الحياة الجامعية مصدر مهم وكبير من مصادر الدعوة إلى الله تعالى لكل فتاة من فتيات الإسلام، تاقت نفسها إلى العمل من أجل نصرة دين ربها سبحانه وتعالى، وذلك نظرًا لهذه الكثافة العددية للطلاب، بالإضافة لقضائهم فترات طويلة وعلى مدى سنوات مع
بعضهم البعض.
ويزيد من تلك الأهمية أن الشباب في هذه المرحلة يكونون في نضج عقلي وفكري يمكِّنهم من قبول الدعوة، وفي الأغلب يتوفر فيهم إمكانات عقلية طيبة شأن كثير من الجامعيين.
مقومات الطالبة الجامعية الدعوية
فكيف يمكن لأميرتنا الدعوة إلى الله من خلال الوسط الجامعي؟ إن الإجابة على هذا السؤال تجعلنا نشير أولًا إلى مقومات الداعية إلى الله تعالى، والصفات التي ينبغي أن تتحلى بها الفتاة التي تقوم بدعوة زميلاتها إلى الخير والرشاد، حتى تكون دعوتها
مؤثرة، ويكون أدعى لاستجابة زميلاتها للنصح والتوجيه والإرشاد؛ ومن هذه المقومات:
الإخلاص:
ومعناه تصفية العمل من كل نية سيئة تشوبه؛ فيكون عملك للدين ليس من أجل شهرة أو ابتغاء مدح وثناء، وإنما يكون قصدك من الدعوة إلى الله التقرب إليه ونصرة دينه، وهو شرط لقبول العمل الصالح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه” [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (3140)].
القدوة:
(فتلك والله أعظم خدمة يمكنك أن تسديها إلى دين الله تعالى، أن تكوني مصحفًا يمشي على الأرض، أن تحولي كل حرف تعلمتيه من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى واقع عملي ملموس، يكون خير لسان يبلغ الناس بتعاليم هذا الدين، وقديمًا قيل: إن فعل رجل في ألف رجل، أبلغ من قول ألف رجل لرجل.
بل هي الهداية الحقيقية على مذهب الإمام الشافعي الذي يعلنه بقوله: “من وعظ أخاه بفعله كان هاديًا” [المنطلق، محمد أحمد الراشد، ص(202)].
وهو السر في قبول الناس لكلام الحسن البصري رحمه الله، كما اكتشف ذلك عبد الواحد بن زياد، فقال: “ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ، إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم منه” [المنطلق، محمد أحمد الراشد، ص(202)].
“فالقدوة إذًا هي مفتاح نجاح داعية الإسلام لهذا الدين، وقبول الناس لما معه من بضاعة الهداية” [لو أن له رجالًا، فريد مناع، ص(104)].
فلابد أن تكوني قدوة في مظهرك وملبسك وسلوكياتك، وكم من أناس اهتدوا بسبب السمت الطيب؟!
وسائل الدعوة إلى الله في الجامعة
هناك عدة وسائل تفيد أميرتنا في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى من خلال الوسط الجامعي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولًا: التوجيه الفردي:
أو النصيحة الفردية، وهي كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أولًا، كان بعد نزول الأمر بالبلاغ، يكلم الناس على حدة، يكلم كل واحد منهم على انفراد يبلغه رسالة الله تعالى، وكان أبو بكر هو أول من دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب ولم يتردد.
“وإذا تفيأ داعية الإسلام ظلال سير الصحابة الأوائل؛ لأدرك كيف أتقنوا فن الدعوة الفردية بعد أن استقوه من الداعية الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
وها هو الراشد الأول الصديق -رضي الله عنه- ما إن يشهد شهادة الحق بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينطلق إلى رجال قومه، فينتقي منهم من يصلح لحمل أمانة الدعوة، ويخصه باتصال فردي يبثه من خلاله أنوار الهداية.
فكان الرجال يأتونه ويألفونه لعلمه وتجارته وحسن خلقه، ولم يلبث إلا قليلًا حتى أينعت جهوده المباركة في الدعوة الفردية، وأثمرت إسلام أكثر أفذاذ هذه الأمة من العشرة المبشرين بالجنة” [سيرة ابن هشام، (1/220)]؛ منهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم.
ثم انظري إلى ذلك الماهر الموهوب مصعب بن عمير رضي الله عنه، ذلك الداعية الخبير الذي أوفده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد بيعة العقبة الأولى ليكون بذلك أول سفير عرفه الإسلام، كيف استطاع هذا الهمام بما معه من إيمان ويقين ثم بإتقان فنون الدعوة الفردية أن يفتح الله به قلوب أهل المدينة قبل مقدم نبي الهدى إليها [السيرة النبوية، ابن كثير، (2/181-185)]؟!
إرشادات للدعوة الفردية:
(1- ليكن شعارك في الدعوة إلى الله تعالى قوله سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك} [آل عمران: 159]، وقول الله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، فباللين والحكمة تفتح لك القلوب المغلقة.
2- اجعلي نصيحتك في السر لا العلانية؛ فكما قيل: النصيحة في السر نصيحة، والنصيحة في العلن فضيحة، فالنفس البشرية تأبى الظهور في محل النقد، لذلك لا تنصحي زميلاتك علانية.
تعمدني بنصحك في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعــة
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى سمـاعه
3- لا تنكري إلا على ما تتأكدين أنه محرم، ولا تنكري على أمر تظنينه محرمًا، فإنه يشترط العلم بتحريم المنكر لإنكاره.
4- تحيَّني الأوقات المناسبة للنصيحة حتى يكون ذلك أدعى للاستجابة، فلا تنصحي مثلًا زميلتك وهي مشغولة، أو وهي في مزاج سيء.
5- قبل أن تشرعي في النصح قدِّمي بين يدي ذلك التعارف والابتسامة، والسؤال عن الأحوال الدراسية.
6- يمكنك الاستعانة بالغير في النصح، فمثلًا إذا أردت توجيه النصح لفتاة ورأيت زميلة لها مقرَّبة إلى قلبها يمكنها نصح زميلتها فيمكنك الاستعانة بها، فالذي يهمنا هو توصيل الحق من خلال أي طريق مشروع.
7- الهدية تفتح القلوب المؤصدة وتؤلف القلوب، فاحرصي قدر المستطاع على بذل الهدية لمن ترغبين في دعوتها.
8- ابدئي بمن تكون مظنة الاستجابة لدعوتك، حتى تكون رفيقتك على درب الخير، وتعينك على طاعة الله وأمر الدعوة إليه.
9- تخولي زميلاتك بالموعظة، فلا تنصحي وتعظي صديقتك كلما رأيتها، فإنها قد تمل وتنفر، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة علينا) [متفق عليه].
10- إن قوبلت دعوتك بعدم القبول فلا تيأسي، فإن الأجر يأتيك بالجهد لا يتوقف على النتائج، وإن من أنبياء الله من لم يستجب لهم سوى رجل أو رجلان، ومنهم من لم يستجب له أحد على الإطلاق، ومع ذلك هم بلِّغوا كما أمرهم الله، فما قصَّروا في تبليغ الحق إلى الأنام) [أميرة في الجامعة، هيام محمد يوسف].
ثانيًا: توزيع المواد المسموعة والمقروءة:
فيمكنك عزيزتي أن تقومي بالدعوة إلى الله دون احتياج لباقة أو قدرة على الإقناع، وذلك عن طريق إهداء الشريط الإسلامي الهادف أو “السي دي” مسجل عليه مواد نافعة من مواعظ وخطب تحفز إلى التزام طريق الخير.
وكذلك بتوزيع الكتيبات الصغيرة والرسائل، وهي تمتاز بسهولة إكمال قراءتها بالكامل نظرًا لصغرها، كما أنها تتناول غالبًا موضوعًا محددًا تطرق عليه.
ولن يرهقك ذلك ماديًّا، حيث يمكنك اقتطاع جزء يسير جدًّا من مصروفك الشخصي، والقيام بشراء رسائل أو أشرطة أو “سي دي” وإهدائه لصديقاتك.
ثالثًا: إيميلات الخير:
فيمكنك أن تأخذي من صديقاتك بريدهن الإلكتروني، وترسلي إليهن “إميلات” يرفق بها ملفات طيبة كالمواعظ أو الحكم أو القصص المؤثرة، فهي وسيلة طيبة، حيث أنها تقرأها على انفراد، وليس فيها تعرض لشيء من الإحراج قد يكون مع الاتصال المباشر.
رابعًا: المشاركة في الأعمال الخيرية:
فيجب أن تكوني عنصرًا فاعلًا يفيد الناس، فساهمي في أي أنشطة وأعمال خيرية في الجامعة، وبإمكانك التنسيق مع صديقاتك الطيبات في التفكير في طرق لإفادة الزميلات في الجامعة، وتفعيل تلك الأفكار.
فعلى سبيل المثال: يمكن القيام بتخليص المحاضرات ومنحها لمن يريد أن ينسخها؛ حتى يكون في ذلك تسهيلًا على زميلاتك.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه) [رواه مسلم]، والمؤمن معطاء باذل للمسلمين، يحب لهم الخير، ويسعى في حاجاتهم؛ لأنه تربطهم به رابطة تفوق كل وشيجة، وهي رابطة الأخوة الإيمانية.
عزيزتي، إن وسائل الدعوة كثيرة وكثيرة، لكننا لم نشأ أن نثقل عليك، فاكتفينا بأمور لا تحتاج منك إلى عظيم جهد، حتى يكون في مقدورك القيام بها وسط الأعباء الدراسية، ولكن ما نريد التركيز عليه هو أنه ينبغي أن يكون لك دور في خدمة دينك.
“كوني ناصحة لعباد الله، خذي بأيديهم إلى الله، تنثر كلمات الهدى من فيك عطرًا وياسمينًا، في رفق ورحمة، وحكمة وموعظة حسنة:
كن مشـعلًا في جنح ليل حالك *** يهدي الأنام إلى الهدى ويبين
وانشط لدينك لا تكن متكاسلًا *** واعمل على تحريك ما هو ساكن”
[لو أن له رجالًا، فريد مناع، ص (113)، بتصرف].
المصادر:
- لو أن له رجالًا، فريد مناع.
- أميرة في الجامعة، هيام محمد يوسف.
- المنطلق، محمد أحمد الراشد.
- سيرة ابن هشام.
- السيرة النبوية، ابن كثير.
_____
* المصدر: مفكرة الإسلام (بتصرف يسير).
[ica_orginalurl]