(ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد) رواه أحمد.
د. صالح بن علي أبو عرَّاد
للأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة خصائص كثيرة، نذكرُ منها ما يلي:
خصائص الأيام العشر :
1- أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم فقال عز وجل : “وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ” (الفجر :1 -2). ولاشك أن قسمُ الله تعالى بها يُنبئُ عن شرفها وفضلها.
2- أن الله تعالى سماها في كتابه “الأيام المعلومات”، وشَرَعَ فيها ذكرهُ على الخصوص فقال سبحانه: “وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ” (الحج : 28)، وقد جاء في بعض التفاسير أن الأيام المعلومات هي الأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة.
3- أن الأعمال الصالحة في هذه الأيام أحب إلى الله تعالى منها في غيرها؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد) رواه أحمد.
4- أن فيها (يوم التروية)، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج.
5- أن فيها (يوم عرفة)، وهو يومٌ عظيم يُعد من مفاخر الإسلام، وله فضائل عظيمة، لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، ويوم العتق من النار، ويوم المُباهاة فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله عز وجل فيع عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ؟) رواه مسلم.
6- أن فيها (ليلة جَمع)، وهي ليلة المُزدلفة التي يبيت فيها الحُجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة.
7- أن فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام.
8- أن فيها (يوم النحر) وهو يوم العاشر من ذي الحجة، الذي يُعد أعظم أيام الدُنيا كما روي عن عبد الله بن قُرْط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر، ثم يوم القَرّ) رواه أبو داود.
9- أن الله تعالى جعلها ميقاتاً للتقرُب إليه سبحانه بذبح القرابين كسوق الهدي الخاص بالحاج، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين.
10- أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.
11- أن هذه الأيام المباركات تُعد مناسبةً سنويةً مُتكررة تجتمع فيها أُمهات العبادات كما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره”.
12- أنها أيام يشترك في خيرها وفضلها الحُجاج إلى بيت الله الحرام، والمُقيمون في أوطانهم لأن فضلها غير مرتبطٍ بمكانٍ مُعينٍ إلا للحاج.
بعض الدروس التربوية المستفادة من أحاديث فضل الأيام العشر :
1- التنبيه النبوي التربوي إلى أن العمل الصالح في هذه الأيام العشرة من شهر ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله تعالى منه في غيرها، وفي ذلك تربيةٌ للنفس الإنسانية المُسلمة على الاهتمام بهذه المناسبة السنوية التي لا تحصل في العام إلا مرةً واحدةً، وضرورة اغتنامها في عمل الطاعات القولية والفعلية، لما فيها من فرص التقرب إلى الله تعالى، وتزويد النفس البشرية بالغذاء الروحي الذي يرفع من الجوانب المعنوية عند الإنسان، فتُعينه بذلك على مواجهة الحياة.
2- التوجيه النبوي التربوي إلى أن في حياة الإنسان المسلم بعض المناسبات التي عليه أن يتفاعل معها تفاعلاً إيجابياً يمكن تحقيقه بتُغيير نمط حياته، وكسر روتينها المعتاد بما صلُح من القول والعمل، ومن هذه المناسبات السنوية هذه الأيام المُباركات التي تتنوع فيها أنماط العبادة لتشمل مختلف الجوانب والأبعاد الإنسانية.
3- استمرارية تواصل الإنسان المسلم طيلة حياته مع خالقه العظيم من خلال أنواع العبادة المختلفة لتحقيق معناها الحق من خلال الطاعة الصادقة، والامتثال الخالص. وفي هذا تأكيدٌ على أن حياة الإنسان المسلم كلها طاعةٌ لله تعالى من المهد إلى اللحد، وفي هذا الشأن يقول أحد الباحثين: فالعبادة بمعناها النفسي التربوي في التربية الإسلامية فترة رجوعٍ سريعةٍ من حينٍ لآخر إلى المصدر الروحي ليظل الفرد الإنساني على صلةٍ دائمةٍ بخالقه، فهي خلوةٌ نفسيةٌ قصيرةٌ يتفقد فيها المرء نفسيته صفاءً وسلامةً ( عبد الحميد الهاشمي ، 1405هـ ، ص 466 ).
4- شمولية العمل الصالح المتقرب به إلى الله عز وجل لكل ما يُقصد به وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، سواءً أكان ذلك قولاً أم فعلاً ، وهو ما يُشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم “العمل الصالح”؛ ففي التعريف بأل الجنسية عموميةٌ وعدم تخصيص؛ وفي هذا تربيةٌ على الإكثار من الأعمال الصالحة، كما أن فيه بُعداً تربوياً لا ينبغي إغفاله يتمثل في أن تعدد العبادات وتنوعها يُغذي جميع جوانب النمو الرئيسة (الجسمية والروحية والعقلية) وما يتبعها من جوانب أُخرى عند الإنسان المسلم.
5- حرص التربية الإسلامية على فتح باب التنافس في الطاعات حتى يُقبِل كل إنسان على ما يستطيعه من عمل الخير كالعبادات المفروضة، والطاعات المطلوبة من حجٍ وعمرةٍ، وصلاةٍ وصيامٍ، وصدقةٍ وذكرٍ ودعاءٍ …الخ. وفي ذلك توجيهٌ تربويُ لإطلاق استعدادات الفرد وطاقاته لبلوغ غاية ما يصبو إليه من الفوائد والمنافع والغايات الأُخروية المُتمثلة في الفوز بالجنة، والنجاة من النار.
6- تكريم الإسلام وتعظيمه لأحد أركان الإسلام العظيمة وهو الحج كنسكٍ عظيمٍ ذي مضامين تربوية عديدة تبرزُ في تجرد الفرد المسلم من أهوائه ودوافعه المادية، وتخلصه من المظاهر الدنيوية، وإشباعه للجانب الروحي الذي يتطلب تهيئةً عامةً، وإعدادًا خاصاً تنهض به الأعمال الصالحات التي أشاد بها المصطفى صلى الله عليه وسلم في أحاديث مختلفة، لما فيها من حُسن التمهيد لاستقبال أعمال الحج ، والدافع القوي لأدائها بشكلٍ يتلاءم ومنـزلة الحج التي -لا شك –أنها منـزلةٌ ساميةٌ عظيمة القدر.
7- تربية الإنسان المسلم على أهمية إحياء مختلف السُنن والشعائر الدينية المختلفة طيلة حياته؛ لاسيما وأن باب العمل الصالح مفتوحٌ لا يُغلق منذ أن يولد الإنسان وحتى يموت انطلاقاً من توجيهات النبوة التي حثت على ذلك ودعت إليه وليس هذا فحسب؛ فهذه الأيام العظيمة زاخرةٌ بكثيرٍ من الدروس والمضامين التربوية، التي علينا جميعاً أن نُفيد منها في كل جزئيةٍ من جزئيات حياتنا، وأن نستلهمها في كل شأن من شؤونها، والله نسأل التوفيق والسدّاد، والهداية والرشاد، والحمد لله رب العباد.
______________________________________
المصدر: بتصرف يسير عن موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/Doat/arrad/38.htm
[ica_orginalurl]