجب على أوربا والشَّرق أن يَحسبا لها حسابًا اليوم”. اهـ.
ذخيرة الحق الإلهي
مونتجمري وات: رئيس قسم الدراسات العربية في جامعة (أدنبره)، له عدَّة كتُب ودراسات، منها: (من تاريخ الجزيرة العربية) 1927 م، و(عوامل انتشار الإسلام) 1955 م، و(محمَّد في مكة) 1958م.
يقول (مونتجمري وات) في كتابه “الإسلام والنصرانية اليوم”:
لستُ مسلمًا بالمعنى المألوف، ومع ذلك فإنِّي أرجو أن أكون مُسلمًا كإنسان استسْلم لله، بيْد أنِّي أعتقد أنَّ القرآن وغيره من تعْبيرات المنظور الإسلامي، ينطوي على ذخيرة هائلة من الحقِّ الإلهي، الَّذي مازال يَجب عليَّ أنا وآخرين من الغرْبيِّين أن نتعلَّم منه الكثير.
ومن المؤكَّد أنَّ الإسلام منافسٌ قويٌّ في مجال إعطاء النظام الأساسي للدين الوحيد الذي يسود في المستقبل.
إدوارد مونتيه: مستشرق من أصل سويسري، ولد عام 1856 م، ودرس في جامعات جنيف وبرلين وهايدلبرج، حصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة باريس عام 1883 م، عيِّن أستاذًا للعبرية والآرامية والعهد القديم في جامعة جنيف، ثمَّ أضيف إليه العربيَّة وتاريخ الإسلام، رأس جامعة جنيف (1910 – 1912)، تُوفي عام 1927 م.
الإسلام دين العقلانية
يقول إدوارد مونتيه في كتابه: (الدعاية النصرانيَّة وأعداؤها المسلمون):
“إنَّ الإسلام في جوْهره دين عقلاني وفق أوْسع المعاني لِهذا المصطلح من الوجهة الاشتقاقيَّة والتَّاريخية، إنَّ تعريف العقلانية باعتبارها نظامًا يقيم المعتقدات الدينية على مبادئ يدعمها العقل، إنَّما ينطبق تمامًا على الإسلام، وعلى الرَّغْم من التطوُّر الخصب -بكل ما في هذه الكلِمة من معنى- لتعاليم النبي، فقد احتفظ القرآن بمنزلته الثَّابتة كنقطة البداية الرَّئيسة لفهم الدين، وصار يعلن دائمًا عن عقيدة توحيد الله في سمو وجلال وصفاء دائم مع اقتناع يقيني متميز، من الصعب أن يوجد ما يفوقه خارج نطاق الإسلام، إنَّ هذا الإخلاص للمعتقد الأساسي للدين، والبساطة الجوهريَّة للصيغة التي ينطق بها، والبرهان الذي يكتسبه من الاقتِناع الذي يلتهب حماسة لدعاته القائمين بنشْره، كل ذلك يقدِّم أسبابًا كثيرة تعلل نجاح مجهودات الدعاة المسلمين.
إنَّ عقيدة بمثل هذه الدقَّة، ومجرَّدة من كل التعقيدات اللاهوتية، وبالتَّالي يمكن للفهم العادي أن يتقبَّلها بسهولة، فمن المتوقَّع أن تكون لها قدرة عجيبة -وهي في الواقع تمتلك هذه القدرة- على اكتساب طريقها إلى ضمائر البشر.
منقذ الإنسانية
جورج برنارد شو: كاتب ومفكر أيرلندي، ولد عام 1856 م، وتُوفِّي عام 1950م، اشتهر بنقْدِه اللاذع للمجتمع البريطاني، وخاصَّة في عصر الملكة (فكتوريا)، (توِّجَت ملكة عام 1837م وتوفيت عام 1901 م)، وقد بلغت الإمبراطوريَّة البريطانيَّة أوْجها في العصر الفكتوري، كذلك اشتهر (برنارد شو) بنقده للغرب بوجه عام، وقد حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1925م.
يقول (جورج برنارد شو):
لقد كنت دائمًا أحتفِظ لدين محمَّد عندي بأعلى التقدير، وذلك بسبب حيويَّته المدهشة، إنَّه الدين الوحيد الذي يبدو لي أنَّه يمتلك القدرة على استيعاب تغيُّر أطوار الحياة بما يجعله محلَّ إعجاب لكل العصور.
لقد درستُ محمَّدًا -ذلك الرَّجُل العجيب- وفي رأْيِي أنَّه أبعد ما يكون عمَّن يسمَّى ضدَّ المسيح، ويجب أن يسمَّى: منقذ الإنسانيَّة.
إني أعتقد لو أنَّ شخصًا مثله تولَّى الحكم المطلق للعالَم المعاصر، لنجحَ في حلِّ مشاكله بطريقة تجلِب له ما هو في أشدِّ الحاجة إليه من سلام وسعادة.
لقد تنبَّأت بأنَّ دين محمَّد سيكون مقبولاً في أوربا الغد، كما أنَّه بدأ يكون مقبولاً في أوربا اليوم.
دين الإنسانية
هاملتون جب: يعتبر واحدًا من أكبر المستشرقين الإنجليز في العصْر الحديث، عضو المجمع العلمي العربي في دمشق ومجمع اللغة العربية في القاهرة، وهو أستاذ الدراسات الإسلاميَّة والعربيَّة بجامعة هارفارد الأمريكيَّة، ومن كبار محرِّري وناشري دائرة المعارف الإسلامية.
يقول (هاملتون جب) في كتابه “الإسلام إلى أين؟”:
لا يزال لدى الإسلام فضلٌ آخَر يبذله من أجل قضيَّة الإنسانية، فهو يقف -على كل حال- أقْرب إلى الشرق، أكثر من موقف أوربا منه، كما أنَّه يمتلك تقاليد رائعة فيما يتعلَّق بالتفاهم والتعاون بين أجناس البشر، فلم يُحْرِز أيُّ مجتمع آخر -غير الإسلام- مثل هذا السجلِّ من النجاح في التَّوحيد بين القدر الهائل والمتنوع من الأجناس البشريَّة بتحقيق المساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص للجميع.
ولا يزال الإسلام قادرًا على تَحْقيق مصالحة بين عناصر الجنس البشري وتقاليدها، التي تستعصي على التصالح.
وإذا قدر أن يحمل التعاون -يومًا ما- محل التعارض القائم بين المجتمعات الكبيرة في الشَّرق والغرب، فإنَّ وساطة الإسلام تصبح شرطًا لا غنى عنْه؛ إذ يكمن بين يديه – إلى حدٍّ كبير – حلُّ المشكلة التي تواجه أوربا في علاقتها بالشرق.
المصدر: موقع الألوكة (بتصرف).
[ica_orginalurl]