القاهرة- دار الإعلام العربية
ليست بلاد العرب وحدها بلاد الإسلام، فالرسالة المحمدية رسالة عالمية للناس أجمعين في كل مكان على وجه الأرض، وبرغم كل ما تتعرض له الأقليات الإسلامية من اضطهاد فإن الإسلام ينتشر يومًا بعد يوم في أرجاء المعمورة كافة.. في كمبوديا، الفلبين، منغوليا، تركستان، التبت، تايوان، هونج كونج، الصين، كوريا، اليابان، كاليدونيا، جزر فيجي، أستراليا، تايلند، تنزانيا، رواندا، ميانمار، سنغافورة، الهند، جامو وكشمير، نيبال، سريلانكا، أوزبكستان، طادجيكستان، قرغيزيا، أذربيجان، التركمان، أورنبرج، جمهورية ماري، فنلندا، النرويج، ألمانيا، فرنسا، سويسرا، الدنمارك.
الحريات الدينية التي دائما وأبدًا ما «يصدعنا» الغرب بضرورة الالتزام بها في بلاد المسلمين حيال الأقليات الدينية، لا يقابلها أدنى التزام من الآخر بالأقليات الإسلامية لديه، فيعاني المسلمون معاناة متفاوتة ما بين الاضطهاد الذي يصل إلى حد الإبادة الجماعية، والتضييق في ممارسة العبادة في أحسن الأحوال، فعلى سبيل المثال ولاية «كشمير» الهندية، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة، يمثل المسلمون فيها نسبة 78%، يواجه المسلمون أسوأ ألوان الاضطهاد ويرزحون تحت نيران الاحتلال الهندوسي الظالم، كما يتعرض المسلمون في بورما (ميانمار) لشتى ألوان التعذيب، والحال ليس أفضل منه في جمهوريات الاتحاد السوفيتي (سابقًا)، حيث تواجه الأقليات المسلمة العداء من الروس خاصة في شمال القوقاز، والشيشان.. وفي الغرب الذي يفترض فيه التحضر لا يبدو المشهد أفضل، حيث تفشى العداء لكل ما هو إسلامي، خاصة إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واللافت أن هذا العداء في حد ذاته كان سبيلًا إلى تعرف كثير من الغربيين إلى الإسلام والدخول فيه أفواجًا!
فوبيا
لقد أصبح الوجود الإسلامي في أوروبا واقعًا ملموسًا خلال السنوات الماضية بعد تنامي أعداد الأوروبيين المعتنقين للإسلام عامًا بعد آخر، وربما كان هذا التنامي في أعداد المسلمين في القارة الأوروبية سببًا رئيسيًّا في استعار الهجوم على الإسلام والمسلمين، استنادًا إلى مزاعم واهية وأكاذيب ليس لها أي سند منطقي أو تاريخي.. يؤكد أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة ستراسبورج الفرنسية والمحاضر أيضًا بجامعة لوفوبان البلجيكية د.يونس جوفرا، أن عدد المسلمين في الغرب عامة وفرنسا خاصة يتزايد عامًا بعد الآخر، سواء من خلال المهاجرين المسلمين إلى فرنسا من الدول الأفريقية، لاسيّما دول المغرب العربي، أو من خلال الفرنسيين أنفسهم الذين يقبلون على اعتناق الدين الإسلامي بقوة خلال السنوات الماضية.
وكمسلم فرنسي يفسر جوفرا الهجوم الضاري الذي تتعرض له الأقليات الإسلامية، لاسيّما في الغرب، بأن هناك مفهومًا جديدًا على القارة الأوروبية هو «الإسلاموفوبيا».. ويعني خوف الأوروبيين من الدين الإسلامي وكل ما يرتبط به، لاسيّما في ظل المكونات الثقافية للمجتمع الأوروبي الذي يقوم على العلمانية، ما أدى إلى عدم وعي قطاع كبير من الفرنسيين من معتنقي الأديان الأخرى بالإسلام.. إضافة إلى أن العشرين سنة الماضية شهدت تزايدًا في أعداد المسلمين في فرنسا، وانعكس ذلك على عدد من المظاهر الملتزمة بآداب هذا الدين الحنيف، مثل الملبس، ما أدى إلى تخوف عدد كبير من الفرنسيين الذين تعودوا في حياتهم على الحرية الكاملة وغير المقيدة في جميع مظاهر حياتهم.
إلا أن جوفرا يوضح أن الهجوم الذي يتعرض له الإسلام في أوروبا لا يسيطر تمامًا على وسائل الإعلام هناك، مؤكدا أن هناك تيارًا آخر يهدف إلى معرفة حقيقة الإسلام، والتعمق في كل ما يرتبط به من أفكار ورؤى، بعيدًا عن الهجوم الشديد الذي تتبناه وسائل إعلامية أخرى تستقي هجومها من تخوف عدد من السياسيين الفرنسيين من تحول فرنسا إلى دولة إسلامية في ظل تزايد عدد معتنقي الإسلام بين الفرنسيين.
وأكد أن الهجوم على الإسلام أسهم في اعتناق كثير من الفرنسيين للإسلام، حيث أخذ الهجوم الشديد في وسائل الإعلام على الإسلام والمسلمين عند كثيرين موقفا عكسيًّا جعلهم يتجهون بشكل غير مباشر إلى محاولة فهم هذا الدين والقراءة عنه، والوقوف على حقيقته التي تجمع مقومات التكامل بين ما هو مادي وما هو روحي.
وحول وجود المسلمين في دول العالم غير الإسلامية ومنها الدول الأوروبية، أكد أن ذلك يحقق أكثر من هدف، على رأسها انتشار الدين الإسلامي والدعوة إليه من خلال المسلمين القاطنين في هذه الدول، علمًا بأنه ليس شرطًا أن تكون الدعوة مباشرة، وإنما من خلال سلوكياتهم التي تجذب أنماطًا عديدة من شرائح المجتمع الأوروبي، مثل السيدات والباحثين عن الحقيقة.. ومن خلال هذا الهدف يأتي الهدف الآخر الذي يقوم به المسلمون في هذه البلاد وهو تهيئة الظروف الإيمانية المناسبة لاستقبال معتنقي الدين الإسلامي، ومساعدتهم على العيش حياة إسلامية تختلف عن تلك التي كانوا يعيشونها من قبل.
وحول ما يحتاجه المسلمون في أوروبا لمواجهة التحديات التي تواجههم، أكد أن المسلمين في أوروبا إذا أدركوا دورهم في الدفاع عن الدين الإسلامي وعن حقوقهم كمسلمين في هذه الدول فإنهم سيسعون إلى تكريس وجودهم في المؤسسات التي من شأنها مساعدتهم على ذلك، ومنها المجالس التشريعية والبلدية، والتي يجب أن يتواجد فيها ممثلون عن المسلمين؛ للتحدث بصوتهم والتعبير عن مشكلاتهم، والمطالبة بإيجاد حلول لها من خلال التشريعات والقوانين التي تسن من وقت إلى آخر.. ويحتاج المسلمون أيضا إلى التواصل مع المؤسسات الإعلامية الكبرى هناك من خلال مؤسساتهم من أجل تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، ومن ثم تهيئة الظروف المناسبة لحصولهم على حقوقهم، والتي تقف الصورة المشوهة والمأخوذة عنهم عقبة في سبيل ذلك.
تكتم
بدوره، تطرق مفتي أستراليا الأسبق، د.تاج الدين الهلالي إلى سمات الجالية الإسلامية في أستراليا، موضحا أنها تميل إلى الوسطية والاعتدال، وهي جالية لها حضورها؛ فمنها أعضاء في البلديات والجامعات مشهود لهم بالولاء للمجتمع الأسترالي، وتتكون من 27 جنسية أكبرها الجالية اللبنانية، تليها الجالية الإندونيسية ثم الماليزية.. وأكد أن الإسلام ضارب في أعماق أستراليا، حيث تؤكد الأبحاث أن المسلمين وصلوا إليها قبل أن يصلها الإنجليز، وأن الهجرة الثانية لأستراليا كانت عبر المهاجرين الأفغان المسلمين، مشيرا إلى انتشار أكثر من 380 مركزًا إسلاميًّا موزعة في شتى الولايات الأسترالية، وأن 90% من تعداد المسلمين يقيمون في مدينة سيدني.
وعن أعداد معتنقي الإسلام، أكد أن تعداد الجالية الإسلامية هناك ما يقرب من السبعمائة والخمسين ألفًا، مؤكدا أن المسلمين يتكتمون الحديث عن عددهم الحقيقي حتى لا يثيروا حفيظة وعداء غير المسلمين.
تقصير
من جانب آخر، أكد الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية د.جعفر عبدالسلام، أن النظرة الدونية للإسلام في الغرب مسؤول عنها الغرب ذاته؛ لأنه لم يضع في اعتباره يومًا التعرف إلى الإسلام من مصادره الصحيحة، إضافة إلى تقصير الدول الإسلامية في تدعيم المراكز الدينية المتناثرة لدى الجاليات والأقليات الإسلامية؛ حتى تستطيع القيام بمهمتها في تصحيح صورة الإسلام.
وأضاف: كان لافتًا خلال جولاتنا ولقاءاتنا مع المفكرين الغربيين شكواهم مر الشكوى من خلو المكتبات ودوائر المعارف الغربية من الكتب الخاصة بالثقافة والحضارة والشريعة الإسلامية؛ مما دعانا إلى توجيه دعوات لإيجاد مشروع إسلامي ضخم يتولى إعداد كتب ومؤلفات ترد على تساؤلات الغربيين وتشبع نهمهم للتعرف إلى الإسلام ومبادئه، كما توفر للأقليات المسلمة أفكارًا واضحة للتعامل مع المشكلات التي تواجههم.
وأشار إلى أن الجاليات والأقليات الإسلامية تعاني التضييق على حرياتها الدينية، إضافة إلى قيود على حقوقها الاقتصادية، وهو ما حاولت رابطة الجامعات الإسلامية وغيرها من المؤسسات الإسلامية نقله إلى أطراف أوروبية خلال لقاءات مشتركة، وأبلغناهم بأن القيود على بناء المساجد وحظر ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة يضر بشدة باندماج هذه الجاليات في المجتمعات التي تضمها، وأوضحنا ضرورة ممارساتهم لشعائرهم الإسلامية في حرية تكفلها القوانين المعمول بها في الاتحاد الأوروبي، شأنهم في ذلك شأن باقي المواطنين سواء بسواء، وركزنا على أهمية تمسك المسلمين هناك بأصول دينهم والحفاظ على قيمهم.
وطالب جعفر بمحو كل مظاهر التمييز التي تمارس ضد الأقليات الإسلامية، سواء في التمتع بفرص العمل والتوظيف، أو بالحماية الواجبة لهم ضد الإساءات الأمنية، باعتبار أن أوضاعهم حاليا تخالف جميع التقاليد الأوروبية، بل وتشكل نقطة سوداء في الثوب الأوروبي.. كما طالب في المقابل هذه الأقليات والجاليات التي تعيش في بلدان غير إسلامية باحترام قوانين هذه البلدان طالما لا تتعارض مع صحيح الدين، وكذا الاندماج في هذه المجتمعات والتعايش معها والاستفادة مما تتيحه من فرص للتعليم والبحث العلمي، بحيث يكون المسلمون مشاركين فاعلين في بناء هذه المجتمعات، وتأهيل أنفسهم للتنافس الشريف والتطلع إلى مستقبل أفضل دون الإخلال بشخصيتهم الإسلامية، ما يؤدي إلى التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعلمية وغيرها، ويصب في النهاية في مصلحة الجميع.
فقه الأقليات
وبالرغم من أن الدين واحد فإن اللغة والأماكن تختلف؛ لذلك تحتاج الأقليات المسلمة إلى خطاب فقهي يتجاوز التحديات والمصاعب التي تواجهها للتكيف مع مجتمعاتها.. وعن ذلك يوضح أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر د.محمد أبوليلة أن هناك اختلافًا بين الخطاب الفقهي الموجّه إلى الأقليات المسلمة وبين نظيره الموجّه إلى عموم المسلمين، مشيرا إلى أن الاختلاف يأتي من جهة أن الأقليات المسلمة تعيش في أوطان لا يحكمها الإسلام.. ويعتبر من أبرز التحديات التي تواجهها الأقليات في المجتمعات الغربية مشكلات القوانين والشريعة الإسلامية، خاصة قوانين الأحوال الشخصية ومشكلات المواريث، التي من المفترض أن يتعايش معها المسلم وفقًا للقانون الوضعي للبلد الذي يعيش فيه.
وتابع: أن العلماء يختصون الأقليات بمزيد من الرعاية والاهتمام من خلال المحاولة لوضع عدد من الحلول للمشكلات التي يواجهونها في إطار إسلامي.. ويبقى دور الخطاب الفقهي بمحاولة أسلمة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأسرية بما يوافق العادات الإسلامية، لافتا إلى أن أهم معالم فقه الأقليات هو أنه يبيح للأقليات ما لا يبيحه لغيرهم، مع احترام قوانين وخصوصية واستقلال البلد الذي يعيش فيه مع الاندماج في هذا المجتمع.. مشيرا إلى اقتصار ذلك على الفروع التي لا تضر العقيدة.
الدين يسر
في الاتجاه ذاته، أكد الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف الشيخ عبدالحميد الأطرش أن فقه الأقليات المسلمة ينطلق وفقا لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إن الدين يسر»؛ لذلك لا ينبغي استخدام مواضع التشدد مع الأقليات المسلمة حول العالم، ولا بد أن يتم التعامل معهم من مبدأ الإيضاح لصورة الإسلام وبيان يسره وسهولته، مع ضرورة أن يكون بعيدًا عن التعقيد وعن الخلافات الفقهية التي قد تؤدي إلى ابتعادهم عن الدين.
وشدد على ضرورة أن يدرك الخطاب الإسلامي الموجه إلى الأقليات الواقع الخاص والمعقد للجاليات المسلمة، من أجل إصدار الفتوى بما يوافق العصر، وأن يحيط علمًا بالثقافات المتنوعة والمختلفة، لافتا إلى أن الخطاب الفقهي الذي يخطئ في فهم أعراف المجتمعات وثقافاتهم لا يتمكن من إنزال حكم الله الصحيح في كثير من القضايا، خاصة المتعلقة بالشؤون والعلاقات الاجتماعية.
وختم قائلا: من الضروري أن يراعي الخطاب القوانين السائدة في تلك البلاد، وألا يعرض المسلمين إلى مخاطر مخالفة القوانين، فالأصل في الإسلام أنه «لا ضرر ولا ضرار»، وينبغي أن يطرح الخطاب الفقهي البدائل المشروعة للمحظورات الموجودة في تلك البلاد، وألا يغلق الباب في وجه المحظورات فحسب، وذلك في ضوء قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقوله أيضًا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
——-
** المصدر: الوعي الإسلامي.
[ica_orginalurl]